بين معبرين وحصار
غزة: الموت علاج المرضى والباقون يزفون الأمل لمثواه الأخير
ميرفت أبو جامع من غزة: ستة مرضى توفوا الأسبوع الماضي في أقل من 24 ساعة، لينضموا إلى قائمة طويلة وممتدة لآخرون، غادروا الحياة بصمت بعد احتجاج، وأصبحوا أرقاما في مسلسل تطول حلقاته، لجمهور فقد حواسه.

233 مريضا توفوا بسياط الحصار ونحو 1500 يرقدون بمستشفيات غزة مهددة حياتهم بكل لحظة بالموت إذا لم يعبروا إلى ضفة العلاج بسلام، ويزفون الألم والأمل معا،إلى مثواهما في انتظار افتتاح معبر وإنهاء حصار .

يرقد الشاب نائل quot; 28 عاماquot; على سرير متهالك في مستشفى بجنوب قطاع غزة، ينتظر دوره في غسيل الكلى، بينما يصطفف على جانبيه مرضى رجال ونساء وشباب، بوجوه شاحبة يتقاسم معهم ذات الألم والمعاناة،ويصغون إلى طنين أجهزة تخالط أجسادهم وتمنحهم بعض الحياة .

نائل داهمه المرض فجأة ودون مقدمات قبل عامين غير مجرى حياته،فترك عمله كميكانيكي، رغم ظروفهم الصعبة،وركض خلف الأطباء والمستشفيات طلبا للعلاج وأملا بالشفاء.و بسبب مرضه بالفشل الكلوي يضطر للذهاب إلى مستشفى ناصر بخان يونس جنوب قطاع غزة، ثلاثة مرات أسبوعيا، لغسيل كليته،.

علامات الإرهاق والتعب تكسو وجهه ويلخص معاناته:quot; احتاج إلى إجراء عملية زراعة شريان صناعي لان القناة التي ينقل عبرها الدم مهددة بالتوقف في أي لحظة بعد توقف الأخرى، مشيرا أن هذه العملية لا يمكن إجراؤها إلا خارج قطاع غزة وكان التوجه إلى مستشفيات إسرائيل أولى محطات العلاج .

وهنا يتوقف نائل عند حادثة شكلت صدمة له ووضعته على مفترق طرق لا يمكن فيها تداول الخيارات .

العلاج مقابل التجسس
حصل نائل في شهر آذار الماضي على تحويلة للعلاج بمستشفى quot; يخلوفquot; الإسرائيلي، ولدى وصوله معبر بيت حانون quot;ايرزquot; قام الجنود الإسرائيليون بإعادة والده الذي كان يرافقه.

فأجبر على مواصلة المشوار وحده و يروي نائل:quot;أن مجندين اسرائيلين على معبر بيت حانون quot;ايرزquot; اقتادوه إلى غرفة في الطابق العلوي بذات المعبر،وهناك استقبله ضابط مخابرات إسرائيلي وساومه على الدخول للعلاج أو العمل معهم .

أجاب الشاب المريض بالرفض بان يعمل معهم مقابل الحصول على العلاج وتقديم معلومات قلل الضابط من شانها ووصفها بالبسيطة، بينما اعتبرها نائل جريمة وخيانة عظمي للوطنية وفلسطين .ما حدث مع نائل واجهه الكثير من المرضى الذين خيروا بين علاجهم والتعاون مع إسرائيل والإدلاء بمعلومات عن أقاربهم النشطاء في صفوف المقاومة الفلسطينية.

منظمة quot;أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية قد كشفت في تقرير لها صدر مؤخرا عن تعرض المرضى الفلسطينيين لمحاولات quot;ابتزازquot; من جانب عملاء بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، للحصول على معلومات أو تجنيدهم للعمل لديهم، مقابل السماح لهم بمغادرة غزة للعلاج.وقالت quot;المنظمة أن عملاء أجهزة الأمن الإسرائيلية، يقومون بممارسة ضغوط علي المرضى الفلسطينيين للحصول منهم على معلومات

إسرائيل بدورها أنكرت ما جاء بتقرير المنظمة في حينه وقال ديفيد باكر، الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية، إن quot;مزاعمquot; ربط منح العناية الطبية بتقديم معلومات استخبارية quot;مثيرة للسخرية.برر الشاباك ذلك بأنه استجواب طالبي الدخول لإسرائيل، بسبب quot;تهديدات أمنية محتملةquot;، تحسباً لأية عمليات تهريب صواريخ خفيفة، أو متفجرات، أو التخطيط لتنفيذ quot;عمليات إرهابيةquot; داخل الدولة العبرية.

بعد ان فقد نائل الأمل في العلاج بإسرائيل قرر الأطباء نظرا لتدهور حالته الصحية، منحه تحويله الى مستشفى معهد ناصر الطبي بجمهورية مصر العربية، ولكن إغلاق المعبر بشكل متواصل، حال دون دخوله، وباتت حياته مهددة اليوم في انتظار الشريان الذي سيمنحه الحياة،او الموت على صفحة الأرقام .

ينتظر اليوم نائل الذي قضى يومان على معبر رفح كآلاف المرضى افتتاح معبر رفح الحدودي, لإجراء عملية زرع شريان صناعي بعد أن أبطل عمل القناة التي يضخ الدم للكلى عبرها ويوشك عمل القناة الأخرى على التوقف, بين معبرين وحصار خانق يعيش مرضى غزة، يتقلبون على أسرة الألم ويتهددهم الموت بالعلاج مرة وبنقص الدواء وينشدون الأمل في أن يبقى للعالم كرامة ويتحرك لفتح معبر رفح أمام دخولهم وسفرهم للعلاج، ومنذ الأول من حزيران العام الماضي أغلق معبر رفح أمام حركة المسافرين الفلسطينيين من المرضى والطلاب وذوي الاقامات، وذلك بعد سيطرة حماس على قطاع غزة وفتح بعدها ثلاثة أيام لدخول المرضى والعالقين في تموز الماضي.

وتشير الإحصاءات المتوفرة لدى إدارة المعابر بغزة أن أكثر من 7000 حالة بحاجة عاجلة للسفر من بينهم أكثر من 1600 مريض، و يتوزع الباقون بين طلبة وذوي اقامات بالخارج .

وناشد د. معاوية حسنين مدير عام الإسعاف والطوارئ بوزارة الصحة الجمعة قبل الماضية على أثر وفاة ستة مرضى، بسرعة وضع الحلول والبدائل لإنقاذ حياة المرضى، والذين يتجاوز أعدادهم أكثر من 800 مريض، وينتظرون فتح معبر رفح لاستكمال العلاج بينهم 300 مريض بحاجة للخروج فورا من غزة للعلاج من أمراض الكلى والقلب والدم والسرطان وغيرها..
ممنوع أمني
الشاب محمد في العشرينات من عمره، المصاب بفشل كلوي يحتاج إلى إجراء عملية زراعة كلية في الخارج، وبعد بحث مضن عن متبرع بالكلية المطابقة، تبرع احد أخواله بالكلى، ولكن هذا الأمل الوحيد لديه اصطدم بمنع خاله من السفر بحجة quot; ممنوع أمنياquot;، ثم تبرعت والدته له بالكلى وينتظر افتتاح معبر رفح على أمل للدخول وإجراء العملية التي يتوقف عليها مستقبله.

يؤكد محمد ان عمليته مضمون نجاحها فقد سمع خلال رحلة غسيله الأسبوعي ومخالطته بمرضى وذويهم أجروها وهم أفضل حالا اليوم .

نقص في العلاج
أما صابرين quot; 24 عاما quot; المريضة بمرض فيروسي منذ صغرها،أدى إلى أصابتها بفشل كلوي. تقول بأنفاس مجهدة منذ 9 أعوام وأنا أتنقل بمرضي المزمن بين الأطباء والمستشفيات،وذكرت صابرين أنها تعاني من تعطل أجهزة الغسيل بشكل مفاجئ أحيانا مما يؤثر على تراجع صحتها داعية إلى افتتاح المعبر كي تتمكن من الاطمئنان على حالتها لدى أطباء أكفاء علها تجد علاج أو أملا بالحياة.

وكسابقيه يشكو المريض اشرف شعت 29 عاما أن أدوية كثيرة لا يجدها في المستشفى خاصة ما يتعلق بأدوية الكالسيوم والمضادات الحيوية مشيرا انه أشهرا لم يتناول الدواء لعدم توفره في المستشفى مما ساء من حالته الصحية ويقول :quot; نضطر لشرائها من الصيدليات وبأسعار مرتفعة quot;، ويواصل :quot; quot; 8 أنواع من العلاج احتاجها شهريا ومعظمها غير متوفرة quot; .ويضيف :quot; أحيانا كثيرة أتي إلى هنا وأجد الجهاز معطل، فأعود أدراجي بعد انتظار أكثر من 3 ساعات .
وتفتقد صيدليات وزارة الصحة إلى أصناف عديدة من الأدوية إضافة إلى أخرى توشك على النفاد من مخازنها ويقدر عدد هذه الأنواع بنحو370 صنفاً دوائياً ستوشك على النفاد من مخازن الوزارة.
.
وطالبت وزارة الصحة كافة المنظمات الإنسانية, والمؤسسات الحقوقية ومنظمة الصحة العالمية بضرورة التدخل الفوري والعاجل للضغط على الاحتلال لرفع الحصار وفتح المعابر, والسماح بإدخال جميع الأدوية والمستلزمات الطبية لإنقاذ حياة المئات من المرضى.

وتنظر المؤسسات الحقوقية بخطورة لتردي الواقع الصحي في قطاع غزة جراء الحصار وإغلاق المعابر وامتهان كرامة المرضى وابتزازهم، وحرمانهم من تلقي العلاج بالخارج مخالفة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية التي أكدت على حق الإنسان في تلقي العلاج وحقه في الصحة والحركة والتنقل.

أطباء يشتكون أيضا!!!
إن كان هذا حال المرضى، فالأطباء ليسوا بأفضل حالا، يشير الأخصائي بقسم الكلى د. رزق الشنطي بمستشفى جنوب غزة أن عدد المرضى يزدادون كل يوم بشكل يفوق إمكانيات القسم، مؤكدا أن إغلاق المعابر أدى إلى حرمان المرضى من تلقي العلاج وفاقم معاناتهم، وزرع في نفوسهم الإحباط واليأس خاصة من يودون إجراء عمليات زراعة للكلى أو قسطرة للقلب أو اخذ جرعات من الكيماوي لمرضى السرطان .مشيرا أن حالات الوفاة زادت بينهم في الفترة الأخيرة .

تدخل زميله د. رائد مصلح:quot; إن قسم الكلى بالمستشفى يعاني من نقص الأجهزة وفي مستلزمات التعقيم وأجهزة الفلاتر والكادر الطبي والأدوية خاصة الكالسيوم والمضادات الحيوية وعلاج الضغط، وأيضا نقص مادة Eprex2000w وهي المادة التي تقوي كرات الدم الحمراء، وتحول دون إصابة المرضى بفقر الدم،وهذا يسبب ضغط على طلب المستشفى المتواصل لوحدات الدم .

أما المرضى فيسافرن إلى الله بالدعاء طلبا للشفاء حيث لم تعد للأرض آذان تصغي وشفاه تستجيب للنداء .تبتسم صابرين بكل تحدي وكبرياء :quot; إلى الله وحده نشكو حالنا،أما البشر فكأننا ننادي أصماءquot;.وعند سؤالها عن المستقبل ترسل عيونها غيوم حزينة تحمل إجابة قاسية ومؤلمة ولكنها أصرت أن تقولها رغم مرارتها:quot; لا أخفي أن لا مستقبل لي فوق هذه الأرض ...وتصمت دامعة ثم تكمل :quot; الموت العلاج الوحيد لنا حين أقفلت القلوب والضمائر .. ننتظر أن يأتي دورنا كمن سبقنا لنحمل بالورود ونشيع على أكتافه .أما نائل فيقول كثيرون من مرضى غزة لا يحبذن الذهاب للعلاج لإسرائيل خوفا من ابتزاز المخابرات الإسرائيلية للمرضى، فلماذا لا تبادر مصر بفتح المعبر ولماذا يسكت العالم وكأن موت المئات لا يعنيه شيئا؟؟في حين لو مات كلب في أوروبا تحركت كل المؤسسات الحقوقية وتحرك العالم، ماذنبنا ان لا نجد الدواء ونحرم من العلاج ؟أسئلة يتركها نائل للقراء عله يجد لديهم إجابة شافية... قبل ان يسجل موته على لائحة رقمية ...