واشنطن: يطغى الحديث في الولايات المتحدة الأميركية حول مسألة الخلايا الجذعية Stem Cell Research على الموضوعات التي تجمع بين العوامل العلمية والعرقية والحكومية. فكما نجحت العديد من الاختراعات والابتكارات الطبية والتكنولوجية على مدار العقود الماضية، تخطت الأبحاث الحدود العرقية للإنسان. وجاءت النتيجة في شكل جدل حول مفاهيم الحياة الأفضل بالنسبة للمصابين ببعض الأمراض، وما إذا كانت تلك المفاهيم مدمرة للحياة المحتملة للأجنة. وقد وجد هذا الجدل طريقه نحو الحكومة الفيدرالية، التي تستغل قوتها المالية لتوجيه مسار هذه المعضلة.
ما هي الخلايا الجذعية؟
في الوقت الذي تحتوي فيه جميع خلايا الجسم تقريبا على نفس الحامض النووي (الدي إن إيه)، تتميز جميع الخلايا في جسم الشخص البالغ عن بعضها البعض بحيث تصبح خلايا مخصصة تقوم بوظائف معينة: إما خلايا دموية، أوخلايا عصبية، أو خلايا عضلية، على سبيل المثال، ولا يمكنها القيام بأي بوظائف أخرى. أما الخلايا الجذعية فهي خلايا لم تتخصص بعد بشكل تام، ووفقا لمعلومات المعاهد القومية للصحة quot;يمكنها الانقسام نظريا دون حدود كي تملأ مكان خلايا أخرى ما دام الإنسان أو الحيوان على قيد الحياةquot;. ومن ثم فإن هذه الخلايا لديها القدرة على إصلاح الجسد الذي تلفت خلاياه نتيجة وضع صحي أو مرض معين. تنقسم الخلايا الجذعية إلى ثلاثة أنواع: الخلايا الجذعية الجنينية، التي يتم الحصول عليها من بويضة مخصبة لم تنقسم بعد بشكل تام. والخلايا الجذعية البالغة، التي توجد داخل بعض الأنسجة عند البالغين. وخلايا الحبل الدموي الجذعية، الموجودة بالحبل السري.
تنتج خطوط الخلايا الجذعية الجنينية من مجموعة من الخلايا غير المخصصة في مراحل الجنين الأولى، ومن الجدير بالذكر أنه يمكن الحصول على (كميات كبيرة من الخلايا الجذعية من جنين واحد)، حيث تستخلص هذه الخلايا غير المخصصة، أو غير المميزة، من الجنين الذي يتم القضاء عليه في هذه العملية. تنمو تلك الخلايا وتتضاعف بصورة أسرع، وتكون قابليتها للتحول إلى أي نوع من الخلايا أكثر بكثير من الخلايا الجذعية البالغة، ومع ذلك فإن استخدام هذا النوع من الخلايا يعد مثارا للجدل عن بقية الأنواع الأخرى. ويمكن الحصول على الخلايا الجذعية الجنينية في الوقت الحاضر من عدة مصادر: حيث تأتي معظم هذه الخلايا من أجنة جديدة، تتبرع بها عيادات التخصيب عن طريق الأنابيب، والتي قد تكون أجنة تم الاستغناء عنها وإلقائها، أو من الأجنة المجهضة، أو عن طريق الاستنساخ، حيث تخلق أجنة من أجل أبحاث الخلايا الجذعية.
ما الذي يمكن أن تقوم به تلك الأبحاث؟
قدرة الخلايا الجذعية على إنتاج خلايا، والتحول إلى أنواع مختلفة من الخلايا تحمل وعودا عظيمة بمحاربة الأمراض، ومعالجة بعض الحالات المستعصية. وتعد الخلايا الجذعية البالغة المكونة للدم، والتي توجد في نخاع العظام هي الأكثر إستخداما في الوقت الحاضر. حيث تستخدم تلك الخلايا عبر زراعة نخاع العظم منذ أكثر من 40 عاما، وقد تقدمت هذه التكنولوجيا حاليا بشكل كبير، ويستعان بها في علاج سرطان الدم، والورم اللينفاوي، وأمراض الدم الوراثية. لكن ما زال هناك عدد محدود من الدراسات التي تستخدم الخلايا الجذعية البالغة في علاج أمراض أخرى، مثل مرض السكري، وسرطان الكلى. ومن المعتقد أيضا أنه بالإمكان استخدام الخلايا الجذعية الجنينية في تكوين أعضاء كاملة، مما سيعجل من عمليات زراعة الأعضاء ويجعلها أكثر سهولة.
وبما أن الخلايا الجذعية الجنينية هي الأكثر شمولا بين جميع الخلايا الجذعية المتاحة، فهي تحقق أعظم النجاحات في الأبحاث الطبية. إذ أن هذا النوع من الخلايا يوفر مصدرا متجددا للخلايا والأنسجة لمعالجة أمراض كالزهايمر، وإصابات الحبل الشوكي، والجلطات، والحروق، وأمراض القلب، والسكري، وأنواع من إلتهابات المفاصل. فعلى سبيل المثال يعتقد أنه من المحتمل أن تساعد الخلايا الجذعية الجنينية من يعانون من بعض الأمراض العصبية مثل الشلل الرعاش. فالخلايا العصبية لا تنقسم، لذا عندما تتلف أو تموت لا يستطيع الجسد أن يحل محلها، لكن من الممكن أن تتحول الخلايا الجذعية الجنينية إلى خلايا عصبية، تحل محل الخلايا التالفة، مانعة التأثيرات السلبية لتلك الحالات أو حتى تحويلها إلى عوامل إيجابية.
وفي ضوء هذا التقدم العلمي المحتمل العظيم فإن أبحاث الخلايا الجذعية تلقى قبولا عريضا في المجتمع الأميركي، رغم إختلاف وجهات النظر حول أنواع الأبحاث التي تعتبر أكثر ملائمة. وقد كشفت دراسة حديثة أجراها علماء من جامعتي جون هوبكنز، وديوك أن 60 بالمائة من حالات التخصيب على استعداد للتبرع بأجنة فائضة من أجل أبحاث الخلايا الجذعية. وبالتالي سيكون من المحتمل التبرع بما يزيد عن 200.000 جنينا من أجل الأبحاث في حال توفير التمويل اللازم لهذه الأبحاث.
لماذا يعارض البعض أبحاث الخلايا الجذعية؟
يفرق المعارضون لأبحاث الخلايا الجذعية تفريقا واضحا بين الخلايا الجذعية البالغة، والخلايا الجذعية الجنينية. فهناك دعم كبير لأبحاث الخلايا الجذعية البالغة، حتى أن الحبر الأعظم بينديديكت السادس عشر بابا الفاتيكان أعلن مؤخرا دعمه لأبحاث هذا النوع من الخلايا قائلا إن quot;موقف الكنيسة في هذا الشأن المدعوم بالأسباب والعلم واضح. فيجب تشجيع الأبحاث العلمية والترويج لها، ما دامت لا تتسبب في أذى الإنسان، صاحب الكرامة التي لا تنتهك منذ بداية خلقهquot;. وينظر إلى الخلايا الجذعية البالغة على أنها تجني ثمار الأبحاث، في الوقت الذي تتجنب فيه الورطة الأخلاقية المتعلقة بالتلاعب بالأجنة وتدميرها.
وتأتي معارضة العديدين لأبحاث الخلايا الجذعية الجنينية نتيجة أسباب دينية أو أخلاقية. ففي الوقت الذي قد يساند فيه بابا الفاتيكان أبحاث الخلايا الجذعية البالغة، تعتقد الكنيسة الكاثوليكية أن quot;الجنين هو إنسان كاملquot;، وقد إنضمت إلى العديد من الجماعات الدينية التي تعارض بشدة الأبحاث التي تستخدم أجنة بشرية. كذلك فإن الجماعات التي تعارض الإجهاض، غالبا ما تقف أمام أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية لنفس الأسباب، وهي الوقوف ضد تدمير الجنين، الذي يعتبرونه إنسانا كاملا يجب أن يتمتع بحق الحياة.
وفي حين أن معظم أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية تستخدم أجنة تتبرع بها عيادات التخصيب عن طريق الأنابيب، والتي قد تكون أجنة ملقاه أو منسية، فإن فكرة استخدام أجنة مستنسخة، التي نشأت في المعامل من أجل الأبحاث، تواجه أيضا نقدا شديدا. فالمعارضون يعتبرون هذه الإمكانية هي حالة خلق حياة من أجل تدميرها، وهو ما يعد أمرا غير أخلاقيا بالمرة.
دور الحكومة
تواجه أبحاث الخلايا الجذعية عوائق تمويلية فيدرالية لأكثر من عقد. وبينما لا تضع تلك العوائق هذه الأبحاث في وضع غير قانوني، فهي تمنع العلماء من استخدام أي تمويل خاص لإجراء الأبحاث. ويتهم العديد من العلماء الولايات المتحدة بأنها تتخلف كثيرا في مجال تكنولوجيا الخلايا الجذعية مقارنة بدول أخرى، لأن تلك العوائق التمويلية تقلل بشدة الفرص المتاحة أمام العلماء.
وكان الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون قد منع تقديم تمويل فيدرالي لأبحاث الخلايا الجذعية في العام 1993، كذلك فعل الرئيس بوش فيما يخص أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية، رغم تأيده لاستخدام الخلايا الجذعية البالغة. وفي العام 2001 دعم الرئيس بوش إجراءا لمنع التمويل الفيدرالي عن أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية التي كانت قائمة قبل أغسطس 2001. وقد حرم هذا الإجراء العلماء من التمويل الحكومي لأبحاث حول حوالي 20 خط جذعي، بعضها تلف بالفعل وأصبح غير قابل للاستخدام. وفي شهر يونيو استخدم الرئيس بوش حق الفيتو ضد تشريع كان يلقى تأييدا كبيرا يجعل الخيوط الجذعية المتاحة للأبحاث الممولة حكوميا تتوسع لتشمل تلك الخيوط التي تم الحصول عليها من أجنة قبل 15 يونيو 2007.
من المتوقع أن يصبح الجدل حول الخلايا الجذعية من القضايا الرئيسية في الانتخابات الرئاسية ، وقد كانت على رأس القضايا الهامة في الانتخابات الأولية للحزب الجمهوري. أما بالنسبة للمنافسين الديمقراطيين فهم جميعا يدعمون زيادة التمويل الفيدرالي المتاح لأبحاث الخلايا الجذعية الجنينية. ويدعو السيناتور جون ماكين إلى رفع الحظر عن التمويل الحكومي عن هذه الأبحاث.
التعليقات