البداية مع فتح والنهاية في دمشق وبينهما يسكن الغموض
الثعلب عماد مغنية : هكذا تصنع الأساطير.. وهكذا تنتهي
نبيل شرف الدين- إيلاف: مرة أخرى .. وبعد ردح من الزمن اختفى خلاله عن الأنظار، عاد اسم اللبناني المثير للجدل عماد مغنية، إلى صدارة الأحداث ودائرة الضوء، لكن هذه المرة كانت في مناسبة اغتياله الذي يكتنفه غموض، ربما لا يباريه سوى سيرة حياته التي لا تقل غموضاً، فقد أصدر quot;حزب اللهquot; بياناً اعترف فيه بمقتل مغنية، في انفجار سيارة ملغومة بدمشق، متهما إسرائيل باغتياله .
والرجل الذي تحول خلال السنوات الماضية إلى لغز يسكن دائرة الأساطير، متنقلاً بين الانضواء تارة تحت لواء حركة quot;فتحquot; الفلسطينية، مروراً بسلسلة من عمليات اختطاف الطائرات، وتفجير السفارات، والتورط في العديد من الاغتيالات، حتى دخل منذ نحو عشرة أعوام دائرة النسيان، إثر اختفائه عن الأنظار، وإيثاره الكمون في دائرة الظل، لكن ذلك لم يكن كافياً في ما يبدو لأن يمحى من ذاكرة دوائر الاستخبارات الإقليمية والدولية، التي ظلت تلاحقه حتى اغتالته.
وحسب معلومات أمنية متداولة، فقد ظل مغنية ما بين عامي 1997 و2005، متنقلاً بين إيران وسوريا ولبنان وباكستان وشمال العراق، حتى أفغانستان، واتهمته دوائر أمنية غربية وعربية بأنه لعب دوراً بالغ الخطورة في انتقال كبار قيادات quot;القاعدةquot; من أفغانستان إلى إيران .
وأثار ما اكتنف سيرة الرجل من الغموض تساؤلات لا حصر لها، عن ذلك اللغز .. الحاج، أو الثعلب الذي ظل قابعاً يسكن طيلة كل هذه الأعوام ذاكرة أجهزة الاستخبارات الدولية، فمن هو عماد مغنيه، وما سيرته السياسية والذاتية، وما الاتهامات الموجهة إليه، ومن صاحب المصلحة في تتبعه طيلة تلك السنوات حتى تمكن منه أخيراً ؟
البداية مع فتح
يقول ملفه لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي أنه ولد في تموز ( يوليو) من العام 1962 بضاحية quot;النبعةquot; في بيروت، غير أن رواية أخرى تقول إنه من مواليد مدينة quot;صورquot; في الجنوب اللبناني، غير أن المؤكد هنا أن جذور أسرته ترجع إلى بلدة quot;طير دباquot; في جنوب لبنان، وهو أكبر اخوته الثلاثة لوالده محمود، الذي كان بائع كتب مستعملة، ورغم ما أحاط سيرته من وقائع تشبه الأساطير، فقد اشتهر بميله للهدوء والسلوك الأخلاقي المنضبط، وظل يعرف في أوساط حزب الله بلقب quot;الحاج رضوانquot; .
والبداية كانت قبيل اشتعال الحرب الأهلية في لبنان، حين انتسب مغنية إلى حركة quot;فتحquot; الفلسطينية وتحديداً خلال العام 1975، ورغم أنه كان صبياً صغيراً في تلك الأثناء، غير أنه بدأ يتدرب مبكراً على أساليب القتال في صفوف quot;الكتيبة الطلابيةquot; الفتحاوية التي اتسمت بحضور لبناني واضح، وقد رشحه أداؤه المتميز وانضباطه وسماته الشخصية للانتقال إلى العمل ضمن quot;القوة 17quot; المسؤولة عن الأمن والاستخبارات داخل حركة quot;فتحquot;، وهي أرفع أجهزتها الأمنية .
والذين عرفوا مغنية يقولون أنه كان يتمتع بصوت جميل ، خاصة عندما كان يؤدي أغنيات مارسيل خليفة أمام حشد من أصدقائه ، غير أنه بعد انسحاب قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان بسبب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، انضم إلى quot;حزب اللهquot; الذي كان في مرحله التأسيس حينئذ ، ويفسر المراقبون أن هذا الانتقال من صفوف الحركات العلمانية إلى الانخراط في حزب له مرجعية وجذور دينية بأن البعد الديني لعائلة مغنية قد لعب دوراً حاسماً في انتقال عماد إلى الحزب الذي واكب تصاعد الفكر الديني عموماً، والشيعي خاصة في أعقاب نجاح الثورة الإيرانية من جهة، وتراجع الأصوات الليبرالية والقومية واليسارية من جهة أخرى .
ويقول شهود عيان عاصروا تلك المرحلة أن مغنية اعتاد على حمل مسدس وبندقية بصورة دائمة، ويؤكدون أنه كان يحمل جواز سفر دبلوماسيا إيرانيا، يساعده في التنقل بين الدول، وإن كان هو لا يميل إلى ذلك كثيراً، وأن كل عائلته تقريباً من أنصار quot;حزب اللهquot;، لذلك كان من المنطقي أن تتألف جماعة quot;مغنيهquot; من عناصر تعود إلى جنوب لبنان، وخاصة من أبناء عائلة حمادي في شرق البقاع اللبناني، ويحظى بمساعدة آل الموسوي في بعلبك، خاصة وأن هناك صلات قرابة ومصاهرة بين عائلتي مغنية والموسوي .
وتشير مصادر شيعية إلى أن عماد لم يكن يوماً مفكراً أو فقيهاً، لكنه كان بالأساس يتمتع بعقلية تنظيمية فذة، إذ لعب دوراً هاماً في تأسيس جهاز الأمن الخاص بحزب الله، ومع ذلك يرون أنه quot;كان مجرد آلة تنفيذية للحزب يقوم بما يطلبه منه المجلس الاستشاري فيه، وأن دوره قد تقلص إن لم يكن توقف تماماً منذ سنوات ، فحزب الله لا يعتمد كثيراً على وجوه باتت محترقةquot; .
لائحة اتهامات
واستناداً إلى معلوماتها ، تنسب أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى عماد مغنية تورطه في ارتكاب العديد من حوادث العنف ضد القوات الفرنسية والأميركية التي كانت في لبنان ، وخطف أربع طائرات على الأقل ، بالإضافة إلى عمليات تفجير وقتل عدة أشخاص ، كما يسود اعتقاد لدى دوائر جهاز الاستخبارات العسكرية اللبناني بأن مغنية هو أحد رجلين أطلقا النار على لوي دولامار، السفير الفرنسي السابق في بيروت واردياه قتيلاً ، ومنذ 1984 قام بمساعدة الشقيقين حمادي، بخطف 50 شخصاً غربياً بين أميركي وفرنسي وبريطاني وألماني وغيرهم ، وتقول مصادر وثيقة الصلة بدوائر الاستخبارات إنهم بدئوا يضعونه تحت المراقبة منذ العام 1981 .
كما تعتقد مصادر الاستخبارات الغربية أن مغنية هو أداة بيد الجهات الأكثر تشدداً في إيران، وانه لا يعمل بمفرده بل من خلال شبكة من الحرس الحديدي الإيراني، ومعروف عن مغنية عداؤه للغرب بشكل عام، وللولايات المتحدة خاصة، وقد فقد أحد اخوته ويدعى (جهاد) عام 1985 أثناء المحاولة التي جرت لتفجير مقر السيد محمد حسين فضل الله ، وكان جهاد أحد حراس فضل الله ، وقد قتل في تلك المحاولة 75 شخصاً ، واتُهمت حينئذ الاستخبارات الأميركية بتدبيرها ، وتنسب وثائق الاستخبارات الأميركية لمغنية مشاركته في العمليات التالية :
ـ حادثة تفجير السفارة الأميركية في بيروت عام 1983 التي ادت الى قتل 63 شخصاً بينهم خبير الاستخبارات الأميركية الرئيسي في الشرق الاوسط روبرت ايمس .
ـ تفجير السفارتين الأميركية والفرنسية في الكويت، ووقتها اتهم حزب quot;الدعوةquot; الإسلامي المعارض للنظام العراقي في تلك الأثناء، بأنه قدم دعماً ومساندة لعماد مغنية .
ـ نسف مبنى للسفارة الأميركية في بيروت عام 1984 والذي أدى إلى قتل 14 شخصاً، وقد اتهم زوج شقيقة مغنية بالحادث ومعه حسين الموسوي، حيث اعتقلا وحوكما وتبع ذلك حوادث عنف نسبت إلى عائلتي مغنية والموسوي بهدف الإفراج عن المعتقلين .
ـ وفي نفس العام 1984، وقعت حادثة خطف طائرة كويتية، قتل خلالها أميركيان وحطت الطائرة لاحقاً في طهران، لكن لم تتم محاكمة أي من الخاطفين هناك .
ـ وفي العام 1985 جرت محاولة اغتيال امير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، لكنها فشلت، وبعدها قام مغنية وثلاثة من معاونيه بخطف طائرة quot;تي دبليو أيquot; الأميركية، وقد بقي ركاب الطائرة محتجزين لمدة 17 يوما قتل خلالها احد الاميركين روبرت ستاثن وبعد الافراج عن الركاب، اختفى الخاطفون بعد مغادرتهم الطائرة .
ـ وفي العام 1988 اختطفت طائرة كويتية، واستسلم الخاطفون في مطار الجزائر لكن لم تجر محاكمتهم ، وفي أثناء العملية قتل كويتيان .
ـ وفي العام 1996، نشرت صحيفة quot;ويب هوستنك راتنquot; عن علاقة بين تفجيرات مجمع الخبر السعودي والذي أسفر عن قتل 19 أميركيا وبين عماد مغنية .
ـ وفي العام 2002، نشرت صحيفة quot;دي فيلتquot; الألمانية عن دور بارز لعماد مغنية في عملية تمويه كبيرة بغية تهريب قيادة منظمة القاعدة من أفغانستان وعلى رأسها أسامة بن لادن وذلك بإشاعة خبر دخوله إلى باكستان، أو الحدود الباكستانية ـ الأفغانية ، كما أن مغنية ظل يتصدر لائحة المطلوبين لدول الإتحاد الأوروبي طوال العقدين الماضيين .
وهكذا يتضح أن لائحة الاتهامات الغربية لمغنية جعلت منه لغزاً أسطورياً، وقد طالت بعض رفاقه فابتعدوا جميعاً عن المشهد السياسي سنوات طويلة، وثمة من يعتقد أن quot;حزب اللهquot; الذي دخل منذ أعوام مرحلة جديدة، شكلت فيها مقاومة الاحتلال الإسرائيلي سمة رئيسة لأنشطته السياسية والعسكرية، وجواز سفر لعقول وقلوب الكثيرين، ومن هنا فقد عمد إلى إبعاد أمثال مغنية عن الواجهة، ربما لعدم قدرته على حمايتهم، أو تفادياً لكلفة تبنيهم علانية .
التعليقات