واشنطن: مع الارتفاع الكبير الذي تشهده أسعار النفط في العالم، تتجه أنظار الغرب لمنطقة الشرق الأوسط التي تكتسب أهمية خاصة في مجال الطاقة منذ تفوقها على قارة أميركا الشمالية في إنتاج البترول منذ عام 1970، وإنتاجها لـ 28% من نفط العالم، فضلا عن احتفاظها بـ 55% من احتياطي النفط الخام، وبالتالي فهي تحظى بثقل كبير في الاقتصاد الدولي تستطيع به التأثير على مجرياته.
ولم يكن سعى الولايات المتحدة ورئيسها لدى السعودية وطلبه شخصيا من الملك عبد الله بن عبد العزيز مؤخرا زيادة إنتاج المملكة من النفط ومن قبله نائبه ديك تشينى سوى دليل قوى على ذلك، خاصة أنه يأتي في وقت تتزايد فيه التوترات مع إيران التي تحتل المرتبة الثالثة في العالم من حيث احتياطي النفط، والثانية من حيث احتياطي الغاز الطبيعي (تملك 15.5% بعد روسيا التي تملك 26.3%) كما أنها ثاني أكبر مصدر للنفط في دول الأوبك، ورابع أكبر مصدر للنفط الخام في العالم.
وتُعد القوة النفطية لإيران أحد العوامل الرئيسية التي تعرقل ضربها على الرغم من عدائها الواضح لإسرائيل، وهى الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، فضلا عن سعيها لامتلاك طاقة نووية تقول عنها طهران أنها للاستخدام السلمي، في حين تقول واشنطن أنها لامتلاك أسلحة نووية تهدد بها مصالح أميركا والغرب،بالإضافة إلى أجندتها المتناقضة مع الأجندة الأميركية في المنطقة سواء في العراق أو فلسطين.
هذه القوة النفطية للجمهورية الإسلامية كانت مثار قلق في بعض مراكز الأبحاث الأميركية اليمينية المؤيدة لاستهداف إيران عسكريا. وظهر هذا التوجس في بعض الدراسات البحثية كان آخرها دراسة لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى Washington Institute for Near East Policy صدرت في شهر يونيو 2008 بعنوان quot;الطاقة في خطر . إيران والنفط والغرب Energy in quot;Danger . Iran, Oil and the Westquot;.
المكانة الإستراتيجية لمضيق هرمز
تناولت الدراسة التي أعدها سايمون هندرسون Simon Henderson وهو مدير برنامج الخليج وسياسات الطاقة بالمعهد، وضع إيران على الخريطة النفطية في العالم وتحكمها الجغرافي في مضيق هرمز الذي يربط خليج عمان بمياه الخليج العربي، والذي يُعد بمثابة شريان نفطي ينقل يوميا 20% من حاجة العالم النفطية، و40% من النفط المنقول بحريا، حيث يبلغ اتساعه 34 ميلا في أضيق نقطة له. وحسب تقديرات وزارة الطاقة الأميركية فإن حجم النفط المتدفق يوميا عبر المضيق يتراوح مابين 16.5 إلى 17 مليون برميل.
وهكذا فإن إيران تفرض نفسها كلاعب رئيسي في اقتصاد الطاقة العالمي، فالعالم لا يحتمل تكلفة العبث معها وتكلفة تهديد إمدادات النفط المتدفقة يوميا من الشرق الأوسط إلى الولايات المتحدة واليابان ودول غرب أوروبا بالإضافة إلى بعض الدول الآسيوية. ويتوقع خبراء النفط أن يستغرق إعداد المضيق وفتحه من جديد للعمل مرة أخرى في حيال ضرب ناقلة نفط فيه شهرا على الأقل، لتكون أضرار مثل هذا العطل المتوقع أكبر بكثير من أي فترة سابقة شهدت فيها أسواق النفط اضطرابات بسبب أحداث دولية كبرى مثل هزيمة 67، وحرب أكتوبر عام 1973، وقيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، واندلاع الحرب الإيرانية العراقية عام 1981، والغزو العراقي للكويت عام 1991، ووقف تصدير العراق للنفط عام 2001، مرورا بالإضرابات الفنزويلية عام 2003، والحرب الأميركية على العراق عام 2003، وحتى اعصارى كاترينا وريتا بالولايات المتحدة عام 2005.
حرب اقتصادية
لكن أين هو مصدر هذا الخطر الذي يهدد مضيق هرمز؟، تشير الدراسة الأميركية الصادرة عن المركز البحثي المعروف بتوجهاته اليمينية المتطرفة الموالية لتيار المحافظين الجدد إلى تحذير أطلقه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية quot;على خامنئىquot; في يونيو 2006. فقد قال حرفيا quot;إذا أقدم الأميركيون على خطوة خاطئة تجاه إيران (في إشارة إلى عمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية)، فإن عمليات شحن الطاقة سوف تواجه خطرا بلا شك، ولن يستطيع الأميركيون حماية إمدادات الطاقة في المنطقةquot;.
وتذكر الدراسة أيضا ما قاله قائد الحرس الثوري الإيراني السابق quot;يحيى رحيم صفويquot; في خطاب له في أغسطس 2007 عن أن أنظمة الصواريخ الإيرانية أرض - بحر تستطيع الوصول لطول وعرض مياه الخليج وبحر عمان، وأن أي مركب أو قارب لا يستطيع المرور في الخليج بدون أن يكون في مرمى الصواريخ الإيرانية.د الأعلى للثورة الاسلامية على خامنئى ى معروف بتوجهاته اليمينية المتطرفة الموالية لتيار المحافظين الجدد الى لكرة الأرضية
وتعكس هذه التصريحات كما تقول الدراسة نية مبيتة لدى القيادة الإيرانية بتهديد الإمدادات النفطية حال تعرضها لهجوم عسكري، أو للاحتجاج على السياسة الأميركية أو الدولية قد يتمثل في هجوم عسكري مباشر يتمثل في اعتداء على المصالح النفطية الأميركية والمصالح النفطية لحلفائها في المنطقة أيضا، أو استهداف القواعد العسكرية الأميركية أو أي تواجد أميركي في المنطقة. واعتبرت الدراسة أن البحرين هي أكثر الدول الخليجية عرضة لهذا الهجوم نظرا لأن غالبية سكانها من الشيعة ولتواجد مقر قيادة الأسطول الخامس البحري بها.
أما الخيارات غير العسكرية فتشمل وقف الصادرات النفطية للجمهورية الإسلامية لفترة ما، أو تخريب منشآت نفطية في دول خليجية، كما يمكن أن تتدخل طهران على سبيل المثال لدى دول أخرى للتأثير على تدفق صادراتها النفطية في حملة دبلوماسية أو تجارية، أو أن تستهدف سفنا حربية أميركية وغربية تُحاول حماية تجارة النفط سواء عن طريق عمل عسكري بحري مباشر أو عمليات تخريب تجرى عن طريق البر. وفى جميع الأحوال لا شك أن سوق النفط سيتأثر لترتفع أسعار براميل البترول أكثر فأكثر.
مارد فارسي كامن
والسؤال التالي هو هل تستطيع إيران بالفعل إعاقة حركة النفط في المضيق؟، يرى العديد من المسئولين بوزارة الدفاع الأميركية أن طهران قادرة على غلق مضيق هرمز إذا رغبت في ذلك. وتُقدر الدراسة حجم القوات البحرية بالحرس الثوري الإيراني بما يزيد عن 20 ألف جندي بينهم خمسة آلاف من المشاة مهمتهم حماية الساحل الإيراني، وذلك مقابل 18 ألف جندي بالبحرية الإيرانية و2600 جندي مشاة بالإضافة إلى ست غواصات وثلاث سفن حربية وأربع كاسحات ألغام وثلاثة عشر سفينة راسية في مياه الخليج.
وفى شهادة له أمام مجلس الشيوخ في فبراير 2005، قال الأدميرال لويل جاكوبى Lowell E. Jacoby من جهاز المخابرات التابع للبنتاغون أن إستراتيجية إيران لغلق مضيق هرمز تعتمد على القوات البحرية والجوية بالأساس وبعض القوات البرية مستعينة بأنظمة صواريخها وغواصاتها.
فرض المزيد من العقوبات
وفى حال إقدام إيران على الهجوم العسكري المباشر أو تخريب منشآت نفطية في دول خليجية فإن ذلك سوف يثير إدانة دولية من مجلس الأمن على الصعيد الدبلوماسي تتبعها إجراءات صارمة مثل تغليظ العقوبات الاقتصادية والمالية ضد الجمهورية الإسلامية تكون واشنطن من أولي الدول الساعية إلى تنفيذها.
وتقول الدراسة في معرض بحثها لخيار فرض المزيد من العقوبات على إيران إنها لن تستطيع تحملها بحجم سكانها الذي يصل إلى 66 مليون، واقتصادها الضعيف خاصة في قطاع الطاقة؛ حيث تنتج الجمهورية الإسلامية اليوم 3.8 مليون برميل وهو أقل من ثلثي الإنتاج الذي كانت عليه قبل قيام الثورة الإسلامية في الوقت الذي تزايد فيه الاستهلاك لأكثر من الضعف.
وكان وزير النفط الإيراني قال إنه بدون المزيد من الاستثمارات للحفاظ على الحقول النفطية الإيرانية، فإن حجم الإنتاج سوف ينخفض بمقدار نصف مليون برميل سنويا، وهو ما أشارت إليه دراسة أميركية عام 2006 إذ قالت أن عائدات النفط الإيرانية تشهد انخفاضا ملحوظا قد تختفي معه تماما بحلول عام 2015. ولهذا تسعى الحكومة الإيرانية التي تنتمي للتيار المحافظ إلى توطيد علاقاتها الثنائية مع دول وشركات أجنبية لتقويض أي عقوبات تستهدف عزل إيران دوليا للضغط عليها لتغيير سياستها النووية.
أما على الصعيد العسكري فإنه من المؤكد أن هذا التحرك الإيراني سوف يستدعى رد أميركي أو حتى دولي قاس قد يستهدف القدرات النفطية الإيرانية مثل quot;جزيرة خرجquot; التي استهدفتها القوات العراقية إبان الحرب، لكن يظل أي هجوم من هذا النوع محفوف بالمخاطر لأنه سوف يؤدى إلى تفاقم أزمة الطاقة في العالم، كما أنه في حالة نجاح إيران في امتلاك أسلحة نووية فإن المجالين الجوى والبحري سيكونان مستبعدين تماما من الأجندة الأميركية.
توصيات الدراسة.البحث عن بدائل
وفى معرض توصياتها، رأت الدراسة أن محاولات خفض استهلاك الوقود في الولايات المتحدة أو محاولات الاستقلال عن نفط الشرق الأوسط لن تجدي نفعا، إلا إذا حدث تحول تكنولوجي يسمح بذلك.
واقترحت الدراسة صناعة وتطوير طرق وخطوط نفطية بديلة عن مضيق هرمز في ظل توقعات وكالة الطاقة الدولية أن يزيد اعتماد العالم على إمدادات الطاقة القادمة من الشرق الأوسط في المستقبل ليمر 30.5% من طلب العالم من النفط يوميا عبر مضيق هرمز بحلول عام 2030. وفى هذا الصدد، أشارت إلى اعتزام الإمارات بناء خط أنابيب نفطي يربطها بمنطقة الفجيرة على خليج عمان ويستطيع نقل مليون ونصف برميل يوميا وهو المشروع الذي طرح العام الماضي لكن عمان عرقلته على حد قول الدراسة لعدم رغبتها في إغضاب إيران. ومن المتوقع أن تنتهي شركة المقاولات الصينية من المشروع في العام القادم. كما تشير الدراسة إلى إمكانية بناء خط آخر يربط بين المدن السعودية وساحل البحر الأحمر.
التعليقات