واشنطن: في العشرين من الشهر الحالي، يتمّ تنصيبُ باراك أوباما رئيسا جديدا للولايات المتحدة في احتفالات مُـبهرة يحضرها في واشنطن ملايين الأميركيين، ولكن هناك مئات الملايين في العالميْـن العربي والإسلامي، الذين سيُـتابعون بشغف خطاب التّـنصيب، الذي سيُـلقيه أوباما لرصْـد أي تحسّـن مُـحتمل في توجّهات السياسة الأميركية حِـيال المنطقة، بعد سبع سنوات عِـجاف تدهْـورت فيها العلاقات بين الولايات المتحدة والعالميْـن العربي والإسلامي بسبب سياسات الرئيس بوش.
تنبّـه إلى أهمية ما سيقوله أوباما في خطاب التّـنصيب بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط، كل من مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي ومشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، فصمّـم كل منهما مشروعا لاستقراء آراء الخُـبراء الأميركيين والعرب، فيما يجب أن يقوله أوباما بكل وضوح في أول خطاب له للشعب الأميركي والعالم، وعقدت المؤسّـستان ندوة مُـشتركة لمناقشة هذا الموضوع، استضافت فيها السيد سكوت كاربنتر، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى سابقا والدكتورة ميشيل دون، كبيرة الخبراء بمؤسسة كارنيغي للسلام العالمي ورئيسة تحرير نشرة الإصلاح العربي والسيدة هيذر هيرلبرت، كاتبة خطابات الرئيس السابق بيل كلينتون والسيد هشام ملحم، مدير مكتب قناة العربية في واشنطن.
وأكّـد النائب السابق لمساعِـد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى سكوت كاربنتر، أنه يتعيّـن على الرئيس المُـنتخب أن يستغِـل خطاب التّـنصيب، للتأثير بسرعة على شعوب الشرق الأوسط، باستخدام شعار التّـغيير، الذي رفعه في حملته الانتخابية، ومُـمارسة قُـدرته على الحديث مُـباشرة إلى الشعوب، ولكن يجب أن لا يقع في فخّ بذلِ الوعود البرّاقة، التي لن يُـمكنه الوفاء بها ولا إيهام شعوب المِـنطقة بتغيير جِـذري في السياسة الأميركية إزاء الشرق الأوسط.
تحذير من تِـكرار تجربة بوش الفاشلة
وردا على سؤال عما إذا كان من شأن الحرب الدائرة في غزّة أن تقفز بعملية السلام إلى أولويات أجندة أوباما، قال الدبلوماسي الأميركي:
quot;لقد تعهّـد الرئيس المُـنتخب قبل التّـصعيد الحالي بشهور، بأن يُـولي عملية السلام في الشرق الأوسط اهتماما خاصّا، وعكف فريق أوباما الانتقالي على اختيار مجموعة من المبعوثين على مُـستوى عالٍ، لإيفادهم للتّـعامل المباشر مع جوانِـب مختلفة من قضايا الشرق الأوسط، من سوريا إلى العراق إلى إيران، وبطبيعة الحال الصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي، والتوصية بما يتعيّـن عمله، ولذلك، فإن قِـيام أوباما فور تنصيبه بإيفاد هؤلاء المبعوثين، سيُـظهِـر لشعوب المنطقة مدى جدّية إدارته في معالجة مشاكل المنطقة، وعلى رأسها الصِّـراع العربي الإسرائيلي، بحلٍّ عادلٍ ودائم وشاملquot;.
ونبّـه السيد كاربنتر إلى ضرورة أن يعتمِـد أوباما في إظهار عزمِـه على فتح صفحة جديدة في العلاقات مع دُول وشعوب الشرق الأوسط على الأعمال، وليس على الأقوال، مهما كانت بلاغته الخِـطابية، لكنه نبّـه إلى أنه حتى لو أظهر أوباما من خلال الأفعال جدّيته في تغيير صورة أميركا في المنطقة بالمسارعة إلى الانخراط في عملية سلام الشرق الأوسط، بإرسال مبعوث خاص إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية فور تنصِـيبه، وبدأ في السعي الجدّي لسحب القوات الأميركية من العراق وقام بإغلاق معتقل غوانتانامو، سيِّـئ السمعة، فلن يكون هذا كافِـيا لتغيير نظرة شعوب المنطقة إلى الولايات المتحدة، وخاصة المتشائمين بينهم.
وحذر السيد كاربنتر من أن يحاول أوباما تِـكرار التجربة الفاشلة للرئيس بوش، بتصور أنه بوسع واشنطن نشر الديمقراطية في العالم العربي، انطلاقا من العراق.
ضرورة التأكيد على المبادئ
أما الدكتورة ميشيل دون، كبيرة الخبراء بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ورئيسة تحرير نشرة الإصلاح العربي، فاقترحت لكي تكون رسالة أوباما في خِـطاب التنصيب واضحةً لشعوب العالميْـن العربي والإسلامي، أن يوضِّـح أن سياسته فيما يتعلّـق بالشرق الأوسط، ستنبثق من أربعة أهداف أو مبادئ، هي السلام والعدل والتنمية والديمقراطية، وفسّـرت ذلك بقولها أن quot;هذه المبادِئ تعكِـس آمالَ وطموحاتِ شعوبُ المنطقة، ويجب أن تُـظهر الولايات المتحدة من خلال الرئيس الجديد اهتمامها بتلك الطموحات، خاصة وأنها تلتقي بشكل أو بآخر مع بعض أهداف السياسة الأميركية في المنطقةquot;.
وأشارت الخبيرة الأميركية إلى أنه، لن يُـمكن إقرار السلام في المنطقة، بدون وجود تسوِية عادِلة للمظالم التي تشكُـو منها شعوب الشرق الأوسط، كما لن يُـمكن تحقيق التنمية الاقتصادية بدون توفّـر القدر الملائِـم من مقوِّمات الديمقراطية، وخاصة القدرة على محاسبة الشعب للحكومة، واقترحت الدكتورة دون، أن يستخدِم الرئيس المُـنتخب باراك أوباما، قُـدراته الخطابية في الوصول إلى مخاطبة شعوب المنطقة وحكوماتها على حدٍّ سواء، لإصلاح ما أفسدته سنوات بوش في البيت الأبيض.
وردّا على سؤال عما تتوقّـعه من تغييرات في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بتولي أوباما مقاليد الحُـكم في البيت الأبيض، قالت الدكتورة ميشيل دون: quot;سيكون هناك بطبيعة الحال قدْر من التّـغير في تلك السياسة، ليس بالضرورة بسبب انتخاب أوباما، ولكن لمجرّد انتهاء فترتَـيْ رئاسة شهِـدت بدايات الأولى منهما هجمات سبتمبر الإرهابية ثم ردود أفعال أميركية، وصلت في جوانب منها إلى المبالغة والإفراط، وبالتالي، آن الأوان لعوْدة السياسات الأميركية بشكل أكبر إلى إطارها الطبيعي، وسيواصل أوباما السّـير في ذلك الاتِّـجاه، ولكنني لا أتوقّـع تغيّـرا دراماتيكيا في السياسة الأميركية إزاء الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلّـق بالصِّـراع العربي الإسرائيلي، وإن كان الرئيس المُـنتخب سيُـحاول من اليوم الأول إظهار جدّيته واهتمامه بذلك الصّراع، من خلال بذل جُـهود كبيرة وتخصيص وقْـت أكبر، للتعامل مع عملية السلام منذ بداية فترته الرئاسية، وليس في نهايتها، كما حاول الرئيس بوشquot;.
ومن خلال خِـبرتها في كتابة خِـطابات الرئيس الأسبق بيل كلينتون، تحدثت السيدة هيذر هيرلبرت عمّـا يُـمكن أن يتضمّـنه خطاب تنصيب أوباما من رسائل واضحة وسريعة إلى الشعوب العربية والإسلامية فقالت:
quot;في خِـطاب تنصيب أوباما، سيتعيّـن عليه التطرّق لطائفة عريضة من القضايا المحلية، خاصة الاقتصاد وقضايا السياسة الخارجية، ولذلك، لن يكون أمامه متّـسع من الوقت للخوْض في تفاصِـيل سياساته إزاء الشرق الأوسط، خاصة إذا جاء وقت الخطاب ولم يبدأ تنفيذ وقف إطلاق النار في غزّة، وسيحاول أوباما تجنّـب بذل الوُعود البرّاقة لشعوب المنطقة وإظهار جدّيته من خلال العمل، بأن يعلن مثلا عن بدء الوساطة الأميركية في عملية السلام مع الرّغبة في ممارسة الحزْم الأميركي مع طرفَـيْ الصِّـراع وإغلاق معتقل غوانتانامو والشّـروع في خفض القوات الأميركية في العراقquot;.
وردّا على سؤال عمّـا إذا كان أوباما سيحرِص في خطاب تنصيبه على رأبِ الصّـدع في علاقات الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي، قالت السيدة هيرلبرت:
quot;نعم، ويجب أن يُـسارع إلى التّـأكيد على وُجود قدْر أكبرَ من القواسِـم المشتركة بين القِـيم والمثل بين الطرفَـين، بعكس ما روّج له أنصار نظرية صِـراع الحضارات، مع التأكيد على امتِـنان الحضارة الغربية لِـما أسهمت به الحضارة الإسلامية في العِـلم والمعرفة الإنسانية في الغرب، ويجب أن يحرِص أوباما على إظهار التّـواضع والرّغبة في مساعدة الشعوب العربية والإسلامية على تحقيق طموحاتها، بالشراكة معها وليس بفرض التصوّرات الأميركية لكيفية تحقيق تلك الطموحاتquot;.
الحديث إلى الشعوب وليس الاستعلاء
وفيما نبّـه الصحفي والإعلامي العربي الأميركي هشام ملحم، مدير مكتب قناة العربية في واشنطن، إلى ضرورة عدم الإغراقِ في التّـفاؤل بتغييرات جِـذرية في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، فإنه أعرب عن تفاؤلِـه بحِـكمة وثقافة أوباما، والتي توقّـع أن تنعكس في خطاب تنصيبه، خاصة وأنه يحظى بقدْر من المِـصداقية، سيمكِّـنه من الحديث بصِـدق وتواضُـع وبنبرة مَـن يشعر بالمسؤولية الجسيمة، بسبب ترِكَـة بوش المُـثْـقلة بالدّيون والخَـراب الاقتصادي وارتفاع المشاعِـر المناهضة للولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها.
وفيما يتعلق بالرسالة التي يُـمكن أن يحملها خطاب التنصيب إلى الشعوب العربية، اقترح السيد ملحم أن تعكِـس شعور أوباما بالاحترام لتلك الشعوب، بحيث يتحدّث إليها كشريك، وليس كطرف مُـتلق للتّـوجيهات الاستعلائية والمُـحاضرات الفوقية، كما كان يفعل الرئيس بوش، وأن تعكس كلماته لتلك الشعوب، حقيقة أنه مشارك ومهتم بالاستماع إلى ما تقوله الشعوب أيضا.
وأعرب السيد ملحم عن اعتقاده بأن خطاب أوباما سيشهد تأكيدا على عزم الرئيس المُـنتخب تلافي خطأ بوش في تأجيل الاهتمام بعملية السلام إلى الشهور الأخيرة من ولايته الثانية، بإعلان فريق عمل خاص بالوساطة الأميركية، ولكنه نبّـه إلى ضرورة أن يُـدرك أوباما أنه في تاريخ الوساطة الأميركية في ذلك الصِّـراع، لم يُـمكن التوصّـل إلى أي إنجاز حقيقي، بدون المشاركة الشخصية المباشرة والمثابرة للرئيس الأميركي.
وجّـه السؤال إلى السيد هشام ملحم عن الكيفية التي سيتمكّـن بها أوباما من تنفيذ وعدِـه بالعمل على تحسين صورة الولايات المتحدة في العالميْـن، العربي والإسلامي، بعيدا عن الدِّعاية والبروباغندا، اللتان اتبعتهما إدارة بوش من خلال قناة الحرّة وراديو سوا، وما يسمى برحلات الاستماع وجُـهود الدبلوماسية الشعبية، قال السيد ملحم:
quot;يتميّـز أوباما بإدراكِـه القوي لحقيقة أن العالم ليس هو مجرّد دول الغرب، ولذلك، يفكِّـر جدّيا في مخاطبة الشعوب الإسلامية من إحدى عواصم العالم الإسلامي خلال المائة يوم الأولى من تنصيبه، مما سيعكِـس احترامه لتلك الشعوب ولتُـراثها الإسلامي، وسيعتمِـد على الحوار مع تلك الشعوب وبوسعِـه أن يقدِّم الاعتذار عن الإساءات التي وجّهت إلى الإسلام والمسلمين خلال عهد الرئيس بوش على لسان مسؤولين أميركيين، وأن يؤكِّـد أن إدارته لن تسمح بتِـكرار تلك الإساءات. ويُـمكن لأوباما أن ينبِّـه الشعوب الإسلامية، إلى أنه يُـدرك تاريخ المظالِـم التي تعرّضت لها ويعي تراث حِـقبة الاستعمار لأراضيها، ومع ذلك، فيجب أن لا تلقي تلك الشعوب باللّـوم على الولايات المتّـحدة كطرف مسؤول عن كل مشاكِـلها وأن يعرض التّـعاون الأميركي، للعمل معا على التخلّـص من استغلال الدِّين في تحقيق أهداف سياسية باستخدام العُـنف والإرهاب، والمُـضي قُـدما في علاقات شراكة نحو مستقبل أفضلquot;.
محمد ماضي
التعليقات