حاولت دراسة طرح أسباب استخدام دول للخيار العسكري أو لجوئها إلى وضع خيار مهاجمة البنية التحتية للمنشآت النووية لدولة غير نووية.

واشنطن: أشارت دراسة الصادرة عن كلية جون كينيدي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد المعنونة quot;استهداف البرامج النووية في فترات السلم والحربquot;، اشارت في تحليلاتها بصورة غير مباشرة إلى الوضع الراهن على الساحة الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني واحتمالات توجيه ضربة عسكرية لمنشآته النووية بالتركيز على وضع مبررات وأسباب تبرر استخدام القوة بدافع الأمن الإقليمي المؤثر على الأمن والسلم الدوليين دون النظر إلى الفاعل الدولي المنفذ للهجوم. وقد اختبرت الدراسة أربع فروض استنتجت من حالات الصراعات الدولية للانتشار النووي ما بين عام 1941 حتى عام 2000.

استخدام القوة للحد من الانتشار يؤدى إلى نتيجة عكسية

تتسابق اثنان وعشرون دولة تقريبًا منذ عام 1940 لتطوير أسلحتها النووية. وعلى الرغم من الحجج النظرية التي رأت ـ في بعض الحالات ـ أن مزيدًا من الانتشار النووي من الممكن أن يكون أفضل على التوازن الدولي وعلى السلم والأمن الدوليين، إلا أن صناع القرار العالمي رفضوا هذه الحجة وعملوا على وضع إطار قانوني لمنع انتشار الأسلحة النووية من خلال صياغة معاهدة منع الانتشار. وفي عام 1960 قدرت الاستخبارات الوطنية الأميركية أن الزيادة الصغيرة في عدد البلدان المالكة للسلاح النووي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة عناصر الخطر الناشئ من التوترات العالمية وتضخيم عواقب أفعالها كالخطأ في التقدير أو قرارات تؤخذ عن طريق اليأس واللاعقلانية، مما يترتب عليه تهديد الأمن والسلم الدوليين. وقد أعطت الدراسة مثالاً على برامج الأسلحة النووية المثيرة للمخاوف والتي تثير احتمال حدوث مزيد من الانتشار في منطقة شرق آسيا والشرق الأوسط كالبرنامج النووي لكوريا الشمالية وإيران على التوالي.

في مقابل ذلك، وضع المجتمع الدولي عدة استراتيجيات وتدابير للحد من انتشار الأسلحة النووية تشمل تدابير التفاوض دبلوماسيا مثل الضمانات الأمنية ومعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والأدوات الاقتصادية مثل ضوابط التصدير التي تحد من المعروض من السلع المستخدمة في صنع الأسلحة النووية، أو استخدام العقوبات كمعاقبة الدول التي تساعد على الانتشار.

وعلى الرغم من أن استخدام القوة هي إحدى التدابير المستخدمة في السياسة الخارجية، إلا أن استخدامها للحد من انتشار الأسلحة النووية يثير الجدل والمعارضة باعتبار أن استخدام القوة العسكرية في مثل هذه الحالة قد يؤدى إلى نتيجة عكسية، أي قد يؤدى إلى انتشار الأسلحة النووية. وهناك ثماني عشرة حالة حاولت فيها الدول استخدام القوة العسكرية لضرب البرنامج النووي لدولة أخرى، وخمس عشرة حالة قامت بالفعل دولة ما بالهجوم العسكري على المنشآت النووية لدولة أخرى لمنعها من امتلاك أسلحة نووية.

التباين في استعداد الدول لشن هجوم عسكري

وقد سلطت الدراسة الضوء على قصور الدراسات السابقة في تفسير أسباب التباين في استعداد الدول لشن هجوم عسكري على منشآت نووية لدولة دون أخرى، على الرغم من أن الحالات المحتملة لاستخدام دولة ما للقوة ضد الدول التي تعمل للحد من نظام حظر الانتشار النووي ضروري ولازم في بعض الحالات. ومن أمثلة ذلك لماذا قامت إيران وإسرائيل، والولايات المتحدة بشن هجمات ضد المنشآت النووية العراقية، ولم تقم الدول ذاتها بشن هجوم مماثل على بلدان نووية مماثلة ؟ أو لماذا هاجمت إسرائيل المنشآت النووية في العراق وسوريا ولم تهاجم المنشآت النووية في ليبيا أو باكستان؟، واستحوذ قرار إسرائيل للهجوم على مفاعل تموز في العراق في عام1981 اهتمام الباحثين سواء من حيث أسباب وعواقب الهجوم ، والأسباب التي دعت الولايات المتحدة لعدم تنفيذ خيار استخدام القوة العسكرية ضد الصين بسبب برنامجها النووي كأداة وقائية وذلك ما بين 1961 و 1964 على الرغم من استخدام الخيار ذاته ضد العراق .

وقد سردت عدة جداول كنماذج تطبيقية توضح فيها السنوات التي أخذت الدول بعين الاعتبار دراسة مشروع مهاجمة المرافق النووية أو القيام الفعلي للهجوم العسكري على هذه المرافق وذلك منذ عام 1941-2000. ومن أمثلة تلك الدول الولايات المتحدة وهى الأكثر في عدد محاولات الهجوم على كلٍّ من ألمانيا من عام 1942- 1945، والصين من عام 1942- 1961، وكوريا الجنوبية من عام 1994- 1993، وباكستان من عام 1979- 1978، والعراق من عام 2003- 1990. وبالفعل استخدمت الولايات المتحدة القوة العسكرية ضد ألمانيا والعراق. كذلك حاولت إسرائيل بشن هجوم عسكري ضد المنشآت النووية لكلٍّ من العراق من عام 1981- 1979 وباكستان من عام 1987- 1983.

وتكشف الآثار المترتبة على المناقشات النظرية حول انتشار الأسلحة النووية والنتائج التجريبية للدراسة عن أن الهجمات العسكرية ضد البرامج النووية لدولة أخرى لا تحدث عشوائيا وإنما تتم على أساس منهجي متأثرًا تأثرًا كبيرًا بالعلاقات السياسية والخصائص المؤسسية للبلد المعتدى عليها. بمعنى أنه على الرغم من أن الهجوم على البرامج النووية قد تكون استراتيجية أكثر جاذبية وفعالية إلا أن احتمالية استخدامها لا يكون بالقدر ذاته للدول ذاتها وذلك لاختلاف التركيبات والعلاقات السياسية للدول سواء المهاجمة أو المتلقية للهجوم أو المسماة quot;الدولة المروجة للانتشار .
فالفرض القائل بأن الدول الأكثر عرضة للهجوم هي الدولة الضعيفة والمروجة للانتشار لكونها غير قادرة على الرد العسكري المضاد وبالتالي انخفاض احتمالية الانتقام المضاد ، كما هو الحال عند قيام إسرائيل بضرب المنشات السورية ، هو فرض غير مؤكد ، حيث أوضحت الدراسة نسبية فرض مخاطر الانتقام باعتباره عاملاً غير بارز في تفسير أي هجمات فعلية أو محتمل حدوثها . كذلك لا يوجد تأييد واسع للحجة التي مفادها أن الدول الأعضاء في معاهدة منع الانتشار النووي هي أكثر عرضة للهجوم ضد برامجها النووية لأن تكاليف الإدانة الدولية ستكون كبيرة.

النووي الإيراني والكوري الشمالي يهددان الأمن

كذلك تناولت الدراسة الانعكاسات السياسية لبعض الكيانات الدولية مثل مجلس الأمن التي لديها مصالح في التوسط في النزاعات الدولية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين. حيث رأت أن على مجلس الأمن أن يضاعف جهوده ويتفهم تفاقم الأزمة لتحقيق نهاية سليمة لانتشار البرنامج النووية. وقد أشارت الدراسة بصورة غير مباشرة إلى ضرورة تفهم المؤسسات الدولية كمجلس الأمن استخدام دولة ما كإسرائيل الخيار العسكري ضد منشآت نووية إيرانية حفاظًا على الأمن الدولي والحد من مخاطر الانتشار النووي.

ودعمت الدراسة الحجج التي تنص على أن الهجوم يتم من قبل دولة المهاجمة على البرامج النووية للدولة الناشرة عندما تهدد الدولة الناشرة قدرة الدولة المهاجمة على التفاوض وإضعاف نفوذها ، بالإضافة إلى احتمال مشاركة الدولة الناشرة في سلوك طائش قد يهدد مصالح أو يهدد وجود الدولة المهاجمة. وقد استشهدت الدراسة بكتابات ساجان عام 1994 ؛ وفيفر 1997 بأن الهجمات المحتملة ضد البرامج النووية لدولة ما يكون بسبب التخوف من الانتشار الأفقي للأسلحة النووية والتي يمكن أن تكون مزعزعة للاستقرار الإقليمي والدولي .

كما رجحت الدراسة أن الهجمات المستقبلية المحتملة من المرجح أن تحدث إذا ما كانت الدولة المهاجمة تعتقد أن الدولة المالكة للبرنامج النووي لن تتصرف كقوة نووية مسئولة. فقد ذكرت الدراسة أن الخطر يتفاقم إذا كانت الدولة الناشرة تتبنى موقفًا هجوميًّا وعدائيًّا على إحدى الدول أو تهدد باللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية لحسم النزاعات القائمة.