القدس: ادت الحرب التي شنها الجيش الاسرائيلي على قطاع غزة الى اسكات صوت معسكر السلام الذي كان عاليا في اسرائيل، اثر انقسامه حول مكاسب حرب تمتعت بدعم شعبي واسع. وحصد النزاع الذي تواصل ثلاثة اسابيع عددا من القتلى فاق ما سقط في اي هجوم آخر على قطاع غزة، اذ ادى الى مقتل اكثر من 1300 فلسطيني، نصفهم تقريبا من المدنيين.

غير ان اسرائيل لم تشهد تظاهرات ضخمة معارضة للحرب فيما رفض عدد قليل من الجنود الخدمة في غزة، ولم يذكر معسكر السلام الا بسبب الخلافات المريرة المتفاقمة في صفوفه. وكشف استطلاع للرأي نشرته صحيفة معاريف الجمعة عشية اعلان اسرائيل وقف اطلاق النار، ان اقل من 8% من الاسرائيليين يريدون انتهاء النزاع فيما ايد اكثر من النصف ارسال المزيد من القوات البرية الى غزة.

والوضع بعيد كل البعد عما كان عليه في الثمانينات والتسعينات عندما شارك مئات الالاف في التظاهر ضد حرب اسرائيل في لبنان، فيما شهد الجيش رفض الكثير من المجندين الخدمة في الاراضي المحتلة ابان الانتفاضة الاولى، ما لعب دورا كبيرا في دفع الحكومة الاسرائيلية الى طاولة المفاوضات.

وقد تجمعت حوالى 12 امرأة من جماعة quot;النساء المتشحات بالسوادquot; من اجل السلام الجمعة امام مقر رئيس الوزراء في القدس، وهو تحرك اسبوعي ينفذنه بانتظام منذ 21 عاما. لكن على الرغم من ارتفاع عددهن عقب الحرب على غزة، ما زال جزءا بسيطا مما كان عليه قبل عقدين. وقالت رينات وولفسن (80 عاما) التي وقفت وسط لافتات quot;اوقفوا الحصار على غزةquot; وquot;اوقفوا الاحتلالquot;: quot;كنا 150-200 شخص كل يوم جمعةquot;. واضافت quot;في حربي لبنان الاولى والثانية، كانت النساء (المتشحات بالسواد) يقمن سهرة شموع كل ليلة. هذه المرة اقمنا بعضا منها، ولكن ليس كل ليلةquot;.

واوضحت وولفسن ان الاسابيع المنصرمة كانت مؤلمة بعد اكتشافها ان بعض رفاقها منذ امد طويل يؤيدن عملية quot;الرصاص المصبوبquot; في غزة. وقالت quot;في كل اجتماع حضرته، كان الناس يبكونquot;. واضافت quot;بعض اصدقائي يبررون الحرب، اصدقاء لم اكن اتوقع ذلك منهم، بسبب اطلاق الصواريخ على الجنوب. ربما ينبغي فعل شيء لوقف ذلك، ولكن ليس بهذا الحجمquot;.

والهدف المعلن من الهجوم كان وقف اطلاق الصواريخ على جنوب اسرائيل من قطاع غزة والذي تواصل بشكل متقطع منذ انسحاب الجيش والمستوطنين الاسرائيليين من القطاع قبل اربعة اعوام. وباتت بعض الشخصيات التي قادت تيار السلام تؤيد الهجوم الاخير على غزة.

ففي رسالة مفتوحة في صحيفة هآرتس الليبرالية الجمعة، وجه الكاتب اي. بي. يهوشواع نقدا حادا للصحافي جدعون ليفي لمعارضته الحرب على القطاع الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس). وقال يهوشواع ان الحرب هي الطريقة الوحيدة لافهام مقاتلي حماس بانه quot;ينبغي ان يوقفوا اطلاق النار من طرف واحد، وتكديس الصواريخ من اجل حرب مريرة وغير مجدية لتدمير اسرائيل، والاكثر من ذلك من اجل مستقبل اطفالهم، لئلا يموتوا في مغامرة عقيمة اخرىquot;.

واقر امين عام اكبر جماعة من اجل السلام في البلاد وهي حركة quot;السلام الآنquot; ياريف اوبنهايمر ان عددا كبيرا من الناشطين الذين كانوا يعترضون بشراسة على العمليات العسكرية، تختلف مشاعرهم حيال الهجوم على غزة. وقال quot;اليوم كلنا متوافق على ضرورة ان تتوقف (الحرب)، ولكن في البداية عارضها البعض منذ يومها الاول، فيما اعتبر اخرون ان (اطلاق الصواريخ) مستمر منذ ثماني سنوات ولم يعد من خيار آخرquot;. واضاف quot;كان الوضع بالغ الصعوبة بالنسبة الي وزملائي (...) حماس تجعل الامور صعبة حتى على مناصري السلامquot;.

ولم يتلق معسكر السلام مساعدة تذكر من الاعلام الاسرائيلي الذي تعرض لهجوم حاد من جماعات حقوقية لضيق المساحة التي خصصها للاصوات المختلفة. غير ان الناشطين على غرار وولفسن يعربون عن ادراكهم ان آراءهم اقلية، لا سيما وانهم مستهدفون بانتظام من المارة والسائقين العابرين. وقالت quot;مر بنا سائق حافلة هذا الصباح وصرخ بنا: كيف يمكنكن التظاهر؟ لو كان لديكن ابناء (يخدمون في الجيش) في غزة لما وقفتن هنا!quot;