أندريه مورتازين من موسكو:

مدد الرئيس المصري حسني مبارك حالة الطوارئ في مصر لعامين آخرين. ويعد هذا الإجراء اعتياديا جدا بالنسبة لهذا البلد الذي يعيش في ظل حالة الطوارئ تلك منذ 26 عاما. ونعيد الى الأذهان أن السلطات المصرية فرضت حالة الطوارئ في البلاد بعد اغتيال الرئيس أنور السادات على يد خالد الإسلامبولي في أكتوبر 1981.

ويقود الرئيس مبارك الذي احتفل مؤخرا بعيد ميلاده الثمانين، مصر منذ أكثر من ربع قرن بقبضة من حديد أو كما حكم بسمارك ألمانيا في أوائل القرن العشرين. تجدر الإشارة الى أن مصر دولة علمانية منفتحة، ولكن العامل الإسلامي يزداد فيها قوة من عام الى آخر. وتعد الحركات الإسلامية المتطرفة العدو الرئيسي لمصر وخاصة جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية. لقد قتلت تلك الجماعات المتطرفة الرئيس السادات، وتعلن بصراحة أنها تهدف الى الإطاحة بالنظام العلماني في مصر وإقامة دولة إسلامية. ولهذا بالذات مازالت حالة الطوارئ سارية المفعول في مصر الى حد الآن. وحظرت السلطات المصرية، لتعزيز موقفها، تنظيم أية مظاهرات غير مصرح بها، وتشكيل أحزاب ذات صبغة دينية أو مستندة الى أساس طائفي أو ديني (منع جمال عبد الناصر تشكيل أحزاب دينية في مصر بعد محاولة اغتياله من قبل الإخوان المسلمين).

ولا تفرض حالة الطوارئ أية قيود على تحركات المواطنين المصريين، ولا يشعر بها السياح الأجانب والدبلوماسيون المعتمدون في مصر. وهناك بعض القيود المفروضة على عمل الصحافيين الأجانب، وخاصة مراسلو قنوات التلفاز. وعلى كل حال لا يعني عدم الامتثال لأوامر الشرطة في الشارع إطلاق النار على المخالف كما في بلدان أخرى. وخير مثال على ذلك موجة الاضطرابات التي شهدتها مصر في أبريل الماضي، وهي الأولى منذ 30 عاما تقريبا. ولم تتخذ السلطات المصرية إجراءات مشددة لوقف تلك الإضرابات أو قمعها، بل رفعت الأجور.

وخلال الفترة التي حكم فيها مبارك مصر تعرض لعدة محاولات اغتيال، بما فيها تلك التي وقفت خلفها جماعات إسلامية متطرفة. لقد أثبت حرس مبارك أنهم يتمتعون بكفاءة عالية، وأفشلوا جميع تلك المحاولات. وبعد أن أدركت الجماعات المتطرفة عجزها عن المساس بالرئيس حولت نشاطها وغضبها نحو السياح الأجانب بهدف تقويض قطاع السياحة الذي يعد أهم مصادر العملة الصعبة بالنسبة لمصر. وأدت أعمال إرهابية نفذت في الأقصر (1997) وطابا وشرم الشيخ والنويبة (2004) الى مصرع أكثر من 150 شخصا وجرح العشرات، أغلبهم سياح من مختلف بلدان العالم،وأعلنت الجماعة الإسلامية مسؤوليتها عن هذه الجرائم.

وفي عام 2005 قرر مبارك تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية على الطريقة الغربية. وقد فاز مبارك وحزبه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولكن البرلمان المصري استقبل في نفس الوقت نحو 100 شخص ممن يوصفون بالنواب المستقلين، الذين يمثلون على أرض الواقع مصالح الجماعات الإسلامية. ومن حسن الحظ أن أولئك المستقلين لا يستطيعون التأثير على قرارات البرلمان المصري بصورة ملموسة لأنهم لا يشغلون أكثر من ربع مقاعده.

ويقول خصوم مبارك أنه يسير بمصر بثقلها العربي والإقليمي في فلك السياسة الأميركية، ولكن ذلك أفضل للمنطقة وأمنها من مواقف القوى الإسلامية المتطرفة. ولنتصور ما الذي سيجري في مصر التي يبلغ عدد سكانها نحو 80 مليون نسمة في حال استيلاء الإخوان المسلمين على السلطة فيها:

1ـ ستعيش مصر عزلة سياسية واقتصادية خانقة.

2ـ سيؤدي ذلك الى إحداث فوضى اقتصادية تنعكس سلبيا على المستوى المعيشي لجميع سكان البلاد.

3ـ ستنتهج مصر سياسة خارجية عدوانية.

4ـ ستتجاهل الجماعات المتطرفة المشاكل الداخلية وتتجه الى تصدير أفكار quot;الثورة الإسلاميةquot; الى الخارج.

ومن أجل تجنب مثل هذا السيناريو يضطر مبارك للتخلي عن بعض القوالب الديمقراطية الغربية، فكل من يتهم بممارسة أنشطة إرهابية يواجه محكمة عسكرية وحكما بالإعدام أو السجن لفترة طويلة جدا.

ولا بد من القول إن حالة الطوارئ أصبحت في أرض الكنانة شرطا أساسيا لضمان استمرار نظام الحكم واستقرار المجتمع. كما باتت حالة الطوارئ جزءا لا يتجزأ من النظام السياسي في مصر، ولا فائدة من رفعها حاليا.