بين نقاط الظل وهزات سوق النفط والمال
حصاد الجزائر 2008 في ميزان الخبراء

quot;حصاد

حصاد 2008: عام الخيبة... والأمل

كامل الشيرازي من الجزائر: مرت الجزائر خلال سنة 2008 بمنعطفات سياسية، اقتصادية واجتماعية كثيرة، ابتداء من حسم مسألة التمديد للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مرورا بتعثر مخطط الإنماء، وصولا إلى نقاط الظل الكثيرة التي ظلت تطبع الجبهة الاجتماعية، ولتحليل ما حصل هذا العام quot; جزائريا quot; واستجلاء آفاق السنة الجديدة 2009، أجرت quot; إيلاف quot; مقابلات حصرية مع ثلاثة من محللي الشأن الجزائري، ويتعلق الأمر بكل من: جلال عقاب يحيى، هيثم رباني، وجمال الدين حبيبي. أجمع الثلاثة من خلال إجاباتهم الموجودة أدناه، على أنّ صعود الرئيس الأميركي المنتخب quot; باراك أوباما quot; لن يغيّر من طبيعة العلاقات الجزائرية الأميركية، تبعا لقيامها على محاربة ما يسمى بـquot; الإرهاب quot;، واللعاب الأميركي المتزايد تجاه ما توفره السوق الجزائرية من فرص في مجالي النفط والغاز، بجانب رغبة واشنطن للمحافظة على نفوذها في بوابة شمال إفريقيا ومراهنتها على حسابات جيوسياسية، وجيواستراتيجية في المنطقة ككل.

حبيبي
وعلى صعيد الأزمة الاقتصادية العالمية والأضرار المحتملة، يلتقي جلال عقاب يحيى مع جمال الدين حبيبي في كون عدم امتلاك الجزائر لبورصة قوية وعدم اندماج اقتصادها كونيا، يجعلها في منأى عن التقلبات الدولية، لكن هشاشة اقتصادها ينذر بحسبهما بهزات خطيرة على المديين المتوسط والطويل، بينما يشدد هيثم رباني على مشكلة ارتهان 53 مليار دولار من الأموال الجزائرية في بنوك أميركية، ويشكك رباني في مقدرة هذه المصارف على سدادها في المستقبل المنظور، ما سيهدد الجزائر بمعضلة سيولة لن تكون تبعاتها سهلة.

وبجانب احتراز المحللين الثلاثة على ما قد يترتب عن استمرار نزول سعر برميل النفط إلى دون 50 دولارا، فإنّ المحلل هيثم رباني يدق ناقوس الخطر بقوله:quot; إذا ما هوت أسعار البترول، بشكل حاد، سيتأثر المشهد السياسي، وستحدث اضطرابات في غاية العنفquot; (..).

ويتحفظ محدثونا إزاء التململ الذي سيضرب منظومة العقار في الجزائر، احتكاما إلى اللاشفافية السائدة وكثرة التحايلات والمضاربات، ويصل منشطو ندوة quot;إيلافquot; إلى رسم صورة سوداوية بشأن ما ينتظر الجزائر العام القادم، إذ يرون في استمرار وضع البلاد على منواله وترك الجبهة الاجتماعية مأزومة، بجانب انسحاب الجزائر( التدريجي) من دورها المميّز: عربياً، وأفريقياً، وعالمياً، مقدمات لسيناريو لا يقلّ ضبابية عن سابقيه، طالما أنّ العتمة لا تزال مسيطرة.

نقدم لكم فيما يلي، نص الإجابات التفصيلية عن الأسئلة السبعة التي طرحناها على المحللين جلال عقاب يحيى، هيثم رباني وجمال الدين حبيبي، تابعوا:

الودّ الأميركي الجزائري سيستمر تحت ظل أوباما

bull; هل سيكون انتخاب أوباما، ثمة تغيرات متوقعة في الجزائر ؟، وكيف يمكن أن تكون هذه التغيرات؟

-جلال عقاب يحيى: لاشكّ أن نجاح أوباما (الأسود)، ذو الأصل الإفريقي، والمسلم.. أحدث هزّة في عموم العالم . الهزّة اكتست شكل المفاجأة، لأنه لم يكن أحد يقدّر، أو يتوقّع أن ينجح أسود كرئيس، وأميركا حتى الأمس القريب كانت تمارس أنواعاً عنيفة من التمييز العنصري، وما زالت بقاياه واضحة المعالم في مجالات كثيرة، تفصح عنها منظمات مكافحة التمييز العرقي، ومطالبها الكثيرة التي لم تتحقق، والتي أصيب بعضها بخيبة الأمل بعد نجاح أوباما، خوفاً من أن يكون هذه النجاح ورقة تستخدم ضدها، وضد مطالبها المشروعة، بحجة أن الولايات المتحدة انتخبت رئيساً أسوداً، وهذا quot; قمة المساواة، وتلبية مطالب السودquot; !! ..

لا شكّ أن أوباما يتمتع بقدرات ذاتية بارزة، وبنسبة من الذكاء عالية مكنته من الظهور، وتشكيل تلك المساحة الهامة، وصولاً إلى انتخابه عضواً في (الكونغرس)، وهذا ليس بقليل . وجملة الأنشطة التي قام بها، والمشاريع التي طرحها، ووقعه الشخصي، وبصماته الخاصة.. إلخ .

لكنه، ومهما امتلك من مواصفات خاصة، لم يهبط من السماء . إن الذي جاء به هو المؤسسة الأميركية النافذة . وعندما نقول المؤسسة الأميركية، نعني بها القوى المتحكمة بصناعة القرار . ممثلي شركات الاقتصاد العملاقة : النفط والسلاح على الخصوص، وبقية القوى الصناعية، والمالية على العموم، مع التنبيه إلى أمر بديهي : أنه في الدول المستقرة، التي تستند إلى المؤسسات والمؤسسة، وإلى تجربة طويلة في الديمقراطية، وليس إلى الأفراد، والرغبات، والتقلبات، والتجاوزات، فإن دور الفرد، ومهما كبر، (والرئيس يملك صلاحيات كبيرة جداً في نظام وحيد اسمه النظام الرئاسي)، فإنه يبقى جزءاً من المؤسسة ، يحافظ على المصالح الاستراتيجية العليا للدولة، وقد يمسّ التغيير الأساليب، والأشكال المؤدية إلى تحقيق الاستراتيجية . ونادراً ما غيّرت الولايات المتحدة سياساتها، إلا في المنعطفات الكبرى، التي كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر( التي يثار حولها الكثير) آخرها . فيما عدا ذلك فتواصل الخط الاستراتيجي هو ما تحافظ عليه الإدارات المتعاقبة، بغض النظر عن التلاوين في الأسلوب، والنكهة الخاصة لكل رئيس وإدارة .

في هذا الجانب، ولعل من أهم أسباب نجاح أوباما هو مستوى الكراهية العالمية للأميركيين، بعد ممارسات بوش الابن، وفريقه من quot; المحافظون الجددquot;، وما فعلوه في أفغانستان، وخاصة العراق، وما سببوه من جرائم، وارتكابات شوّهت صورة أميركا، وطمستquot; الحلم الأميركيquot; بتلك الموبقات الفظيعة، لذلك فإن البحث عن التغيير من أهم الأسباب لصعود أوباما، لكنه التغيير المحسوب، وليس ذلك الدرامي الذي يحلم به البعض، أو يمكن أن يجري في بلدان كبلداننا .
وارتباطاً بالمأزق الأميركي في العراق، وهذا الاستنزاف المالي، والبشري الكبيرين، والفشل الصارخ في تحقيق الأهداف المعلنة( الكاذبة)...فالأكيد أن إدارة أوباما ستجري تغييرات، وتعديلات على المسلك الأميركي، وأسلوب إدارة الأزمات، والأوضاع المتفجرة، والساخنة . وسيكون للوضع الداخلي مساحته الأكبر، خاصة بعد انفجار الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تحتاج حلولاً عاجلة، وأخرى متوسط، وربما بعيدة المدى .

فيما يخصّ الجزائر، التي جمعتها مع الإدارة الأميركية موضوعةquot; محاربة الإرهابquot;، ونمو عدد من الشراكات والاستثمارات، خاصة في مجالي النفط والغاز.. فلا أعتقد أن إدارة أوباما ستتراجع عن ذلك الخط، خصوصاً وأن الجزائر تمثل ميداناً وسوقاً كبيرين : للتصريف والاستثمار، ناهيك عن موقعها الجيوسياسي، والجيواستراتيجي في الاستراتيجية الأميركية إزاء القارة الإفريقية، بدءاً من بلدان المغرب العربي، وبوابة الجزائر الهامة.
عدم امتلاك الجزائر لبورصة قوية جعلها في منأى عن أزمة المال، لكن هشاشة اقتصادها تنذر بالخطر

bull;ماذا يعني انهيار وول ستريت وإفلاس بعض كبريات المصارف والمؤسسات الماليَّة، وكيف ستنعكس تأثيرات ذلك على القطاع الماليّ والمصرفيّ في الجزائر، وهل صحيح ما يردده مسؤولون دأبوا على طمأنة الرأي العام المحلي بعدم وجود أي انعكاسات على الجزائر؟

-جلال عقاب يحيى: ربما لا نحتاج إلى العودة لماركس وحديثه عن (الأزمات الدورية) للنظام الرأسمالي وشرحه المسهب في كتابه الضخم(رأس المال) الذي شرّح فيه بنية ذلك النظام، وأسباب الأزمات المتعاقبة ، لأن قادة النظام الرأسمالي فاخروا طويلاً بتكذيب ماركس، وتغلبهم على تلك الأزمات( كان الفضل يعود بالدرجة الأساس إلى نهب المنتوج العالمي، وإلى تلك الدينامية الحيوية في بنى النظام، وقدرته على التجدد والتغيير).

كما أن المقولة التي قامت عليها الثورة البرجوازية( دعه يعمل دعه يمرّ) تعرّضت لتدخل كبير من الدولة، خاصة في القطاعات الإستراتيجية، لكن، ومع الفورة الاقتصادية، العلمية، التقنية في الثمانينات، ونشوء الاحتكارات العملاقة (الشركات متعددة الجنسية) التي أمسكت بخناق الاقتصاد العالمي ومؤسساته القائمة، ووصول اتجاهات أكثر يمينية وتطرفاّ إلى القرار الأول (تاتشر وريغان)، حدثت بداية تلك التحولات بإضعاف قبضة الدولة وتدخّلها، وأطلق العنان لتلك الشركات كي ( تصول وتجول) محلياً، وعالمياً، فجنت ثروات عملاقة ( خيالية).

النقلة الثانية حدثت بتوجّه تلك الشركات العملاقة من ميدان الإنتاج الصناعي والزراعي إلى ميادين ( الأوراق المالية)، وبدت تلك الأوراق وكأنها مستقلة عن قاعدة الإنتاج من جهة، وتدخل الدولة من جهة أخرى، ويعني ذلك إمكانية التعامل الوهمي( الورقي) بالمليارات دون أن يكون الإنتاج قادراً على تلبية تلك الحركية، أو يتناسب وحجم التعامل المالي بالأوراق .

الاتجاه الرئيس كان بمنحيين: الأوراق المالية (المضاربات في البورصة)، والعقارات، وقد طغى الرهن العقاري على غيره، واستسهلت البنوك مدّ المضاربين بقروض خيالية كانت تعود إلى الرهن مرة ثانية، وثالثة، وإلى مضاربات كبيرة، قادت إلى نقص السيولة، وإلى خوف المتعاملين من القدرة على استرداد أموالهم، فحدث الانهيار حين عجزت البنوك عن تلبية طلبات المودعين، وأدى إلى تدخّل الدولة ب/700/ مليار دولار، يعتبرها معظم الخبراء أنها غير كافية . وإلى إغلاق عدد من البنوك .

إن نظرة قصيرة على حجم الديون يوضح عمق الأزمة، ووفق إحصاءات عديد المراكز الاقتصادية فإن ديون الأميركيين بلغت /8/ تريليون دولار، أي بزيادة قدرها 137%، وهي تعادل ضعفي الزيادة في حجم الاقتصاد، وبلغ الحجم الإجمالي للديون /14/ تريليون دولار، بما جعله يتساوى لإجمالي الناتج السنوي .

ديون الأميركيين الكبيرة للبنوك تؤدي إلى خلخلة اقتصادية مريعة( يصعب التفصيل فيها هنا)، لكنها تشير إلى إطالة أمد الأزمة، رغم تدفّق مليارات الدولارات من المستثمرين الأجانب، خاصة في سوق الرهن العقاري، واضطرار الدولة للتدخل، هناك عامل حيوي آخر : البعض نفخ فيه، وجعله السبب الرئيس للانهيار، والبعض الآخر قزّمه، أو لم يذكره، ونخص به على العموم: حروب الإدارة الأميركية وكلفتها ، وبوجه الخصوص الحرب على العراق، وهذا الاستنزاف الكبير، اليومي، الذي لم يوازه عائدات كانت أميركا تحلم بتحقيقها من نهب النفط العراقي، بسبب أزمتها في العراق. وقد بلغت مجمل الديون على الخزانة الأميركية/653/ مليار دولار( وفق إحصاءات رسمية من وزارة الخزانة)، بينما يقول بعض الخبراء أن العجز أكبر . وفي الحالين : فإن بصمة العراق واضحة بقوة .

أما لجهة تأثير الأزمة على الجزائر.. فعديد الخبراء أشار إلى ضعف تأثيره في المدى القريب، بسبب عدم وجود بورصة قوية في الجزائر تشترك مع البورصات العالمية، وطبيعة الاقتصاد الجزائري شبه المعزول، وغير المندمج تماماً بالاقتصاد العالمي .

لكن، وبسبب هشاشة الاقتصاد الجزائري، وضعف بناه الإنتاجية، وعائدات الإنتاج الصناعي والزراعي، واعتماده بشكل رئيس على النفط والغاز، واعتماد الدولار عملة وحيدة..فإنه سيكون عرضة لتأثيرات مختلفة في المدى المتوسط والطويل . ربما سيستفيد الاقتصاد مرحلياً من انخفاض قيمة بعض السلع في الأسواق العالمية، بسبب الأزمة،لكنه، وطالما اعتمد ، بشكل رئيس، على واردات النفط والغاز، وعلى إنتاج خدمي لا يغني عن الحاجة لاستيراد المواد الأساسية . وطالما أن الاستثمار ضعيف، وكثيره يتجه إلى العقار والمضاربة فيه.. فإن الاحتمالات كبيرة لتعرّضه لهزّات متتالية تنسجم وحجم، وتماوجات الأزمة الاقتصادية العالمية.

رباني
هيثم رباني: كلا، ما يردده المسؤولون الجزائريون خطأ محض، خاصة ما يتعلق بالأموال الجزائرية المودعة في البنوك الأميركية، على شكل قروض للحكومة الأميركية بفوائد ضئيلة لا تتعدى الاثنين في المائة، أما المبلغ الإجمالي المودع فهو ثلاث و خمسون مليار دولار أميركي.

هذا بالإضافة إلى جهل الشعب الجزائري، بالشروط التي اتفقت عليها الحكومة مع الطرف الأميركي حيال مدد الدفع و طرقه، و متى تسترجع الأموال إذا ما أرادت الحكومة الجزائرية ذلك؟، أو متى يمكنها طلب جزء منها؟

كل هذه الأسئلة، تنضاف إلى استحالة استرجاع الحكومة الجزائرية سنتا واحدا من أموال الشعب المودعة في أميركا، لأن الحكومة الأميركية لا تملك مالا في الوقت الحالي، وهي تتفاوض مع الصين كي تقنعها بالتريث للمطالبة باسترجاع جزء من أموال التي تقدر بآلاف المليارات من الدولارات فما بالك بعشرات المليارات الجزائرية، أعتقد أن ما أودعته الجزائر في أميركا ينبغي نسيانه إلى أجل غير مسمى وأخشى أن تعلن أميركا عدم قدرتها على الدفع مستقبلا إذا ما فشلت إدارة أوباما في حل الأزمة الاقتصادية الأميركية.

وانعكاس أزمة الأموال الجزائرية المودعة في أميركا، يتمثل في فقداننا جزءا كبيرا من السيولة، رغم وجود الضمان الأميركي الحكومي حاليا على هذه الأموال، و هنا يأتي الانعكاس الثاني، المتمثل في ما إذا حاولت الحكومة الجزائرية، استعمال الضمان الأميركي لتمويل المشاريع التنموية في الأشهر المقبلة، و اسمحوا لي أن أعطي مثالا على ما أقول.

لنفرض أن الحكومة الجزائرية، تعاقدت مع شركة ألمانية، لبناء سد قيمته ثلاث مليارات دولار، و لتمويل المشروع، اقترحت الحكومة الجزائرية على الطرف الألماني، ضمانات القروض لدى الحكومة الأميركية، لا شك أن الطرف الألماني سيقبل الضمان، لأنه ذو قيمة في الوقت الحالي، لكنه سيطلب زيادة قيمة المشروع بعشرين أو خمس و عشرين في المائة، لن يتسلم أمواله إلا بعد مدة من الزمن، و هي في الوقت الحالي غير معروفة، الأمر الذي يعني أن الجزائر ستخسر الكثير بسبب إيداع الأموال بطريقة متفردة، و لم يناقش فيها الجزائريون أو يطلب رأيهم فيها على الإطلاق.

جمال الدين حبيبي: إفلاس وانهيار وول ستريت والعديد من المؤسسات المالية العالمية، إنما يعكس هشاشة النظام الاقتصادي العالمي، الذي تحول إلى دمية تلعب بها البورصات، وهيئات المضاربة، أمام مرأى الجميع، وفي ظل عجز الدول عن مواجهة الأزمة المالية العالمية، باجتثاث جذورها، واكتفت بالمقابل باللجوء إلى ضخ أموال دافعي الضرائب في حسابات الشركات الخاصة، بشكل ألغى فعليا نظرية اقتصاد السوق الحرة.

أما فيما يخص انعكاسات هذه الأزمة على القطاع المالي والمصرفي في الجزائر، فبكل تأكيد، ستتأثر الجزائر جراء ذلك كله، وهذا بعكس ما يروّج له المسؤولون عندنا، والذين صوروا لنا الجزائر وكأنها جزيرة مستقلة عن العالم، وبرأيي أن الحكومة عندنا تعي حقا أننا بمحاذاة الإعصار إن لم أقل أننا في عينه، وهي تفضل الكذب على الشعب كي لا توقد نيران غضبه.

خطة الإنماء في الجزائر سترتهن إن استمرّ سعر النفط في الهبوط

bull;ما هي تداعيات تراجع النفط إلى ما دون عتبة الخمسين دولاراً، وكيف لذلك أن ينعكس على الجزائر، خصوصا مع وضعها قسطا كبيرا من احتياطاتها في بنوك أميركية، ورفضها استحداث صناديق سيادية؟

-جلال عقاب يحيى: طالما أن الدخل الوطني الجزائري يعتمد بشكل ساحق على النفط والغاز فإنه سيبقى متذبذبا، وعرضة للهزّات المتناغمة مع السعر المرجعي لهما .

صحيح أن الدولة الجزائرية تعتمد سعراً مرجعياً لها بحدود /37/ دولاراً، لمحاولة تجنّب الآثار المحتملة، لكن هذا السعر الذي بلغه سعر النفط الآن، والذي قد يهبط إلى ما دونه، يعني أن الفائض الجزائري الذي كان يعوّل عليه في إنجاز مشاريع التنمية، وتلبية الاحتياجات المتزايدة، لم يعد ممكناً مع الانخفاض المريع( من أزيد من 120 دولاراً للبرميل، إلى مادون ال35) .

انعكاسات انخفاض النفط كبيرة على البلدان التي تعتمده سلعة رئيسة في صادراتها، وحال الجزائر هو كذلك . وإذا ما ربطنا الانخفاض باعتماد الجزائر للدولار، وما يعرفه الأخير من ذبذبات، سندرك طبيعة، ومستوى التأثير . أما عن الودائع الجزائرية في البنوك الأميركية( بين 100 ـ 120 مليار دولار)، فالذي لا شكّ فيه أنها كانت عرضة لتأثيرات انخفاض الدولار، كما أن مخاطر أخرى محتملة، كإفلاس البنوك الأميركية، وقرارات ( وضع اليد)، أو التجميد، أو المصادرة التي طالما استخدمتها الإدارات الأميركية مع أوضاع وسياسات لا ترضى عنها . ورغم تأكيدات عديد المسؤولين الجزائريين على وجود تلك الودائع ( بأمان)، إلا أن كثير الخبراء الاقتصاديين نادوا بحلول أخرى، منها :
1 ـ تنويع سلة العملة الجزائرية . أي عدم الاستمرار في اعتماد الدولار عملة وحيدة، خاصة وأن معظم واردات الجزائر هي باليورو، وهذا يؤدي إلى خلل مرجعه عدم استقرار أسعار العملات .
2 ـ كان يمكن لهذه المبالغ أن تتجه نحو مجالات الاستثمار الداخلي، بفتح المزيد من المشاريع الإنمائية، والتنموية، خاصة للشباب العاطل عن العمل .
3 ـ فكرة استثمارها في دول أخرى( على طريقة المال الخليجي، والإماراتي بالتخصيص) بدل تجميدها .

-هيثم رباني: لقد شرحت لكم هذه المشكلة في الإجابة السابقة، و لكي أضيف هنا، أن الصناديق السيادية، لن تحل الإشكال إذا ما هوت أسعار البترول إلى ما دون الخمسين دولارا، بل ستحدث انعكاسات اقتصادية و سياسية كبيرة.

أما الانعكاسات الاقتصادية الداخلية، فتتمثل أولا في تقليص الحكومة لحجم استثماراتها العمومية، لبناء الطرق و الجسور و المدارس و المستشفيات و كل البنى التحتية، و ما هو ما سيؤثر على حياة الناس بشكل مباشر.

و ثاني التأثيرات المباشرة و المنتظرة، فتتمثل في تقليص البنوك الجزائرية، عمليات منح قروض الاستيراد للقطاع الخاص، ما يعني أن موادا كثيرة ستفتقدها السوق، و سينعكس هذا على السوق السوداء المدمرة، و على مافيا العقار و مبيضي الأموال، و أتوقع أن تنخفض أسعار العقار بشكل محسوس خلال عام 2009.

غير أن هذا لا يعني انتهاء مشاكل الناس العاديين، ما دامت الحكومة الجزائرية غير قادرة على دفع أجور الموظفين غير المرسمين إذا ما هوى سعر البترول دون الخمسين دولارا، و هذا يؤدي إلى نقص الإنفاق على المواد الاستهلاكية، و هلم جرا.

-جمال الدين حبيبي: حقيقة إن الشعب الجزائري لم يلحظ أي تحسن على وضعه المعيشي جراء ارتفاع أسعار النفط ووصولها إلى أكثر من 140 دولار للبرميل في شهر جويلية الفارط، لكنه بكل تأكيد سيتجرع مرارة انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 50 دولار، لأن وزارة الطاقة والمناجم برمجت مشاريع استثمارية بعشرات المليارات من الدولارات في قطاع النفط، وأكدت أنها سوف لن تتراجع عن تنفيذها، وإذا علمنا أن عشرات المليارات من الدولارات، قد تم إيداعها في الخزينة الأميركية، دون موافقة الشعب، أو حتى استشارة الهيئات التي تمثله، فإذاك يمكننا القول أن الحكومة ستضطر إلى تقليص الإنفاق العام، ما سيؤثر سلبا على القدرة المعيشية للمواطن والتي هي منهارة أصلا، كما أن سياستها ستتعرى بشكل فاضح، لأن من يعجز في التكفل بشعبه بعائدات نفط فاقت أسعاره 140 دولار لا يمكن إلا أن يفشل وينهار بعائدات تقل عن 50 دولار.

منظومة العقار الجزائرية تحت رحمة اللاشفافية والتلاعبات

bull;ماذا يعني انفجار فقاعة القطاع العقاري في أميركا، وهل ستتأثر العقارات في البلد المعنيّ؟

-جلال عقاب يحيى: كما أشرنا، فإن أهم أسباب انهيار قطاع العقارات في الولايات المتحدة، هي المضاربات المتعددة، وغلاء أسعار العقار، وعمليات الرهن المتعددة الوجوه( انتقال رهن العقار صورياً، ولأكثر من مستفيد)، وعلاقة ذلك بأزمة السيولة المالية.

في الجزائر.. هناك نوع من الشبه، وإن بدا على السطح، يظهر في انتقال رؤوس الأموال الضخمة إلى مجال العقار، واستغلال ظروف الجزائر الاستثنائية التي مرّت بها( خاصة العشرية الحمراء) للتلاعب في ملكية الأرض، والعقار، وتحويل الكثير من الأراضي الزراعية( ملكية للدولة، أو الخواص) إلى عقارات، والبعض يتكلم عن ( تبييض) الأموال التي انتقلت إلى هذا الميدان الواسع، عبر شتى أنواع التحايل على القانون، والبناء الفوضوي، غير القانوني، وشبكة عمليات التسهيل، والتواطؤ، والرشوة، والسرقة..بما أدّى إلى ارتفاع جنوني في أسعار الأرض، والبناء، والمواد، وإلى بروز( نوع من المافيا) المستحكمة .

بالمقابل : فإن إخفاق الدولة، حتى الآن، في إنجاز ما وعدت به( تأمين مليون سكن)، نتيجة عوامل بنيوية، وعدم استفادة أصحاب الحاجة إلى السكن( كثيراً) مما ينجز، نتيجة المحاباة، والتلاعب، بما في ذلك المشاريع السكنية التي تنجزها شركات استثمار أجنبية( الخليجية مثلاً)... يبقي الأزمة مستمرة، ومستفحلة أيضاً أمام النمو الديمغرافي، وعدم الشفافية في التوزيع، وجملة التلاعبات .

والحقيقة فإن سياسة تأمين الدولة السكن لمواطنيها ، ورغم ما قدّمته الجزائر في هذا الميدان، إلا أنها ليست ناجعة، وكان الأجدى لو نهضت جمعيات سكنية تساهمية تقوم الدولة بدعمها عبر تقديم الأرض بأسعار مناسبة، ورفدها بالقروض بأسعار فائدة صغيرة.. يمكن أن تحدّ من التلاعب، والاستئثار، والمضاربة .

بقي أن نقول أن قطاع العقار، شأنه شأن بقية القطاعات لا يتمتع بالشفافية، والاستقرار، والوضوح، والتنظيم بما يسمح بقراءة اقتصادية لواقعه ومستقبله.

الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة
هيثم رباني: لاشك أن الجزائر ستتأثر ولكن بشكل جزئي، بمعنى أن مافيا الاستيراد وأصحاب النفوذ السابقين الذين حصلوا على قروض من البنوك الحكومية، سيجدون أنفسهم في ضائقة، بسبب نقص أموال البنوك أو انعدامها، بالإضافة إلى انكماش أعداد المستهلكين، ما يعني نقص المداخيل، وبالتالي شراءهم للفيلات الضخمة والقصور، التي فرخت في السنوات العشر الأخيرة.

إنّ عددا هائلا من هؤلاء المستوردين للسلع من شتى أنحاء العالم، يتهربون من الجمارك والضرائب، ويبيّضون أموالهم في العقار غالي الثمن، والأزمة العالمية ستمس هؤلاء بشكل مباشر.

لكني شخصيا لا أتوقع أن تتأثر أسعار العقار الموجه للطبقتين المتوسطة والفقيرة، ذلك أنّ غالبية هذه المساكن مملوكة من قبل الدولة، وسعر العقار في هذه المساكن لن يتغير في اعتقادي، لأنّ الجهاز الحاكم الآن، يبني سياساته الاقتصادية في حال وقوع أزمة، على رفع الضرائب ورفع أسعار العقار المملوك للدولة، بل إن الضرائب ستلتهب رغم الأزمة، لأنّ الحكومة الحالية، عاجزة عن تصور خطة استثمارية لجلب المال من مختلف أنحاء العالم، و هذه هي إعاقة الدولة الجزائرية و مرضها المزمن.

-جمال الدين حبيبي: سؤالكم يحمل في طياته صلب الإجابة الصحيحة، فقد قلتم انفجار فقاعة القطاع العقاري، وهي بالفعل الفقاعة التي كانت تخفي مساوئ وعيوب نظام القرض العقاري في الولايات المتحدة الأميركية، والذي جعل غالبية الأميركيين، مدينين للبنوك، وعجل بإفلاس مئات الآلاف منهم، فإشكالية الرهن العقاري كانت بمثابة الشرارة التي ألهبت النظام المالي العالمي، وغالب الظن أن سوق العقار في الجزائر ستنحصر لسنوات عدة، لأنّ ثقة الجزائريين به انهارت بشكل غير مسبوق.

لهذه الأسباب لن تكون الجزائر بمنأى عن الزلزال الاقتصادي العالمي

bull;هل الجزائر بمنأى عن الأزمة الاقتصادية؟ وأين ستظهر أكبر الأضرار خلال العام المقبل؟

-جلال عقاب يحيى: يستحيل أن تكون الجزائر بمنأى عن الأزمة الاقتصادية العالمية، وكل كلام خلاف ذلك وهم، ونوع من الديماغوجيا، لأن الجزائر، وغيرها، ليست جزيرة معزولة . ناهيك عن أن العولمة( في هذا الميدان) أجبرت جميع الأوضاع، والدول للخضوع إلى شروطها . ناهيك عن التغيّرات الكبرى التي عرفتها الجزائر، بالتوازي مع التغيّرات العالمية، والتي اتسمت بأنواع من الانفتاح الاقتصادي( التجريبي، والاضطراري)، للانتقال من اقتصاد موجّه، ومن مشاريع التنمية الوطنية.. إلى الدخول في نوع من الشراكة العالمية .

بالأصل، فإن فشل مشاريع التنمية الوطنية( لأسباب كثيرة)، والانتقال القسري إلى نوع من الرأسمالية الوحشية، المتوحشة.. كان يعني : تدمير بنية الاقتصاد الوطني الذي يعاني أصلاً من أزمات متعاقبة، وعجزه الفادح عن منافسة الاقتصاد العالمي، فأخذ ينسحب، ويتفكك، ويتلاشى، ثم دخلت على الخط مشاريع ( الخوصصة)، وبيع ممتلكات القطاع العام، ضمن تلك الظروف، والشروط، والتجريبية.. مما أدى إلى أن الجزائر تحوّلت بسرعة كبيرة إلى مستهلك في معظم احتياجاتها، حتى في ميادين رئيسة( الدقيق والطحين، والحليب، وحتى في الفواكه والخضراوات، وأمور كثيرة)، بينما انتشرت منشآت الخدمات، والاستهلاك السريع، وبعض الصناعات التحويلية المعتمدة على استيراد المواد الرئيسة .

هذا الوضع يطرح أسئلة كبرى عن : موقع، ومستقبل، ومصير بلدان ما كان يعرف بـquot; العالم الثالثquot;، أو البلدان النامية التي أخفقت في بناء قاعدة اقتصادية وطنية مستقلة، متطورة، قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية لشعوبها . عدا عن أن مراحل التحول من اقتصاد إلى آخر يشوبه الكثير من التخلخل، والاضطراب ، ناهيك عمّا صار ظاهرة فاقعة في هذه البلدان : بروز الأثرياء، أو النهابين الجدد الذين يلتهمون الأخضر واليابس من ثروات البلاد، وعائدات الدخل .

ربّ ضارة نافعة هنا، فطبيعة الاقتصاد الجزائري، من حيث عدم الشفافية، والهشاشة، وعدم الاندماج الواسع في المنظومة الاقتصادية العالمية، وضعف الاستثمارات الخارجية تخفف من وقع الصدمة : صدمة الأزمة عند حدوثها، لأنها تضرب مراكزها الكبرى، أولاً، ثم تمتدّ أفقياً إلى اقتصاديات العالم بأشكال مختلفة، وبطرق، ووتائر متعددة . وستظهر بأشكال مختلفة من الركود، والأسعار، وسعر العملة، وضعف الاستثمارات الإنتاجية مما يرفع أسعار السلع، وقد يؤدي إلى اختناقات في هذا الميدان، أو تلك السلعة، خصوصاً إذا لم تنجح الإدارة الأميركية الحالية في وضع حلول سريعة للانهيار .

-هيثم رباني: البلد ليس بمنأى عن الأزمة الاقتصادية، بالرغم عدم ارتباط الجزائر بالاقتصاد العالمي، خاصة إذا ما هوت أسعار البترول، و لكن إذا ما بقي سعر البترول يتراوح ما بين خمس و خمسين و ستين دولارا للبرميل، فكل ما أشرت إليه سابقا قد يحدث و لكن بشكل أقل حدة بكثير.

-جمال الدين حبيبي: سبق وأن قلت إننا ربما في عين الإعصار، وغالب الظن أن الحكومة ستقوى خلال العام القادم على إخفاء آثار الأزمة، لكن في حال تواصل تراجع أسعار النفط ، فإن سياسة النعامة سوف لن تجدي نفعا، وستضطر الحكومة إلى إشهار إفلاسها، لأننا بلد يستورد غالبية حاجياته الغذائية والطبية وغيرها من الخارج، وإن صادراتنا خارج المحروقات لم تتجاوز 2 مليار دولار سنويا.

جزائر 2009 .. سيناريوهات مشرّعة على التوقعات

bull;كيف ترون مستقبل الجزائر السياسي في ظل التدهور الاقتصاديّ والتأزم الاجتماعي وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على الحد من الآثار والخسائر؟

-جلال عقاب يحيى: الإجابة عن السؤال محفوفة بكثير التوقعات، لأنه سؤال كبير، يدخلنا تجاويف البنى، والقوى الحاكمة، والتشكيلات الطبقية، والسياسية، ومستوى الثقافة السائدة، ونوعية النهج، والمرحلة ..

الصراحة تقتضي الإمساك بوضع عام منتشر في عموم البلدان العربية ، والعالمثالثية، وهو : ظاهرة الفساد، والإفساد . ظاهرة نهب المال العام، والتحايل على القوانين واللعب بها . ظاهرة نمو وبروز فئات قليلة العدد، أخطبوطية العلاقات والامتدادات تسيطر بشكل مباشر، أو سري، وخفي على مفاصل الاقتصاد، وحتى المجتمع، وتفرز سمومها، وعلاقاتها، و(ثقافتها) الاستهلاكية، التدميرية، الاختلاسية، بينما تدمّر الطبقة الوسطى التي كانت عامل التوازن، وخزان الحراك الاجتماعي والسياسي، وتلتحق مجبرة بالطبقات الفقيرة، ومن هم دون خط الفقر، و(بالحيطست) والعاطلين عن العمل، والبطالة الصريحة والمقنّعة .
إن مراحل التحولات، الانتقال صعبة في عموم البلدان، وستزداد صعوبة، وتفاقما بغياب الشفافية، والأحزاب الفاعلة وليست الصورية، التصفيقية، والحراك الاجتماعي الهادف، والعارف ما يريد، وهيئات المجتمع المدني الساعية إلى ترقية الوعي، وانتزاع الحقوق العامة، وليس المكاسب الشخصية، والذاتية، وإدمان التصفيق، والبصم، والبحث عن قنوات الاستفادة ..

ولأن التجربة الديمقراطية في الجزائر جديدة، وولدت في ظروف قيصرية على العموم، ولا تستند إلى بنى متعضدية في الوعي، والتقاليد الديمقراطية، والمأسسة، ووعي المصالح العليا للدولة، والتفريق بينها وبين النظام من جهة، والمصالح الأنانية ، الذاتية من جهة أخرى ..

وما اعترى تلك التجربة من هزّات ومخاضات، وتشققات، وانقسامات، وتدخلات.. أدّت إلى فقدان مصداقيتها، وإلى عزوف قطاعات شعبية هامة عن ممارسة الشأن العام، والعمل السياسي بمفهومه الصحيح، وليس النفعي، التسلقي، وهو ما يظهر منذ سنوات في عموم الأحزاب، وانقراض بعضها، وانكسار ظهر أخرى، واندماج عدد هام في لجاج السلطة، وشيوع الانتهازية، والنفعية، والمصلحة الذاتية، وضمور، وتراجع دور النخب بين التهميش، والعزلة، أو الالتحاق بالسائد، والترويج له .

مع الإشارة إلى الدور المهم للصحافة الجزائرية، التي يمكن اعتبارها، نسبياً، رائدة في ميادين عديدة، وهي تحاول احتلال مساحة واضحة من الاستقلالية، وتنمية الرأي العام، وتشكيل الوعي ..

هذه العوامل مجتمعة، تدعو إلى وجوب القيام بمراجعات شاملة للماضي والحاضر، باتجاه البحث عن مخارج واقعية ذات صفة استراتيجية، وليست تكتيكية، وقتية، أو لصالح هذا الشخص، أو ذاك الحزب .

الأكيد أن مشكلة، أزمة الفساد، وتلوّث الكثير بها، تمثل عقبة كؤود، ومصداً مقتدراً ضد عمليات التغيير الجدية، لأنها، ومع الأسف، انتشرت كثيراً، ودخلت النخاع الشوكي للمجتمع، وصارت بحاجة إلى علاجات جذرية سيرتهن مستقبل الجزائر على مدى النجاح في مقاومتها، ووضع حدّ لها، وفي ضبطها.. للتركيز على العناصر والقوى الشريفة في المجتمع، والقابلة للتولد، والتجدد إذا ما توفّرت المناخات والحاضنات المناسبة.

-هيثم رباني: إذا ما هوت أسعار البترول، بشكل حاد، سيتأثر المشهد السياسي، وستحدث اضطرابات في غاية العنف، و لكن هل سيتنحى بوتفليقة، فهذا سؤال في غاية الصعوبة، لأن الرجل حاد المراس والطباع، ولست أدري مدى حساسيته إذا ما فقد السيطرة، أو إذا ما لامه بعض المقربين منه على طريقة تسيير البلد، و لحد الآن فإنه لم يتلق لوم أحد، اللهم بعض العتاب من الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، و لكنه لا يرقى إلى درجة النقد البناء.

هل خطط بوتفليقة ستنهار إذا ما هوت أسعار النفط بشكل حاد، و لكن هل سيستسلم بعد ذلك؟ بصراحة لا أعرف الإجابة، خاصة أنه الرجل الوحيد الآن الحاكم للبلد، ولا أحد يجرؤ على مناقشته، هل سينهار؟ هل سيواجه الشعب؟، هل يتشجع؟ هل سيتوقف قلبه؟ لا أدري.

-جمال الدين حبيبي: بدون مغالاة، أو تهويل، أقول إن النظام السياسي الراهن، محكوم عليه بالزوال، لأنه فشل في عز البحبوحة المالية، في التكفل بأبسط حاجيات المواطنين، لقد تسبب هذا النظام، في توسيع الهوة بين الحاكم والمحكوم، ودفع بآلاف الشبان إلى الانتحار في عرض البحر هروبا من جحيم الحياة، كما أن هذا النظام عجّل بانهيار المنظومة التعليمية والصحية، وفتح مستقبل الجزائريين على المجهول، فالكل عندنا في الجزائر يعلم أن هنالك قطيعة بين الشعب والحكومات المتعاقبة، التي أسّست للفساد، وتفننت في اختراع أساليب نهب أموال الشعب.

bull;هل ترون تغيرات سياسية مرتقبة في الجزائر بسبب الأزمات الاقتصادية المتلاحقة؟، وماذا عن أفق الجبهة الاجتماعية؟ وكيف سيكون وضع الجزائر بعد تأكد خيار التمديد للرئيس بوتفليقة.

-جلال يحيى: يجب التأكيد على أن الفوات الشامل للأهداف أحدث فراغاً كبيراً في اهتمامات الأجيال.. التي لم تعد تعرف ما هي القضايا الرئيس التي تتمحور حولها، أو تناضل لتحقيقها .

لقد كان جيل السبعينات مهموماً، ومسكوناً بالشأن العام : الداخلي، والعربي، والتحرري عموماً، لذلك كان مستعداً للتضحية، والعطاء، ولم تكن مصالحه الخاصة( بالمعنى الذاتي، والبشع، وغير الأخلاقي) نامية، أو على حساب تلك الأهداف .

ومع التقلبات، والفشل، وضمور الشأن العام، وانسحاب الجزائر( التدريجي) من دورها المميّز: عربياً، وأفريقياً، وعالمياً، وما أصاب قضايا النضال العربي من انتكاسات، وهزائم، وتراجعات.. مقابل غزو قيم مجتمعات الاستهلاك المادية، السلعية، الترفيهية، والتطورات العالمية المرافقة، بما فيها غزو واحتلال العراق، وسقوط الاتحاد السوفييتي، وانفراد أميركا بقيادة العالم ..إلخ ..

ثم طبيعة المرحلة التي ولدت فيها التعددية، وما أصابها من اختناقات، واقتحامات، وانفجار الوضع بتلك الطريقة الدموية، وآثاره، وتداعياته، وهشاشة وتهشيم التجربة الديمقراطية..

هذه العوامل، بتفاعلاتها، وتداخلاتها تشكل أعباء ثقيلة على محاولات الخروج الجدّية من الأزمة، وبناء تجربة قادرة على هضم المشكلات المتناوبة، وتأمين الاستقرار القادر على وضع الجزائر على سكة النجاح في تلبية طموحات، وأهداف، وحاجات أبنائها .

وبغض النظر عن الأفراد ومساحتهم، وبصمتهم، ودورهم.. فإن التجارب الدامية في الوطن العربي، وفي الجزائر على الخصوص، تؤكد أن المخرج الوحيد هو ممارسة الديمقراطية بأسسها المعروفة، بدءاً من حق التعبير، والرأي، والصحافة، والقضاء المستقل، وصولاً على التداول السلمي على السلطة، وإلى إشراك ومشاركة الشعب في صناعة واقعه وغده بانتخابات حرّة، نزيهة، متساوية بين الأطراف، دون تزوير، أو تدخل.. حينها ستعود الثقة إلى المواطن، وسيقدم على العمل العام وهو جزء من منظومة متنافسة، ومتعددة، لكنها واعية، تصبّ في المجرى العام : مصير ومصالح، ومستقبل الجزائر.

-هيثم رباني: الجبهة الاجتماعية ستلتهب من دون شك، و لكني كما قلت سابقا، المستقبل مجهول، علما أن الانقلابات الأخيرة في إفريقيا، لا تبشر بالخير، ولا أريد أن يحدث هذا في الجزائري، لأنه أسوأ مثال يحتذى به.

ولتجنب الكوارث، ينبغي الإسراع في الخروج من عهد النفط و الغاز، وتشجيع الاستثمار الداخلي و الدولي، عبر إعدام البيروقراطية، و دفن الطرق البدائية في التسيير.

-جمال الدين حبيبي: سأبدأ بالإجابة عن الشطر الأخير من السؤال والمتعلق بوضع الجزائر بعد تأكد خيار التمديد لبوتفليقة، فالتمديد بنظري من تحصيل الحاصل، ولا أتوقع حدوث مفاجآت، لأنّ التمديد يعني التمديد في عمر الأزمة، والتمديد في عمر الاختلاس والنهب، والتمديد في تسلط الجماعة المستفيدة من تغييب دولة الحق والقانون، وحتى في حال تعذر التمديد لبوتفليقة، فالجماعة ستنجح في تعويضه بالشخص الذي يضمن استمرارية سياستها التي لا تخدم إلا مصالح أفرادها لا غير، ومن هنا أرى أن التغييرات السياسية لا يمكن أن نرجو منها أي خير في المستقبل القريب، وهذا ما سيساعد على تأزيم الجبهة الاجتماعية، وإيقاد نار الغضب الشعبي التي ستحرق عروش المتلاعبين بمصير الشعب، وتعيد له السيادة المسلوبة، وأراهن على الغضب الشعبي في التغيير، لأن القوى السياسية الوطنية، إما غيّبت نفسها، أو تم تغييبها، وإفراغها من طاقة التغيير.