واشنطن: في الوقت الذي يناقش فيه صانعي السياسة الأميركية، ومرشحي الإنتخابات الرئاسية مستقبل الوجود الأميركي في العراق، تتفاوض إدارة الرئيس بوش والحكومة العراقية حول إتفاقيات طويلة المدى من شأنها أن تصوغ شكل العلاقات الأمنية والثقافية والاقتصادية والقانونية بين الطرفين الأميركي والعراقي.
خلفية تاريخية
بعد قيام نظام صدام حسين بغزو الكويت في عام 1990 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 661 الذي اعتبر أن العراق يُمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. وبعد إسقاط حكومة صدام حسين في ابريل 2003 أصدر المجلس القرار رقم 1511 الذي فوض قوة متعددة الجنسية لتحقيق الاستقرار في العراق بعد أن فرض الانتداب القانوني علي العراق. وقد سمح هذا الانتداب لهذه القوات بـquot; اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لحماية السلم والأمنquot; بدون استشارة الحكومة العراقية.
وتضمن القرار الدولي مطلباً بمراجعة الانتداب الأمني بعد عام واحد من التطبيق. وتقوم الأمم المتحدة كل عام بتمديد الانتداب بناء علي طلب الحكومة العراقية. لكن في نهاية عام 2007 طالب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بتمديد الانتداب quot;للمرة الأخيرةquot;. وسيؤدي انتهاء الانتداب رسمياً إلي إنهاء توصيف العراق كتهديد للسلم والأمن الدوليين.
وترغب الإدارة الأميركية من جانبها في توقيع اتفاقيات تحدد شكل العلاقة مع العراق بعد انتهاء الانتداب الدولي بما في ذلك طبيعة الوجود العسكري الأميركي في البلاد. وقد سارعت الإدارة إلي الدخول في مفاوضات مع الحكومة العراقية للتوصل إلي اتفاق مشترك. وتستند المفاوضات إلي وثيقة إعلان المبادئ التي وقعها الرئيس بوش ورئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في نوفمبر 2007 والتي تُوضح القضايا الاقتصادية والسياسية، والأمنية ذات الصلة بهيكل العلاقات بين البلدين. وحددت الإدارة 31 يوليو 2008، كموعد غير نهائي لاكتمال الاتفاقيات الثنائية.
وحسب نازار جانابي ، الذي كتب مقالاً في 19/6/2008 بعنوانDomestic and Regional Politics Delay U.S.-Iraqi Security Agreement نشر علي موقع معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، يشكل هذا الوضع معضلة للحكومة العراقية، فمن ناحية تريد هذه الحكومة استعادة سيادتها الكاملة بأسرع ما يمكن، ومن ناحية أخري ترغب في وجود قوات التحالف حتى تصبح القوات العراقية قادرة على تولي مسؤوليات أمن البلاد.
مضمون الاتفاقيات
دخلت الحكومتان الأميركية والعراقية في مفاوضات لإبرام اتفاقيات أمنية مشتركة. وقال السفير الأميركي في العراق رايان سي في شهادته أمام الكونغرس في أبريل 2008 أن هناك اتفاقيتين منفصلتين: الأولى اتفاقية وضع القوات وتسمي SOFA)) Status-of-forces Agreement التي تنظم الحماية القانونية لأفراد الجيش والأبنية الأمريكية في العراق. والاتفاقية الثانية تسمي quot;اتفاقية إطار إستراتيجيةquot; وتتعامل بشكل واسع مع القضايا التي لم تتناولها اتفاقية وضع القوات (SOFA)، ومن بين هذه القضايا: الدور الأمريكي في الدفاع عن العراق ضد التهديدات الداخلية والخارجية؛ ودعم المصالحة السياسية؛ وجهود مواجهة الجماعات الإرهابية.
وتعد اتفاقية الـ SOFA ، حسب Greg Bruno المحرر بمجلس العلاقات الخارجية ، إطاراً قانونياً يوضح الكيفية التي تعمل بها القوات الأميركية في الدولة المضيفة. ووقعت الولايات المتحدة ما بين 80 إلي 115 اتفاقية حول العالم. ويضيف Bruno في مقاله المنشور في 6 يونيو الماضي علي موقع المجلس بعنوان quot;الاتفاقية الأمنية الأميركية والعراق quot; أن القضية الأكثر شيوعاً تتعلق بالسلطة القضائية القانونية على القوات الأجنبية. فطبقاً لتوجيه وزارة الدفاع الصادر في نوفمبر 2003 تبرم الولايات المتحدة الـ SOFA لحماية quot; الموظفين الذين قد يخضعوا لمحاكمة إجرامية بواسطة المحاكم الأجنبية ويتعرضون للسجن في سجون أجنبية.quot; أما اتفاقية الإطار الإستراتيجي فإنها أوسع نطاقاً وتتضمن العديد من المجالات الأخرى الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية والعسكرية.
وبالرغم من حالة الغموض التي تلف الاتفاقيات، يقول Karl E. Meyer في مقال بعنوان U.S. - Iraqi 'Strategic Alliance'. Another bad deal for Baghdadنشر في 17 يونيو الماضي في الهيرالد تربيون أنه طبقاً لتقارير صحفية مستندة على تسريبات من البرلمان العراقي، فإن الاتفاقيات تعطي الأميركيين حقوقاً لاستخدام طويل المدى لنحو 58 قاعدة عسكرية وسيطرة علي المجال الجوي العراقي. كما أنها ستمنح حصانة من القوانين العراقية إلى أفراد الجيش الأميركي. وسوف يخول المسئولين الأميركيين لحجز الإرهابيين المشكوك فيهم بدون موافقة السلطات العراقية. وسيتم تخليص العراق من عقوبات مجلس الأمن وسيستفيد من المساعدات العسكرية الاقتصادية الأميركية المستمرة. ويمكن أن يحصل العراق أيضاً علي 50 بليون دولار كأصول جامدة.
فرص إبرام الاتفاقيات
تحاول إدارة الرئيس بوش الانتهاء من التفاوض حول الاتفاقيات الأمنية مع الحكومة العراقية بنهاية يوليو 2008، غير أن هناك العديد من العوامل التي ربما تحول دون ذلك ومن بينها:
التباين العراقي
هناك حالة من الانقسام والتباين التي تسود بين العراقيين حول الاتفاقيات الأمنية علي الرغم من تفهمهم لمدي الحاجة لتلك الاتفاقيات. ويذكر Nazar Janabi أن القليل منهم فقط يستطيع الإعلان عن ذلك بسبب المناخ الانفعالي الذي خلقه السياسيون القوميون. فقد عبر قادة وزعماء شيعة مثل مقتدي الصدر وآية الله العظمي علي السيستاني عن رفضهم وقلقهم من الاتفاقيات، وطالب رئيس لجنة الدفاع في البرلمان هادي العامري - العضو المؤثر في المجلس الإسلامي العراقي الأعلى وزعيم منظمة بدر- في 7 يونيو أن العراق بقرار آخر من مجلس الأمن بدلاً من الـ SOFA.
بالمقابل، يشير Janabi إلي أن الزعماء الأكراد يؤيدون اتفاقية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، إذ أنهم ما زالوا يعتبرونها حليفهم الأقوى. كما يفضل العرب السنة وجود أميركي ممتد أيضاً. فالكثير منهم، خصوصاً أولئك الذين شاركوا في حركة الصحوة المدعومة من قبل الولايات المتحدة، ما زال متشككاً من حكومة بقيادة شيعية ويرى في الوجود الأمريكي ضماناً لتمثيلهم في الانتخابات المحلية والوطنية المعلقة. من ناحية أخرى، تقف بعض الأحزاب العلمانية العراقية مثل القائمة العراقية (بزعامة إياد علاوي) وبعض المستقلين في البرلمان، في الوسط، حيث يؤيدون وجود أميركي طويل المدى لكن لا يستطيعون قول ذلك علناً خوفاً من معاقبة دوائرهم الانتخابية في الانتخابات القادمة والتي يغلب عليها النزعة القومية .
الموقف الإيراني
يشكل الموقف الإيراني عاملاً مهماً في إبرام أو عرقلة الاتفاقيات بالنظر إلي نفوذ إيران الكبير داخل العراق، وبالرغم من محاولة المالكي طمأنة المخاوف الإيرانية عبر تأكيده أن العراق لن يكون منصة للهجوم علي الجمهورية الإسلامية فإن طهران أعلنت عن قلقها بوضوح .ويشيرNazar Janabi إلي أن إيران تعرف أن الوجود الأمريكي يعرقل تأثيرها المتنامي في العراق ويزود الأحزاب السياسية العراقية ذات المصادر الغير إيرانية بالدعم. وقد عبر عن هذا الموقف العديد من المسئولين الإيرانيين من بينهم علي لاريجاني ، رئيس البرلمان الإيراني، قائلاً quot;إن الأمة العراقية يجب أن تقاوم الحلف الأمني الأميركي بشجاعة كما قاوموا المحتلين حتى الآن.quot;
معارضة الداخل الأميركي
بالإضافة إلي العاملين العراقي والإيراني يبرز الداخل الأمريكي، فحسب Leila Fadel and Warren P. Strobel يشكو كبار الديمقراطيين والجمهوريين في الكابيتول هيل، من أن بوش يسرع المفاوضات لمحاولة تكتيف أيدي وريثه. وكتب ستة من أعضاء مجلس الشيوخ بما فيهم رئيسا لجنتي العلاقات الخارجية والقوات المسلحة خطاباً إلي وزيرة الخارجية رايس Condoleezza Rice يطالبونها بشفافية المفاوضات ومزيد من لقاءات التوصيات .
وقد عبر المرشح الديمقراطي باراك أوباما عن موقفه حين أكد في اتصال تليفوني مع الرئيس العراقي جلال طالباني علي أن أي التزام أمريكي أمني طويل المدى إلي العراق يجب أن يحظي بموافقة الكونغرس. وأكد المتحدث باسمه أنه بدلاً من التفاوض حول الاتفاقيات الأمنية يجب علي الإدارة أن تطلب تمديد انتداب الأمم المتحدة الحالي.
التعليقات