ايلاف من المنامة: من المقرر أن يرعى الشيخ سلمان بن حمد آل خليفه ولى العهد نائب الملك والقائد الأعلى اليوم الثلاثاء إحتفالات ذكرى مرور أربعين عاما على تأسيس قوة دفاع البحرين، وسوف يجرى خلال هذه الإحتفالات توزيع وسام تقدير الخدمة العسكرية الذى تفضل بها الملك حمد بن عيسى آل خليفه بمنحه للمستحقين من الضباط وضباط الصف والأفراد الذين أثبتوا مدى كفاءتهم وبراعتهم فى مختلف التخصصات العسكرية والعملية وكانوا دائما عند مستوى المسئولية التى انيطت بهم.

أربعون سنة تعاقبت على تأسيس قوة دفاع البحرين وهي حافلة بالجهد الوطني المخلص حسب تقرير لقوة دفاع البحرين تنشره إيلاف، وفي هذه السنين أسست الوحدات، والأسلحة، وارتفعت عالياً رايات العزة والمنعة وانطلقت الطائرات، ودشنت القطع البحرية وأنشأت منظومات الأسلحة الحديثة، وافتتحت المشروعات الجديدة، واستحدثت الخطط والبرامج المتطورة، وأقيمت مراكز الإعداد والتدريب المتقدمة، ونفذت التدريبات والتمارين والمناورات، وتخرجت الدورات والدفعات على مختلف المستويات البرية والجوية والبحرية، وتقدمت مراحل التنمية البشرية العسكرية والإدارية، ولا يزال البذل والعطاء متواصلين ومتناغمين مع تقدم مملكتنا الغالية، فمسيرة قوة دفاع البحرين تحفل بالمسئوليات الجسام، إذ تتجلى فيها روح البذل التي تتسم بمتانة الحس الوطني الخالص، كما تتجسد فيها أروع صور التضحية النابضة بالقوة، وخلال مسيرة الخير، والتأسيس والبناء، يبذل رجال قوة الدفاع الكثير من الجهد في سبيل الارتقاء بهذه القوة الشامخة للذود عن ثرى مملكة البحرين.

ـ بزوغ الضوء الأول لقوة دفاع البحرين

عندما بدأت تتضح دلائل عزم بريطانيا الانسحاب من منطقة الخليج العربي في شهر يناير 1968 للميلاد ، وجدت مملكة البحرين أن واجبها الوطني يقتضي بناء قدرتها الدفاعية الذاتية من أجل توفير الحماية والأمن لربوع مملكتنا الغالية ، حيث أن الاستقلال والسيادة، وعملية البناء والتنمية تتطلب وجود قوة مؤهلة قادرة على النهوض بدورها الكبير في حماية الوطن والقيام بمسؤولياتها الجسام في الحفاظ على الأمن والاستقرار ، وتمكين المملكة من مواجهة مشكلة الفراغ الذي سيعقب الانسحاب البريطاني. لقد أدرك الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين القائد الأعلى بحكمته السديدة وبصيرته الثاقبة, منذ الإرهاصات الأولى لبزوغ فجر الاستقلال، أن القوة التي مبعثها العقيدة والروح الوطنية الصادقة، هي وحدها القادرة على تحصين المملكة وحفظ مقدراتها فقد كُلف لإنجاز هذه المهمة الكبيرة وحمل لوائها ، والتحق بدورة في بكلية (مونز) العسكرية للضباط في المملكة المتحدة، وتخرج فيها في السادس عشر من فبراير لعام 1968م، وحمل فـي فكره خطة بناء قوة دفاع البحرين.

فمنذ ذلك الحين عكف الملك حمد على الدراسة الواعية لنظم الجيوش؛ لتبني أحدث النظريات العسكرية التي ترتكز على أسس روحية قوية قوامها الدين، ثم العقل والإيمان الراسخ في ضمير شعب مملكة البحرين. لقد كانت مرحلة تأسيس الدولة الحديثة القاعدة الصلبة التي قامت عليها مؤسسات المملكة المختلفة، ومن أهمها؛ قوة دفاع البحرين ، هذا الصرح الدفاعي الذي أوكل إليه القيام بأقدس المهام، وأعظم الواجبات، وهي حفظ أمن الوطن واستقراره، ففي مستهل شهر أغسطس من عام 1968م سطع في سماء مملكتنا الغالية نجم آخر لا يقل أهمية في تاريخ مملكة البحرين الحديث عن انبثاق فجر الاستقلال، إنه مولد قوة دفاع البحرين، وبزوغ ضوئها الأول ، فقد صدرت الإرادة السامية من - المغفور له بإذن الله تعالى- الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد الراحل بإنشاء نواة لقوة عسكرية لمملكة البحرين.

في الثالث والعشرين من سبتمبر من عام 1968م صدرت إرادة أميرية سامية من الأمير الراحل عُهد بموجبها إلى الملك حمد قيادة هذه القوة الفتية. ولم يكن تشكيل قوة دفاع البحرين وليد البيان الرسمي لهذه القوة، فإن الملك قد دأب على رسم الخطط الرشيدة، ووضع الأهداف المقرونة بسعته الأفق، وروية الفهم وعقلانية الإدراك، والتوجه لبناء القوة النموذجية التي تواكب كل نمو وكل تطوير. لقد كانت البدايات متواضعة إلا أن الطموحات كانت تفوق كل خيال في فكر المؤسس الأول لهذه القوة الملك حمد. هذا القائد الذي يمتلئ إرادة وحيوية وفاعلية وإقداماً، بغية أن يسبق الزمن بقوة وعزيمة لتطوير تلك الفكرة السامية إلى قوة دفاعية عصرية حديثة تمتلك من السلاح والعتاد والرجال ما يضاهي أحدث الجيوش في الدول المتقدمة.

الدفعة الأولى

بدأ الملك حمد في وضع اللبنات الأولى، وأشرف على وضع الخطط لانخراط أبناء الوطن في سلك العسكرية ، ووضع البرامج لتدريبهم داخل البلاد وخارجها ، وعمل على توفير الأسلحة والمعدات والتجهيزات والمباني الإدارية ومباني التدريب والأشراف المباشر على تنفيذ هذه الخطط والبرامج لتحقيق الأهداف السامية والعظيمة ، التي جند نفسه لإنجازها، فتابع تأسيس أول وحدة عسكرية بصرح قوة الدفاع، وأشرف على استقبال أول دفعة للمجندين التي بدأت تدريباتها الفعلية في السادس والعشرين من أكتوبر لعام 1968م بمركز التدريب الملكي. إن الخامس من فبراير الذي تحتفل به قوة دفاع البحرين في كل عام يحمل الكثير من المعاني، إنها المناسبة العظيمة التي تحقق فيها طموح الملك بوجود قوة تذود عن الوطن وتحمي أمنه وأهله وازدهاره ، حيث يوافق هذا اليوم الذكرى التي لا ُتمحى من صفحات الزمن، وهي ذكرى تخريج أول دفعة مجندين بقوة الدفاع في الخامس من فبراير لعام 1969م برعاية المغفور له- بأذن الله تعالى- سمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه.

التأسيس والبناء

وبمرور الأيام واستمرار العمل الجاد تكرر تخريج الدفعات ، وظل الإنسان البحريني بحماسه المفعم بالإيمان بالله تعالى ، ثم الولاء لمليكه، وحبه لوطنه يتخطى الحواجز والصعاب، ويقف صلباً في مواجهة التحديات، لتبقى راية مملكة البحرين دائماً خفاقة ، واستمر السيل المتدفق من أبناء الوطن للانخراط في سلك الجندية بالانتماء لهذه القوة التي تسير في تطور سريع نحو الهدف المنشود. لقد قطعت قوة دفاع البحرين على نفسها عهداً منذ اللحظات الأولى لتأسيسها على احتضان أبناء الوطن ، في الوقت الذي تقوم فيه بتوفير أحدث المعدات والعتاد، ومواكبة آخر ما يستجد في تقنية السلاح ، من أجل إيجاد حصناً منيعاً ، ودرعاً متيناً، وحامياً أميناً لمجتمع القانون الذي نحياه ، وسيادة المملكة، ومسيرة نهضتها المباركة.

لقد أدرك الملك منذ فترة بعيدة أن العلم والثقافة مكملان للعلم العسكري بل إنهما يكادا لا ينفصلان عنه ،والملك دائماً يوصي جنده بالتسلح بالعلمين معاً لقناعته بأن العلم والثقافة يفتحان الأفاق أمام هؤلاء الرجال الذين يتعاملون مع اعقد التكنولوجيا التسليحية التي لا يمكن استيعابها دون خلفية علمية راقية وثقافية عالية. لقد بدأ التشكيل الطبيعي لوحدات قوة الدفاع بالقوات البرية ، وبعد اكتمالها جاء دور القوات الجوية ، ثم القوات البحرية ، وهكذا اكتملت الحلقة بتأسيس الأسلحة الرئيسة، وكان تطور التشكيلات يسير جنباً إلى جنب منذ تلك الفترة، وحتى الآن مع إدخال الأسلحة الحديثة والمتطورة لمختلف القوات إلى أن دخلت إلى الخدمة منظومات الأسلحة الحديثة والمتقدمة والتي شملت: الدبابات، والطائرات، والسفن، والصواريخ، والمدفعية، وراجمات الصواريخ، وغيرها من الأسلحة المتطورة التي أستوعبها الضابط والفرد في قوة الدفاع، وأدارها وقادها بكفاءة.
وبماركة ربانية لعباده المؤمنين العاملين المجتهدين المخلصين ، أينعت ثمار هذا الغرس الطيب، وتحقق لقوة الدفاع النجاح عاماً بعد عام، فغدت بالإضافة لكونها ميداناً خصباً للبطولة والتضحية والفداء أكبر مدرسة لتأهيل وإعداد الرجال ذوي الكفاءات العالية ، بل وأصبحت تدفع بمختلف العناصر ذات الكفاءة العالية إلى المجتمع البحريني.

الحفاظ على مكتسبات المملكة والوقوف مع الأشقاء

قامت قوة دفاع البحرين منذ تشكيلها في عام 1968م بدور هام وحيوي في دعم استقرار مملكة البحرين والدفاع عن تاريخها وحضارتها وتقاليدها، وأدت واجبها المقدس بحماية كل المكتسبات الحضارية، والتاريخية، والمنجزات التنموية التي تحققت على أرض المملكة. ومن أبرز الأدوار التي أدتها قوة دفاع البحرين منذ إنشائها حتى الآن هو دورها الحيوي والفاعل ، حيث يعود الفضل لاستعداداتها وتأهبها المستمر وخططها الناجعة المتمثلة في تواجدها الدائم والفاعل في المواقع على الأرض والجزر، وجاهزية قواتها البرية، والبحرية، والجوية على حد سواء ، وبذل وعطاء وإخلاص ضباط، وضباط صف، وأفراد قوة دفاع البحرين، وتفانيهم في الذود عن أرض وسماء ومياه مملكة البحرين.

انطلاقاً من متانة ورسوخ العلاقات القائمة بين مملكة البحرين، ودولة الكويت الشقيقة، استجابت قوة دفاع البحرين لأوامر الملك حمد بن عيسى آل خليفة القائد الأعلى بتلبية نداء الواجب الأخوي بالمشاركة في عام 1991م في حرب تحرير دولة الكويت الشقيقة ، والوقوف إلى جانبها في عام 2003م ، وقامت بمساندة الأشقاء بكل ما يفرضه واجب التضامن الأخوي بين الأشقاء بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي.

التنمية البشرية العسكرية والإدارية

بفضل الرعاية الكريمة التي تلقاها قوة دفاع البحرين من الملك حمد بن عيسى آل خليفة ، بلغت هذه القوة مجدها وعزها، وسارت في عهد الزاهر بخطى حثيثة وثابتة نحو مدارج الرقي العسكري، والتطور العلمي، والازدهار الإداري، وحققت من المنجزات العسكرية ما جعلها في مصافِ الجيوش المتقدمة، ففي ظل اهتمام المستمر والدائم، تزداد صروح التعليم، والإعداد، والتدريب بقوة الدفاع علوا يوما بعد يوم. فقد تشكلت كلية الشيخ عيسى العسكرية الملكية في الثاني من أبريل عام 1998م؛ لتمنح خريجيها شهادة الدبلوما في العلوم العسكرية، محققة بذلك أمنية غالية طالما راودت أبناء هذا الوطن العزيز، و أضحى وجود كلية عسكرية وطنية حقيقة واقعة تغطي حاجة قوة الدفاع المتزايدة من الكفاءات العسكرية المؤهلة بما يتوازى مع التوسع والتطور الجاري بمختلف أسلحة ووحدات قوة الدفاع. وتتويجاً لاستكمال بنية التدريب العسكري الأساسي تسارعت عجلة التدريب العسكري العالي بتشكيل الكلية الملكية للقيادة والأركان في الخامس والعشرين من فبراير لعام 2006م؛ لتكون قلعة علمية شامخة تحمل على عاتقها أعظم أمانة، هي أمانة العلم والمعرفة، فهذه المنارة العلمية الوطنية السامقة هي بحق إنجاز كبير في نطاق التنمية البشرية على مستوى المملكة، و نقلة تعليمية متميزة لقوتنا الأبية .

استكمال التطوير والتحديث

إننا في قوة دفاع البحرين نشكر الله العلي القدير الذي هيأ لنا قيادة واعية، حريصة على أن تكون قوة دفاعنا مثالاً طيباً للجيش الحديث الآخذ بكل أسباب التطور والنجاح، والمهتم بمقومات العزة والظفر ، فالقيادة الرشيدة لبلدنا العزيز وضعت نصب أعينها أن الجيوش الحديثة لم تعد تقاس بكثرة العدد، إنما بالكيف والنوعية على السواء، ولرفع مستوى كفاءة قواتنا الباسلة وإعدادها إعدادا ميدانياً متكاملا وإختبار مدى التفاعل بين المقاتل وسلاحه تنفذ مختلف أسلحة، ووحدات قوة الدفاع ، المناورات التعبوية الميدانية ، والتمارين العملية باستمرار ، سواءاً كان ذلك على مستوى السلاح، أو تلك التمارين التي تشترك فيها جميع الأسلحة في تمرين تعبوي مشترك لاختبار مد ى ما وصل إليه رجال قوة الدفاع من جاهزية قتالية وتقييم أدائه القتالي.

وهكذا دأبت قيادتنا على وضع الخطط التطويرية ضمن أولوياتها المستمرة، وبشكل يتماشى مع حاجة الحاضر، ويلبي طموح المستقبل، ويستفيد من تجربة الماضي ، وتلك الخطط تتكئ على ركيزتين: أحدهما مواكبة كل ما يستجد في تكنولوجيا السلاح، واختيار ما يلبي احتياجات وخطط هذه القوة ، وإن الرديف الطبيعي لهذه الركيزة هو العنصر البشري الذي يعتبر محور عملية التطوير. إن ما وصلت إليه قوة دفاع البحرين من تقدم ورقي ما هو إلا ثمرة الكفاح الطويل، والقيادة الشجاعة للملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القائد الأعلى ، والجهود الخيرة التي بذلها رجال هذه القوة الذين أخذوا على عاتقهم واجب الدفاع عن الوطن. ومن هنا يحق لنا على هذه الأرض الطيبة أن نفخر بما حققته قوة الدفاع من إنجازات كبيرة ومتواصلة في تجهيز وتدريب قواتها البرية والجوية والبحرية، وتسليحها بأفضل ما أنتجته ترسانات الأسلحة تطوراً وتأثيراً ، وكذلك إعداد رجالها وزيادة خبراتهم.