في خطوة رمزية لفك الحصار
سفينتان من قبرص تعيدان اكتشاف غزة من جديد
خلف خلف ndash; إيلاف:
بدت حيثيات المشهد، كأنه اكتشاف لعالم جديد مجهول، فنجاح سفينتا فك الحصار بالوصول لمرفأ غزة، يذكر بالرحالة الإيطالي كريستوفر كولومبس، عندما، اكتشف القارة الأميركية قبل خمسة قرون، فاستقبله السكان بفرح تمازجه الريبة. المشهد ذاته، بما يحمله من معاني وغرابة، يكاد يتقاطع في تفاصيله مع الصور والوقائع التي عايشها شاطئ غزة، مساء اليوم السبت، حينما هتف المواطنون الفلسطينيون، وهللوا وكبروا فرحًا، بوصول السفينتين اللتين أقلتا 44 من المتضامنين الأجانب، ولكنهم في الوقت ذاته يدركون مليًا أن سعادتهم مؤقتة.
لا سيما أن هذه الخطوة quot;البحريةquot; رمزية، ولم تنه الحصار عمليًا، فإسرائيل لم تسمح لركاب السفينتين بالدخول للمياه الإقليمية الفلسطينية إلا بعد مماطلة، وتهديدات، وزرع للألغام، وتشويش على أجهزة اتصالاتهما، مما أدى لضياعهم في عرض البحر لساعات.
ولكن على كل الأحوال، يأمل المواطنون في غزة، أن تشكل هذه المحطة، بادرة لمجموعة من الخطوات التي تؤدي معًا لإحراج إسرائيل أمام العالم، مما يجبرها في نهاية المطاف إلى رفع الحصار الذي أنهك سكان غزة، وأعياهم، وجعلهم يعيشون فقرًا مدقعًا، وصلت نسبته في بعض المحافظات إلى ما يقارب 70%، كما أدى منع المرضى من السفر للخارج لتلقي العلاج إلى وفاة ما يقارب 200 شخص. بالإضافة إلى شلل وتوقف مجمل مناحي الحياة، حيث دفنت غزة مصانعها في وقت سابق، نتيجة الافتقاد إلى المواد الخام، كما أن الأسواق ما زالت تعاني من نقص شديد في معظم السلع، والمتوفر منها أسعاره مرتفعة.
وفي منظر يدلل على حجم اللهفة، لم ينتظر العديد من الشبان الفلسطينيين وصول السفينتين لمرفأ غزة، بل تدافعوا إلى مياه البحر بكامل ملابسهم، ليستقبلوا ركابها الأجانب الذين خاطروا بحياتهم، من أجل كسر الحصار عن القطاع، بينما رفعت الإعلام الفلسطينية على بغض المراكب الصغيرة المتواضعة، والتعبة كأصحابها من الحصار، الذي لا يفرق بين الحجر والبشر.
وشكلت مسألة السفينتين اللتين انطلقتا من لارنكا بجنوب قبرص يوم الجمعة متوجهتين إلى غزة، على مدار أيام مضت، مسألة تحد بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث هددت إسرائيل بمنع السفن من الوصول لقطاع غزة، بينما عبر الفلسطينيون بدورهم عن ترحيبهم بهذه الخطوة الرمزية لكسر الحصار من قبل المتضامنين الأجانب، الذين أيضا ابدوا تصميمًا على الأقدام على هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، لا سيما أن إسرائيل شددت منذ بداية الإعلان عن الفكرة في وسائل الإعلام رفضها السماح للسفينتين من الدخول للمياه الإقليمية الفلسطينية، وبالفعل اتخذت إجراءات في هذا الصدد، ولكنها اصطدمت بالتغطية الإعلامية الواسعة التي نالها الحدث، مما جعلها تتراجع.
ستستمر زيارة المتضامنين الأجانب لقطاع غزة ثلاثة أيام، حسبما أعلن القائمون عليها، على أن يغادروا بعدها لقبرص، بذات طريقة الدخول، وهو ما يجعل البعض يثير تساؤلات، فيما إذا كانت إسرائيل ستسمح لهم بفعل ذلك، فقد سبق أن احتجز بعض النواب البحرينيين في قطاع غزة، ومنعوا من مغادرته إلا بعد اتصالات ووساطات عديدة أجريت على أعلى المستويات. ولكن المراقبون يرجحون أن لا تلجأ تل أبيب لخطوة quot;المنعquot;، لا سيما، أنها تتفادى إثارة الرأي العام العالمي ضدها، وهو ربما السبب ذاته، الذي جعلها تسمح للسفينتين بالدخول لغزة.
فقد نقل عن مصادر إسرائيلية رسمية قولها إن الحكومة الإسرائيلية قررت السماح لسفينتي كسر الحصار الوصول إلى شاطئ غزة منعا للصدام مع المتضامنين الذين نظموا وشاركوا في الرحلة. وأشارت المصادر ذاتها، أن إسرائيل تتجنب الصدام مع المتضامنين خشية أن يكون لذلك تداعيات وردود فعل على مستوى الرأي العام والإعلام العالمي.
وفي وقت سابق نددت حركة quot;حماسquot; التي تسيطر على غزة، بعرقلة إسرائيل، وصول السفينتين، وكانت الزوارق الحربية الإسرائيلية أطلقت النار صوب أحد عشر مركباً فلسطينياً أبحروا صباح اليوم السبت من شاطئ غزة لاستقبال المتضامنين الأجانب على متن السفينتين. وتوقفت القوارب على مسافة 7 كم، من شاطئ غزة قبل أن تضطر إلى العودة بعد استمرار انقطاع الاتصال بالمتضامنين الأجانب نتيجة التشويشات الإسرائيلية على أجهزة الاتصال والإنترنت في السفينتين.
يذكر أنه من بين الشخصيات التي وصلت غزة على متن السفينتين، التي تحمل الأولى منها أسم quot;غزة حرةquot;، والثانية quot;يو أس ليبرتيquot;، راهبة كاثوليكية تبلغ من العمر 81 عاما، وايفون ريدلي، وهي صحافية بريطانية،، ولورين بوث (41 عاما)، وهي شقيقة زوجة مبعوث اللجنة الرباعية للشرق الأوسط، توني بلير، وقالت بوث من على متن السفينة: quot;كنت قلقة ولكنني اليوم متشوقة. ولا يتعلق ذلك بالشعور بالخوف، ولكن بالأشخاص الذين ينتظرون في غزة. فأنت لا تستطيع أن تفكر بأي شيء آخرquot;.