نضال وتد من تل أبيب:

عادت إسرائيل، وهي في ذروة أزمتها السياسية والحزبية، اليوم لتلوح بخيار الاجتياح العسكري الواسع لقطاع غزة، مستغلة مصرع إسرائيلي، جراء سقوط قذيفة صاروخية في كيبوتس نير عوز، جنوبي إسرائيل والقريب من قطاع غزة. فقد أعلن وزير الأمن الإسرائيلي، إيهود براك، مساء الخميس، أن احتمالات قيام إسرائيل بعملية عسكرية في القطاع أضحت أكبر من احتمالات التهدئة، وأعرب براك خلال زيارة له لكيبوتس نيريم القريبة من غزة، حيث سقطت قذيفة صاروخية، في كيبوتس نير عوز وأسفرت مصرع إسرائيلي، عن تشاؤمه من احتمالات التوصل إلى اتفاق تهدئة في قطاع غزة مع حركة حماس.

وقال براكquot; إن الضربة العسكرية هي الآن أقرب من أي وقت مضى، وعلى ما يبدو فسوف تكون قبل التهدئة. ونقل موقع يديعوت أحرونوت، عن إيهود براك قوله إن الحكومة الإسرائيلية ستناقش في جلستها القادمة يوم الثلاثاء كل ما يحدث في المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بغزة.

وفي السياق نفسه، قالت مصادر إسرائيلية، إن سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني غيلرمان قدم شكوى رسمية للأمين العام للأمم المتحدة ولمجلس الأمن الدولي على أثر سقوط صاروخ على كيبوتس نير عوز ومقتل مواطن إسرائيلي وإصابة عدد من الإسرائيليين بجراح. وأعلن غيلرمان أن quot;إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي وستسعى للدفاع عن نفسهاquot;.

إلى ذلك قالت مصادر رسمية إسرائيلية، إن رئيس الحكومة الإسرائيلي، إيهود أولمرت، أجرى هو الآخر اتصالات هاتفية مع المرشحين للرئاسة الأميركية، من كلا الحزبين، السيناتور جون مكين، عن الحزب الجمهوري، والمرشح الديموقراطي براك أوباما، وكذلك مع هيلاري كلينتون، حيث أبلغهم أولمرت: quot;أن الوضع في الجنوب لا يطاق وأن إسرائيل ستعمل على تغييره، سواء كان ذلك عبر تسوية الأمر مع حماس في حال قبلت الأخيرة بالشروط الإسرائيلية، أم من خلال عملية عسكرية في حال لم يكن أمامها خيار آخرquot;.

ويأتي هذا التطور بعد أن كان أولمرت أوقف الاتصالات مع حماس والقاهرة، في نهاية الأسبوع الماضي عندما منع الجنرال عاموس جلعاد من التوجه للقاء الوزير المصري عمر سليمان، متهما، يومها، إيهود براك وتسيبي ليفني بفتح قنوات اتصال وحوار من وراء رئيس الحكومة.

ومع أنه لا توجد دلائل على ذلك، إلا أنه يبدو أن أولمرت، الذي تزداد الضغوط عليه للاستقالة من منصبه، من جهة، وبراك الذي وجد هو الآخر نفسه يقدم إنذارا لأولمرت على خلفية إفادة تالينسكي والتحقيق مع أولمرت بشبهة الفساد، من جهة أخرى، على الرغم من أنه لا يفضل خوض معركة انتخابات عامة، تشير كافة الاستطلاعات، الحالية، إلى أن نتنياهو سيكون الرابح الوحيد فيها، وانهما قد يتفقان حاليا على الخيار العسكري، الذي من شأنه في حال دوي صوت المدافع أن يشكل مبررا قويا، ورافعة تخرج الاثنان من عنق الزجاجة الذي وجدا أنفسيهما عالقين فيه.

فمع دوي صوت المدافع، وتوغل الجيش الإسرائيلي في القطاع، لن يكون براك مضطرا إلى تنفيذ إنذاره، الذي وجهه اليوم لكديما بالعمل على انتخاب مرشح بديل لأولمرت، من أجل تشكيل حكومة بديلة، وإلا قام حزب العمل بتأييد اقتراحات حل الكنيست، كما أن عملية عسكرية في القطاع، ستخرس صوت المعارضة اليمينية، وعلى رأسها زعيم الليكود نتنياهو، الذي حتى لو أشار إلى العلاقة بين الاجتياح وبين أزمة أولمرت، فإنه لن يتمكن جماهيريا من معارضة العمليات العسكرية، ولا السعي لإسقاط الحكومة، والقوات الإسرائيلية موجودة داخل القطاع.

إلى ذلك فإن اللجوء للخيار العسكري، سيجد تجاوبا كبيرا أيضا في صفوف وزراء كديما والحكومة الإسرائيلية، حيث كان أغلبية وزراء الحكومة الإسرائيلية، أعلنوا في جلسة الحكومة الأخيرة، التي عقدت يوم الأحد الماضي قبل توجه أولمرت إلى واشنطن، أنهم غير مقتنعين بفرص التوصل إلى تهدئة مع حركة حماس، بل إن بعضهم، وفي مقدمتهم الوزير شاؤول موفاز أعلن أن على الحكومة الإسرائيلية العمل لضرب حركة حماس، باعتبارها منظمة إرهابية وليس التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار معها، لأن ذلك يعطي شرعية لسيطرتها على قطاع غزة.

ويلاحظ في هذا السياق، التنسيق الكامل بين براك وأولمرت من جهة، مع سرعة تحرك سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة لتقديم شكوى ضد حركة حماس، فيما كانت وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني اعتبرت هي الأخرى في الأيام الأخيرة، أن أي اتفاق للهدنة يجب أن يأخذ بالحسبان توفير كافة المصالح الأمنية الإسرائيلية، وأن يبقي للجيش الإسرائيلي حرية الحركة والرد.

إلى ذلك لا يستبعد أن يكون أولمرت، قد أخذ ضوءا أميركيا أخضر، عقب لقائه بالرئيس بوش، ونائبه ديك تشيني، ووزيرة الخارجية رايس، ناهيك عن شعوره بالتأييد المطلق الذي تحظى به إسرائيل في الولايات المتحدة، لا سيما بعد خطاب أوباما أمام مؤتمر اللوبي اليهودي الأميركي quot;إيباكquot; وتعهده بالحفاظ على أمن إسرائيل المطلق، والوقوف إلى جانبها، حتى في المفاوضات مع الفلسطينيين، وتأييد الموقف الإسرائيلي الرافض لتقسيم القدس.

محاولة لضرب مبادرة عباس للحوار الوطني

ومن الواضح أن هذا التحول اللافت في الموقف الإسرائيلي، والعودة للتلويح بالخيار العسكري واستعجال الضربة على التهدئة، متأثر بطبيعة الحال من التطورات الدراماتيكية على الساحة الفلسطينية الداخلية، التي تمثلت بدعوة الرئيس الفلسطيني إلى الحوار وإطلاق حوار وطني بين كافة الفصائل الفلسطينية، مع ترحيب رئيس الحكومة المقالة في غزة، إسماعيل هنية وكبار قادة حماس بالمبادرة.

وكان محمود عباس الأربعاء دعا في خطاب إلى حوار وطني شامل لتنفيذ المبادرة اليمنية بكل عناصرها بين حركتي فتح وحماس بهدف إنهاء الانقسام الوطني الفلسطيني. وقال عباس في خطاب ألقاه في مقره في رام الله quot;بمناسبة ذكرى عدوان الخامس من حزيران/يونيو 67، سنتحرك على المستويين العربي والدولي لضمان الدعم والتأييد لهذا التوجه. وأضاف: quot;إننا نريد حوارا بما يعيد لشعبنا وحدته الوطنية التي تشكل ضمانتنا الأقوى لاستعادة حقوقنا الثابتة في تقرير المصير والعودة وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدسquot;.

وقالquot; إنني أدعو إلى حوار وطني شامل لتنفيذ المبادرة اليمنية بكل عناصرها كما قررت ذلك القمة العربية في دمشق، وذلك لإنهاء ظاهرة الانقسام الوطني الذي ألحق أفدح الضرر بقضيتنا والمزيد من المعاناة لشعبنا في غزة والذي يشكل خطرا أكيدا على مشروعنا الوطني في الاستقلال والحرية، من اجل إنجاح هذا الحوار الوطني فأنني سأتحرك على المستويين العربي والدولي لضمان الدعم والتأييد لهذا التوجه، بما يعيد لشعبنا وحدته الوطنية التي تشكل ضمانتنا الأقوى لاستعادة حقوقنا الثابتة في تقرير المصير والعودة وإقامة دولتنا المستقلةquot;.

ومما لا شك فيه أن مبادرة الرئيس عباس وتجاوب حركة حماس، وباقي الفصائل معها تشكل بالنسبة لإسرائيل نقطة تطور خطير على الساحة الفلسطينية، لا سيما وأن إسرائيل حاولت الرهان على قطيعة مستديمة بين حماس، وسعت باستمرار لترسيخ هذه القطيعة، وهو ما تجلى خلال الاتصالات مع مصر وحماس، بشأن التهدئة، في إصرار إسرائيل على رفض أن تشمل التهدئة الضفة الغربية، وسعيها لتكريس الفصل بين ما يحدث في الضفة الغربية وبين ما يحدث في القطاع إمعانا في زرع بذور الفرقة واستغلال ما جرى في القطاع للانفراد بحركة حماس والقضاء عليها.