أندريه مورتازين:
تحدثت وسائل الإعلام الروسية عن زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى موسكو، ولكن القليل منها تناول نتائج تلك الزيارة ومحادثات عباس مع المسؤولين الروس. وربما لم تكن تلك النتائج بنفس الأهمية التي تميزت بها نتائج لقاء بوتين والزعيم الليبي معمر القذافي.
محمود عباس زار موسكو للمرة الرابعة بصفته رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية، والتقى الكثير من الشخصيات السياسية البارزة في روسيا، وخاصة صديقه القديم السياسي الروسي المحنك يفغيني بريماكوف حيث بحث معهم الهدف الرئيسي من الزيارة وهو مؤتمر موسكو للسلام في الشرق الأوسط. وتبين بعد اللقاءات أن مفتاح المؤتمر ليس بيد بريماكوف.
ولا بد من القول إن فكرة روسيا في عقد مؤتمر موسكو تتمثل في جمع كل الأطراف المتخاصمة، وهي فتح وحماس وإسرائيل وسورية ولبنان، بما في ذلك حزب الله، بالإضافة الى الولايات المتحدة الأميركية.
وذكرت صحيفة quot;كوميرسانتquot; الصادرة في موسكو أن روسيا حولت مبلغ 10 ملايين دولار لحساب السلطة الوطنية الفلسطينية مثلما فعلت العام الماضي. كما ستقدم روسيا للسلطة الوطنية الفلسطينية مروحيتين من طراز quot;مي-8quot; بلا مقابل، علما أن سعر المروحية الواحدة يبلغ 18 مليون دولار. يشار الى أن الخبراء الروس دربوا 100 شخص من أجهزة الأمن الفلسطينية، بمن فيهم حراس محمود عباس، وأرسلت روسيا مساعدات إنسانية لسكان قطاع غزة. وأرسلت موسكو للسلطة الوطنية الفلسطينية 50 عربة مدرعة لاستخدامها في مهمات حفظ النظام والأمن في رام الله.
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا تقوم بتطوير علاقاتها مع جميع البلدان العربية، وتبدي استعدادها لشطب ديون الاتحاد السوفيتي السابق المستحقة على الكثير من تلك البلدان مقابل عقود مربحة للشركات الروسية. كما أن روسيا مستعدة لتوريد سلع مدنية للبلدان العربية، وليس الأسلحة والتقنيات العسكرية فقط. كما تسعى موسكو لتطوير تعاونها مع البلدان العربية في مجال الطاقة، كما تفعل الآن مع ليبيا ومصر والجزائر والعراق. لكن روسيا كالولايات المتحدة لا تستطيع تنفيذ المهمة السياسية الرئيسية والمتمثلة بجمع كل العرب وإسرائيل في مباحثات لتحقيق سلام شامل في المنطقة، فلماذا؟
يقول أيديولوجيون في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي السابق إن سبب جميع مشاكل العرب تعود إلى quot;دسائس الإمبريالية الأميركية والصهيونية العالميةquot;!. ولكن دعونا نترك الأفكار والطروحات التي تعود إلى فترة الحرب الباردة.
إن الكفاح من أجل السلام في الظروف الراهنة بالنسبة لروسيا أصعب بكثير مما كان عليه في زمن الاتحاد السوفيتي. وروسيا الآن ليست الاتحاد السوفيتي السابق. كما أن دبلوماسية بوتين لا تشبه دبلوماسية ستالين وخروشوف. فالزعماء الروس لن يضربوا الطاولة في اجتماعات الأمم المتحدة بأحذيتهم كما فعل نيكيتا خروشوف. كما لا تهدد روسيا باستخدام قوتها النووية الجبارة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل من أجل حماية سورية أو فلسطين. وتثير هذه الحقيقة خيبة أمل لدى الكثير من العرب. ويلعب حلفاء روسيا التقليديون في العالم العربي كسورية وفلسطين، لعبتهم الخاصة بهم والتي تتناقض في أحيان كثيرة مع مصالح وجهود روسيا. فتطرح سورية وفلسطين على سبيل المثال شروطهما للمشاركة في مؤتمر موسكو حول الشرق الأوسط حيث تطالب دمشق بإدراج مسألة الجولان على جدول أعمال المؤتمر في حين يعارض محمود عباس مشاركة حماس المحتملة في المؤتمر المذكور. ويبدو الزعيم الفلسطيني في هذه المعارضة متضامنا بشكل تام مع إسرائيل والولايات المتحدة!
وإذا تحدثنا عن مصر التي تعتبر لاعبا كبيرا ومؤثرا في الشرق الأوسط فسنراها تدعو إلى عقد قمة مصغرة للشرق الأوسط دون أن تكلف نفسها عناء دعوة روسيا - أحد أطراف اللجنة الرباعية. وفي الطرف الآخر حيث الولايات المتحدة وإسرائيل فانهما لا تريان أية ضرورة لعقد مؤتمر جديد للسلام في الشرق الأوسط بعد اجتماع انابوليس. ولا يكمن السبب في عدم رغبة الولايات المتحدة وإسرائيل في الجلوس مع حماس وحزب الله حول طاولة مفاوضات واحدة.
ربما كان العقيد القذافي على حق حين قال في قمة دمشق: quot; لا يوجد ما يجمعنا إلا هذه القاعةquot;. وأضاف quot;أننا نكره بعضنا، ونكيد لبعضناquot;. نعم، لقد شارك في قمة دمشق 10 زعماء من أصل 22 زعيما عربيا. فهل يمكن في مثل هذا الانقسام العربي جمع كل الأطراف المتنازعة حول طاولة واحدة. موسكو من جانبها تدعو جميع الأطراف إلى تحمل المسؤولية والقبول بحلول وسط، ولكن لا يعتقد أن صوت روسيا سيكون مسموعا نظرا لأن التناقضات العربية والدولية عميقة جدا، هذا بالإضافة إلى عدم استعداد الولايات المتحدة وإسرائيل وسورية وفلسطين ولبنان للمشاركة في المؤتمر. ولا يبدو أن الوضع سيتغير قبل يونيو - الموعد المحتمل لعقد مؤتمر موسكو. فما الجدوى من تنظيم لقاء دولي على غرار لقاء انابوليس الذي عقد في نوفمبر 2007. وبعد كل هذا يصبح من الممكن القول إن المؤتمر قد يؤجل إلى موعد غير محدد نظرا لأن الظروف مازالت غير ناضجة بالإضافة إلى أن موسكو تسعى لإجراء حوار موضوعي مثمر وليس مجرد عقد لقاء.
وإذا عدنا إلى كامب ديفيد 1978 فسنتذكر الثمن الذي دفع من أجل توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. لقد تعهدت الولايات المتحدة آنذاك بتقديم مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 5ر3 مليار دولار لإسرائيل و5ر1 مليار دولار لمصر. وقد رفعت الولايات المتحدة قيمة المساعدات العسكرية لمصر بعد فترة إلى 2ر2 مليار دولار، وربما ازداد هذا المبلغ الآن. وباختصار تنفق الولايات المتحدة في هذا المجال 5ر5 مليار دولار. ولا أعتقد أن مثل هذا السيناريو سيطبق مع سورية وفلسطين ولبنان حيث لا تستطيع الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي ولا روسيا دفع مثل هذه المبالغ في الوقت الراهن. ويبحث دبلوماسيو رباعي التسوية في الشرق الأوسط (الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا) عن وسائل أخرى. فعملية السلام التي انطلقت في مدريد عام 1991 مازالت متواصلة وستستمر لفترة طويلة.
التعليقات