700 ألف إسرائيلي يعيشون تحت تهديد صواريخ حماس
اللوبي اليهودي يدافع عن هجمات الدولة العبرية: حق أصيل لنا

واشنطن: يتميز النظام السياسي الأميركي بالتعقيد والتشابك الذي ليس له مثيل في أي من المجتمعات الديمقراطية الأخرى. وينبع هذا التشابك والتعقيد من تداخل العديد من المؤسسات والأجهزة والوكالات الرسمية وغير الرسمية في صناعة القرار العام الأميركي، مشاركًة أو تأثيرًا. وضمن هذه المعادلة يأتي اللوبي الإسرائيلي، الذي يصفه كثيرون داخل واشنطن وخارجها بمقولة مفادها quot;ليس لهذه الحالة (اللوبي الإسرائيلي في واشنطن) نظير في التاريخ السياسي الأميركيquot;.

وانطلاقًا من الدور المؤثر للوبي الإسرائيلي في صياغة القرار الأميركي تجاه منطقة الشرق الأوسط، الذي كان محل كثيرٍ من موضوعات تقرير واشنطن السابقة، فإننا في تقريرنا هذا نعرض كيف رأت وتعاملت منظمات اللوبي الإسرائيلي مع الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة التي تدخل أسبوعها الثالث، مخلفة مئات القتلى والجرحى، وهي أرقام في تزايد مستمر، محاولين عرض ما جاء في المواقع الإلكترونية لتلك المنظمات، بعيدًا من إيماننا بها، ولكن لعرض توجهات ورؤى تلك المنظمات، للوقوف على كيفية تأثيرها على المسؤولين الأميركيين والرأي العام الأميركي.

إيباك تدعم إسرائيل في الدفاع عن نفسها

ركزت معظم منظمات اللوبي الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة الأميركية على مواقعها الإلكترونية أن قصف إسرائيل لقطاع غزة حق أصيل لإسرائيل؛ لتزايد قصف الصواريخ وقذائف مورتر من القطاع على جنوب إسرائيل وتهديدها المواطنين الإسرائيليين الذين يعيشون، حسب كثير من تلك المنظمات، تحت تهديد صواريخ المقاومة الفلسطينية منذ سبع سنوات والتي تزايدت بعد سيطرة حماس على القطاع في منتصف يونيو عام 2007.

ففي هذا السياق، بررت اللجنة العامة للشؤون الأميركية ndash; الإسرائيلية (إيباك) (AIPAC)، الهجمات الجوية والاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة استنادًا إلى ما تردده العديد من الأوساط الرسمية وغير الرسمية الإسرائيلية، وكثير داخل واشنطن إلى الصواريخ التي تطلقها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على جنوب إسرائيل.

وفي أحد إصداراتها حمل عنوان quot;إسرائيل تُجبر للدفاع عن المواطنين بعد سنوات من الهجومquot;، تقول :إنه منذ انسحاب إسرائيل من قطاع غزة في عام 2005، أطلقت حركة حماس ما يزيد على 6300 صاروخ وقذيفة مورتر، منها 600 خلال الست أسابيع المنصرمة، على مناطق ذات كثافة سكانية. وتضيف إيباك في هذا الإصدار أن إسرائيل أرادت في الربيع الماضي اختبار نية حماس في السلام بقبول المشروع المصري لوقف الهجمات لستة أشهر، ولكن على النقيض، حسب الإصدار، عززت حماس ترسانتها وفي نهاية المطاف استأنفت إطلاق صواريخها على المدن والمستوطنات الإسرائيلية.

وعن حركة حماس تقول اللجنة في إصدارها بعنوان quot;حماس: تاريخ من الإرهابquot;، إنها مدعومة من قبل إيران التي تدعمها وتزودها بالتجهيزات العسكرية من أجل عرقلة عملية السلام الفلسطينية ndash; الإسرائيلية. وفي هذا الصدد تنقل عن صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن حماس تملك صواريخ يصل مداها بفعل الدعم الإيراني إلى 24 ميلاً، وهي كافية لتصل إلى بيرشيبا وأشدود حيث يوجد أكبر ميناء إسرائيلي وعدد من الأبنية الحيوية. وتضيف أن عددًا من سكان غزة التابعين للحركة تلقوا تدريبات على يد قوات الحرس الثوري الإيراني.

وتشير اللجنة إلى إطلاق الحركة صواريخ quot;غير تمييزيةquot; على المدنيين في جنوب إسرائيل، فمن تلك الهجمات تشير إلى إصابة صواريخ الحركة حضانة للأطفال في بيرشيبا. وتستند إلى تقارير لصحف إسرائيلية، مثل صحيفة هآرتس، تؤكد أن المواطنين الإسرائيليين - تقدرهم اللجنة بـ 700 ألف - يعيشون تحت تهديد صواريخ جماعات المقاومة الفلسطينية لاسيما صواريخ حماس منذ سبع سنوات.

وترى أنه لا يمكن اخراط حماس في مفاوضات السلام إلا في حال إعرابها عن رغبتها في العيش بسلام مع إسرائيل. وتنقل إيباك عن الرئيس الأميركي المنتخب، باراك أوباما، خلال زيارته لإسرائيل كمرشح للحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية لعام 2008، قوله quot;علينا عزل حماس إلى حين تخليها عن الإرهاب والاعتراف بالوجود الإسرائيلي والالتزام بالاتفاقيات السابقةquot;.

وفي محاولة لدحض الدعاوي التي تقول :إن إسرائيل لا تراعي الأحوال الإنسانية لأهل غزة، وأنها لا تراعي ما ينص عليه القانون الدولي الإنساني وقت النزاعات، استندت إيباك إلى بيانات لوزارة الخارجية الإسرائيلية تشير إلى أن السلطات الإسرائيلية سمحت بعبور 23 شاحنة تحمل ما يُقدر بـ 2500 طن من المساعدات الإنسانية والطبية إلى قطاع غزة. وتضيف أنه مع بداية الهجوم الإسرائيلي على القطاع سمحت إسرائيل خلال الأسبوع الأول بعبور ما يزيد على 6500 طن من المساعدات إلى غزة مع توقع وصول سفن جديدة محملة بالمساعدات. وتضيف أن المستشفيات الإسرائيلية استقبلت عددًا من المصابين الفلسطينيين، الذين تقول عنهم :إنهم أصيبوا بصواريخ حركة حماس التي لم تسقط على المستوطنات الإسرائيلية. وتضيف أن السلطات الإسرائيلية سمحت بعبور 300 فلسطيني يحملون جواز سفر أجنبيا من خلال معبر الحدود الذي تسيطر عليه إسرائيل quot;معبر إيرزquot;.

مساعٍ للحصول على تأييد المسؤولين الأميركيين

وفي إطار مساعيها إلى جمع أكبر عدد من المؤيدين للهجمات الإسرائيلية، المستمرة إلى يومنا هذا، دعت إيباك المسؤولين الأميركيين، أعضاء الإدارة الأميركية الراحلة والجديدة وأعضاء الكونغرس الأميركي بمجلسيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، لتدعيم إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد تجدد هجمات حركة حماس، حسبما تشير المنظمة، ضد إسرائيل. ففي الوقت الذي انتقد فيه رئيس إيباك ديفيد فيكتور أداء مجلس الأمن للاعتراف بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها الذي ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة ـ هذا حسب قوله ـ بدأ يحث الإدارة الأميركية إلى مساندة إسرائيل في الأمم المتحدة لتدعيمها في الدفاع عن نفسها ضد هجمات حركة حماس، التي تعتبرها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، على المدن والمستوطنات الإسرائيليةquot;. وينقل الموقع الإلكتروني لإيباك عن رئيسها شكره وعرفانه للمسؤولين الأميركيين من الحزبين الكبيرين، الديمقراطي والجمهوري، لتدعيمهم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وإلى إشاراتهم لأهمية وجود علاقات قوية بين تل أبيب وواشنطن.

ويرصد الموقع أنه حصل على تأييد أكثر من 100 مسؤول أميركي من الحزبين والمنتخبين لمناصب عليا لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد هجمات حماس المدعومة من إيران. وينقل الموقع أيضًا عددًا من تصريحات المسؤولين الأميركيين وأعضاء الكونغرس الذين يدعمون حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فيشير الموقع إلى تأييد الرئيس الأميركي الحالي quot;جورج بوشquot; حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في خطابه الإذاعي، وزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد ، وزعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل ، والسيناتور ديك دوربين ، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وزعيم الجمهوريين في مجلس النواب جون بوهنر، وديفيد أكسيلرود أكبر مستشاري الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما. وقد عرض الموقع قائمة طويلة بأسماء المسؤولين الأميركيين الداعمين للهجمات والدفاع الإسرائيلي عن مواطنيها وأراضيها ضد هجمات وصواريخ حركة حماس.

كما نقل الموقع الإلكتروني لإيباك عددًا من تصريحات المسؤولين الأوروبيين يحملون حماس مسؤولية الهجمات الإسرائيلية بإطلاقها الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية، منها تصريحات للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووزير خارجيتها فرانك شتاينماير، ورئيس الوزراء البريطاني جوردون براون، ووزير الخارجية الكندي لورانس كانون.

منظمات يهودية أخرى داعمة للهجمات الإسرائيلية

ومن المنظمات اليهودية الأخرى الداعمة للهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، مؤتمر رؤساء كبرى المنظمات اليهودية الأميركية الذي يعد محور الاتصال بين المجتمع اليهودي والسلطة التنفيذية للإدارة الأميركية - الذي دعم قرار الحكومة الإسرائيلية للدفاع عن مواطنيها ضد ما تطلق عليه الهجمات الإرهابية التي تقوم بها حركة حماس من قطاع غزة. ويقول رئيسها هارولد تانر ونائبه التنفيذي ماكولم هونلين: quot;إن أولى مسؤوليات أي حكومة هي استخدام القوة المسلحة لحماية مواطنيها من الإرهاب الذي لا ينتهيquot;، ويضيفان أنهما يدعمان موقف الإدارة الأميركية من تحميل حركة حماس مسؤولية تلك الهجمات، وخرقها وقف إطلاق النار وتجدد إطلاق صواريخها على المدن والمستوطنات الإسرائيلية. وهي بذلك تتفق مع ما ذهبت إليه كثيرٌ من المنظمات اليهودية داخل الولايات المتحدة كلجنة الأميركيين اليهود .

ويرى بيان مؤتمر رؤساء كبرى المنظمات اليهودية الأميركية - التي تعد المنظمة المركزية المنسقة بين 51 منظمة يهودية حول قضايا قومية ودولية - أن هدف الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تدمير البنى التحتية للحركة لوضع حد لإطلاق صواريخها على جنوب إسرائيل، وكذلك معسكراتهم التدريبية والأنفاق السرية، ومخزون أسلحتهم. وتؤكد المنظمة في بيانها أيضًا أن القوات الإسرائيلية تتجنب استهداف المدنيين الفلسطينيين. وهو ما لا يحدث حيث إن أغلب الهجمات الإسرائيلية على القطاع كانت أكثر استهدافًا للمواطنين والمنشآت المدنية بل والأبنية الدولية التي يُحرم القانون الدولي الإنساني والعام استهدافها، والتي كان يتحصن فيها المدنيون الفلسطينيون.

وتجدر الإشارة إلى أن منظمة quot;مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل quot; تتيح خدمة أن يرسل متصفحو الموقع الإلكتروني للمنظمة إرسال بريد إلكتروني للرئيس الأميركي الحالي quot;جورج بوشquot; لشكره على دعمه لإسرائيل لهجماتها على قطاع غزة وحركة حماس.

والبريد الإلكتروني الذي سيرسله المتصفحون للرئيس الأميركي، هو رسالة جاهزة، تتضمن ما يُحمل حركة حماس مسئولية الهجمات الإسرائيلية على القطاع، مع إظهار إسرائيل في وضع يدفعها إلى شن تلك الهجمات للدفاع عن مواطنيها. وفي نهاية الرسالة المعدة مسبقًا شكر للرئيس بوش لدعمه إسرائيل في تلك الهجمات ومن قبل للدفاع عن نفسها ضد قوى المقاومة الفلسطينية. هذا وتضيف المنظمة الصهيونية الأميركية أن إصابة عدد من المدنيين الفلسطينيين يرجع إلى تبني حركة حماس سياسة وجود قياداتها بين المدنيين الفلسطينيين، وتدعو المنظمة من أعربوا عن قلقهم لتزايد عدد المدنيين المصابين في الهجمات الإسرائيلية إلى ضرورة إدانة سياسات وتصرفات حركة حماس .

منظمة يهودية ترصد تأييد الصحف الأميركية للهجمات الإسرائيلية

وعلى صعيد آخر نشرت رابطة مكافحة التشهير التي أنشأت في 1913 لمحاربة معاداة السامية وكل أنواع التعصب داخل وخارج الولايات المتحدة - أن افتتاحيات الصحف الأميركية تدعم الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة وحركة حماس منذ يومها الأول. فتقول الرابطة: إن الصحف الأميركية دعمت وفهمت أن الهدف الإسرائيلي من العمليات العسكرية في القطاع حماية مواطنيها من هجمات وصواريخ حماس التي تنشط في القطاع، وذلك حسب تصريح رئيسها أبراهام فوكسمان . وقد عرض الموقع لبعض تلك الافتتاحيات منها افتتاحيات لـ quot;وول استريت جورنال quot; وquot; دالاس مورنينغ نيوز quot; وquot;نيويورك بوستquot; وquot;سان دييغو يونيون تريبيونquot; وquot;سياتل تايمزquot;، وquot;أريزونا الجمهوريةquot; وquot;تامبا تريبيونquot;.

ويشير موقع الرابطة أيضًا إلى عدد من افتتاحيات الصحف التي انتقدت العمليات الإسرائيلية منها الولايات المتحدة اليوم ، وواشنطن بوست ، وبوسطن غالوب ، سان فرانسيسكو كرونيل. هذا في حين حملت الافتتاحيات الأخرى الطرفين حماس وإسرائيل ما آلت إليه الأوضاع حاليا ومن تلك الافتتاحيات صحيفة نيويورك تايمز ، ومينيابوليس ستار تربييون. ولكن موقع الرابطة كان متحيزًا جدًّا حيث لم يعرض بالتفصيل إلا لتلك الافتتاحيات التي تدعم إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة وحركة حماس، في حين تجاهل التعرض إلى الأسباب التي أوردتها الصحف التي تنتقد الهجمات الإسرائيلية وتلك التي تحمل الطرفين المسؤولية.

وعلى الجانب الآخر عرضت الرابطة لبعض الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرتها عدد من الصحف العربية - منها: الأهرام والجمهورية المصريتان، والاتحاد الإماراتية، والوطن القطرية والعمانية، والغد والدستور الأردنيتان، وتشرين السورية - التي تنتقد الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة. وتتهم المنظمة الصحف العربية بمعاداة السامية لتصويرها إسرائيل بالصور النمطية للعدو الأبدي للدول والشعوب العربية. كما تنتقد المنظمة كافة التظاهرات التي شهدتها العواصم الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية المناهضة للهجمات الإسرائيلية المحتدمة حاليًّا، وتتهمها بالنازية لاستخدامها شعارات نازية والهولوكست في نقد الدولة الإسرائيلية.

منظمات معتدلة في التناول

وفي مواجهة موجة المنظمات اليهودية المتشددة التي تُؤيد الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، عرضت منظمات يهودية أخرى رؤية متوازنة بعض الشيء حول تلك الهجمات منها منظمة quot;جي ستريت quot; التي تقول : رغم أن الهجمات الإسرائيلية على القطاع مفهومة ومبررة، إلا أن تلك الهجمات سوف تُزيد موجة قوى المقاومة والمعارضة لعملية السلام في المنطقة، والذي من شأنه أن يَضرّ بآفاق السلام والاستقرار في المنطقة على المدى الطويل، وتُضيف أن الهجمات الإسرائيلية ستُعمق دائرة العنف في المنطقة. ومع إعراب المنظمة عن احترامها لدفاع إسرائيل عن نفسها إلا أنها لا ترى أن العمليات العسكرية هي الحل للقضايا السياسية الخلافية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وفي هذا السياق أعربت منظمة quot;أميركيون من أجل السلام الآن quot; عن حزنها لوفاة ومعاناة المدنيين من طرفي الصراع، وتدعو المنظمة الحكومة الإسرائيلية إلى إنهاء عملياتها في قطاع غزة، كما أنها تنتقد بشدة إطلاق الصواريخ وقذائف مورتر من القطاع على إسرائيل. وأعربت عن قلقها واهتمامها بتدهور الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة.

واتساقًا مع هذا النهج المعتدل في التعليق على الأحداث من قبل بعض المنظمات اليهودية قالت: quot;إسرائيل منتدى السياسة quot; إن التكلفة البشرية لهذا التصعيد لا يمكن تحملها وأن الهجمات الصاروخية على إسرائيل يجب أن تنتهي، وتدعو الولايات المتحدة إلى ضرورة العمل لدفع الجهود الدولية لتحقيق وقف فوري لإطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل عن طريق التفاوض من خلال الوسطاء.

السفارة الإسرائيلية في واشنطن وسيلة لكسب الوقت

الى ذلك تعدت مهام السفارة الإسرائيلية في الولايات المتحدة خلال الأسبوعين الماضيين من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مجرد كونها مؤسسة تقليدية تضطلع بمهام التمثيل ورعاية المصالح إلى استغلال المجال العام الأميركي لتدعيم الهجمات الإسرائيلية التي تدخل أسبوعها الثالث، من خلال توضيح المواقف الرسمية لإسرائيل حيال قضايا منطقة الشرق الأوسط للرأي العام و المسؤولين الأميركيين، والعمل على كسب تأييد المسؤولين والرأي العام الأميركي للهجمات الإسرائيلية على القطاع.

الدبلوماسية الإسرائيلية : أداة للتصدي للضغوط الدولية

جاءت العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة نهاية ديسمبر 2008 لتضفي على عمل السفارة الإسرائيلية في واشنطن أهمية محورية بالنظر إلى ما أسفرت عنه من سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين يتجاوز عددهم مئات القتلى وآلاف الجرحى نتيجة الكثافة السكانية الكبيرة في القطاع و تلاصق المنشآت المدنية مع تلك الخاصة بحركة حماس، بما أدى إلى تصاعد الجهود الدولية والإقليمية على إسرائيل لوقف إطلاق النار والتي كان من أهمها محاولة استصدار قرار من مجلس الأمن يلزم إسرائيل بوقف إطلاق النار.

وإزاء تلك الضغوط أكدت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني في 4 يناير 2008 أن quot;الدبلوماسية الإسرائيلية سوف تقوم بدور محوري في التصدي لمحاولات إجبار إسرائيل على إنهاء العملية العسكرية قبل تحقيق أهدافها الميدانية وخاصة القضاء على قدرة حركة حماس على إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل، وإن ذلك النشاط الدبلوماسي المكثف يرمي إلى صدِّ وتأجيل الضغط من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار و السماح للجيش الإسرائيلي بمواصلة العملية العسكرية لكي تحقق أهدافها.quot;

و من ثَمَّ بدأ سالاي ماريدور السفير الإسرائيلي في واشنطن نشاطًا دبلوماسيًّا مكثفا لتوضيح أبعاد الرؤية الإسرائيلية لأهمية استمرار العملية العسكرية في قطاع غزة إلى أن تحقق أهدافها لضمان استمرار دعم الولايات المتحدة للموقف الإسرائيلي في المنظمات الدولية وخاصةً مجلس الأمن. وبطبيعة الحال فإن الساحة السياسية الأميركية تعد بيئة مواتية لتلك الجهود لما يبديه الساسة والجمهور الأميركي من تفهم لاعتبارات الحفاظ على أمن إسرائيل.

أهداف النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي في واشنطن

اتجهت السفارة الإسرائيلية في واشنطن لتحقيق عدة أهداف تمثلت في تنبيه الرعايا الإسرائيليين في الولايات المتحدة لبدء العملية العسكرية في قطاع غزة وتوجيههم لاتخاذ أقصى درجات الحيطة والحذر لاحتمال تعرضهم لهجوم إرهابي واجتذاب دعم الرأي العام الأميركي للإجراءات العسكرية التي اتخذتها إسرائيل باعتبارها quot;إجراءات دفاعية quot; في مواجهة قصف المستوطنات والمدن الإسرائيلية بصواريخ الفصائل الفلسطينية فضلاً عن نفي استهداف المدنيين الفلسطينيين وإعلان الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتخفيف معاناتهم الإنسانية، وفي هذا الإطار أشار نائب رئيس البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في الولايات المتحدة الوزير المفوض جيرمي إيساكروف في بيان رسمي عن السفارة الإسرائيلية في واشنطن في 27 من ديسمبر 2008 إلى أن quot;إسرائيل احترمت الهدنة العسكرية مع حركة حماس على الرغم من استمرار إطلاق الصواريخ من القطاع على المستوطنات الإسرائيلية واستهداف المدنيين في إسرائيل ومن ثم كان لزامًا على الحكومة الإسرائيلية أن تتخذ من الإجراءات ما يحفظ أمن المواطنين الإسرائيليين بصورة دائمة quot;.

ولقد قامت السفارة الإسرائيلية في واشنطن لتحقيق الأهداف سالفة الذكر بعدة أنشطة محورية تضمنت تقسيمًا للعمل بين وحداتها الرئيسة بحيث يتولى قسم العلاقات العامة بها برئاسة رفائيل هارباز إرسال نشرة يومية عبر البريد الإلكتروني إلى الرعايا الإسرائيليين في الولايات المتحدة تتضمن تفصيلاً بتطورات الأوضاع الميدانية في غزة مع التأكيد على اتخاذهم للاحتياطات الأمنية اللازمة وخاصة أماكن تجمعهم مثل المعابد والشركات لاحتمال تعرضهم لهجمات إرهابية انتقامية مع إعلان رفع درجة الاستعداد القصوى لتلقي الاستفسارات من المواطنين الإسرائيليين على مدار الساعة.

التغطية الإعلامية لأحداث غزة تبدأ من تل أبيب

على المستوى الإعلامي بدأ المكتب الصحافي المُلحق بالسفارة الإسرائيلية برئاسة جوناثان بيليد بإصدار بيانات دورية عن تطورات العملية العسكرية في قطاع غزة بدايةً من يوم 28 من ديسمبر، والتي كان أهمها البيان الصادر في 3 من يناير 2009 الذي استبق بداية مرحلة الاجتياح البري من العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة بالإشارة إلى أن وحدات جيش الدفاع الإسرائيلي بقيادة الجنرال يوعاف غالانات قد تقوم بعملية برية محدودة للتصدي لإطلاق quot;الإرهابيينquot; للصواريخ على المدنيين الإسرائيليين في جنوب إسرائيل بما يمكن اعتباره بمثابة استجلاء لرد الفعل الرسمي والشعبي الأميركي من تصعيد العملية العسكرية في القطاع .

كما قام الموقع الرسمي للسفارة الإسرائيلية في واشنطن على شبكة المعلومات الدولية بإعادة نشر مقالات الرأي التي وردت في الصحف الأميركية لتؤيد الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة والتي كان من أبرزها مقالة الصحافي الأميركي روبرت ليبر في صحيفة واشنطن بوست في 1 يناير 2009 والتي نوه فيها إلى أن الأوضاع الإنسانية المتردية في قطاع غزة لا تعد نتاجًا للعملية العسكرية الإسرائيلية وإنما لإصرار حركة حماس على استهداف المدنيين الإسرائيليين واستخدامها المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية.

وفي السياق ذاته قام ميشيل غرومان المسؤول عن الشؤون الأكاديمية والثقافية في السفارة الإسرائيلية بالتنسيق مع المؤسسات الصحافية الأميركية لنشر مقالات بعض الخبراء العسكريين والصحافيين الإسرائيليين حول العملية العسكرية الإسرائيلية وأثمرت تلك الجهود عن إعادة نشر مقالة الخبير العسكري الإسرائيلي والنائب في الكنيست إفريم سنيه التي وردت في صحيفة هآرتس في 28 ديسمبر 2008 بعنوان quot; لماذا تقصف إسرائيل قطاع غزةquot; في صحيفة الواشنطن بوست بتاريخ الأول من يناير 2009 والتي أوضح فيها أن سيطرة حركة حماس على القطاع قد أدت إلى تحوّله لمركز إقليمي لتدريب quot;الإرهابيينquot; وتصنيع الصواريخ والمتفجرات أو ما أطلق عليه سنيه quot; حمسستان منوها لعلاقة حماس بإيران وما يمثله ذلك من تهديد لتوازن القوى الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

وفي إطار الحملة الإعلامية ذاتها نشر موقع السفارة الإسرائيلية على شبكة الانترنت المقالات الصحافية الإسرائيلية التي توضح أهمية العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة لأمن إسرائيل والأمن الإقليمي مثل مقالة المحلل السياسي الإسرائيلي باري روبين في صحيفة جيروزاليم بوست في 29 من ديسمبر 2009 بعنوان quot;استراتيجية حماس: الصواريخ أو الإعلامquot; التي تضمنت تكذيبًا لبيانات المسؤولين السياسيين في حركة حماس حول الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة مشككًا في عدد القتلى المدنيين الذي تعلنه الحركة بصورة يومية للضغط على الرأي العام العالمي لإنهاء العملية العسكرية الإسرائيلية قبل أن يتم القضاء على قدراتها العسكرية بالكامل، بينما أكدت مقالات كلٍّ من عاموس أوز و إيلاي كارمون و ألان ديرشويتز على ما تمثله العملية العسكرية من أهمية بالنسبة إلى أمن إسرائيل معتبرين أن quot; القصف المنتظم لمدن جنوب إسرائيل بصواريخ الفصائل الفلسطينية هو جريمة حرب ضد الإنسانية تسبب معاناة مؤلمة لمواطني إسرائيل كان يجب ألا تستمرquot;.

المساعدات الإنسانية لغزة دعاية لتل أبيب في واشنطن

وبالتوازي مع تلك الجهود أصدرت السفارة الإسرائيلية في واشنطن بيانًا رسميًّا في 2 من يناير الحالي أكدت فيه قيام إسرائيل بتقديم مساعدات إنسانية لسكان قطاع غزة تقدر قيمتها بحوالى 5 ملايين دولار كما أنها سمحت بعبور شاحنات إلى القطاع محملةً بآلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية عبر معبر كيريم شالوم بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية وتضمن البيان إحصاءات توضح كمية المساعدات التي سمحت إسرائيل بعبورها يوميًّا إلى قطاع غزة وعدد الجرحى الذين تقوم بعلاجهم داخل المستشفيات الإسرائيلية وهو ما يتناوله الجدول التالي إجمالا.