ما زال موضوع تصويت مجلس النواب العراقي على قانون الانتخابات يشهد ردود فعل عديدة، إذ قال رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب بهاء الاعرجي لـquot;إيلافquot; إن الجلسة البرلمانية كانت غير دستورية لأسباب منها انه كان واجبا ولزاما أن يقوم طارق الهاشمي بالنقض مرة ثانية ليعطي مبررا لاجتماع البرلمان لكن هذا لم يتم. وعوضا عن ذلك دعا الرئيس جلال الطالباني إلى جلسة برلمانية توافقية طارئة.
بغداد: صوت مجلس النواب العراقي في ليلة الاثنين 6/12/ 2009 على قانون الانتخابات، الذي شهد جلبة لا مبرر لها، وشد وجذب إعلامي كبير أحدثه طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي الذي نقض القانون بحجة الحصول على مقاعد إضافية للاجئين السنة العرب. وحسب قانون الانتخابات الذي تمت المصادقة عليه الليلة الماضية، أصبح مجموع مقاعد مجلس النواب الجديد 325 مقعدا بدل 323 مقعدا. كما ورد في القانون توزع بين المحافظات وفق إحصائية وزارة التجارة للعام الحالي بعد حسم 5% من المقاعد التعويضية وعددها 16 مقعدا.
كما ينص المقترح على إضافة مقعدين إلى كل من محافظتي السليمانية ودهوك بكردستان على أن تخصص مقاعد الأقليات من مجموع الأصوات، وأن يحتسب تصويت عراقي الخارج إلى محافظاتهم. وقام البرلمان بتوزيع المقاعد التمثيلية على مدن العراق كالآتي: 68 إلى بغداد ونينوى 31 و البصرة 24، وذي قار 18 وبابل16، والسليمانية 17، والأنبار 14، واربيل 14، وديالى 13، وكركوك 12، وصلاح الدين 12، والنجف 12, واسط 11, والقادسية 11, وميسان 10, وكذلك دهوك10, وأيضا كربلاء 10، المثنى 7 مقاعد. وبذلك يكون مجموع مقاعد محافظات اقليم كردستان الثلاثة 41 مقعدا سيضاف إليها 3 مقاعد من التعويضية.
الأكراد يحصلون على أثمن هدية
كان قانون الانتخابات قد خضع للنقاش والتعديل داخل مجلس النواب، وقام البرلمان بالتصويت عليه، وطبقا للدستور فقد قام البرلمان بإرسال القانون إلى مجلس الرئاسة العراقي للتصويت عليه دون أن يبدي ممثلو الأكراد في البرلمان ndash; كتلة التحالف الكردستاني- لم تقدم أي اعتراض ولو على فقرة واحدة من فقراته، وطبقا للدستور العراقي استخدم طارق الهاشمي النائب السني للرئيس العراقي النقض، مطالبا بزيادة مقاعد تمثيل عراقي الخارج وخصوصا السنة العرب.
واستخدام طارق الهاشمي للنقض فتح أعين الأكراد على قانون الانتخابات الذين صوتوا له قبل النقض، إذ أنهم استغلوا الأمر لصالحهم وصاروا يبحثون عن تعويض ما فاتهم. فقاموا بإجراء تعديلات على قانون الانتخابات تزيد من عدد المقاعد التي تمثل محافظات دهوك, وسليمانية واربيل في مجلس النواب. ولم يناقش أحدا القضية الأساسية التي يفترض أن طارق الهاشمي أثارها بنقضه. ألا وهي زيادة عدد مقاعد تمثيل اللاجئين العرب السنة خصوصا.
نقض الهاشمي أحرج النواب السنة وأزم الموقف
مع تزايد الضجة الإعلامية حول نقض طارق الهاشمي، بادر العديد من أعضاء مجلس النواب وخصوصا النواب السنة بمحاولات مستميتة لإقناع طارق الهاشمي بالعدول عن نقضه، لان نقضه فيه ضرر كبير على المحافظات الغربية العراقية التي تقطنها اغلبية سنية، كالانبار صلاح الدين وكذلك ديالى، إضافة إلى إضراره بمدينة الموصل في شمال العراق والتي سعى الأكراد لتكريدها بشكل أو بآخر. وشرحت وفود سنية وشخصيات سياسية سنية للهاشمي: أن النقض لن يفيد احد سوى الأكراد الذين استغلوا بدورهم الموقف وبادروا بممارسة ضغوط واضحة للي ذراع العملية السياسية.
وكان رئيس البرلمان العراقي إياد السامرائي قد كتب رسالة إلى طارق الهاشمي يناشده بتغليب المصلحة الوطنية، وسحب نقضه الذي من شانه تأخير إجراء الانتخابات عن موعدها المقرر في 16-1-2010 وفتح الباب لنقاشات وضغوطات تخدم أطرافا على حساب أطراف سياسية أخرى، وانضم لرئيس مجلس النواب رئيس الوزراء العراقي الذي حذر من فراغ دستوري وتهديد بانهيار العملية السياسية في العراق، وبخاصة إن لم يصغي الهاشمي لصوت العقل.
وتواصلت الجهود لإقناع طارق الهاشمي بالعدول عن نقضه، حيث قامت 12 كتلة برلمانية بكتابة رسالة إلى طارق الهاشمي عرضوا عليه إجراء تعديلات، وشرحوا له بالتفصيل مضار الإصرار على نقض قانون الانتخابات، ومن هو المستفيد الحقيقي الأكبر، لكن طارق الهاشمي لم يصغ، وأصر على نقض قانون الانتخابات. وهدد باللجوء لنقض ثان أن لم تجرى تعديلات على القانون، وهو أمر أحرج النواب السنة العرب في البرلمان الذين وجدوا أنفسهم عاجزين تماما عن إقناع الشيعة والأكراد بموقفهم. ناهيك عن أن القانون الذي تم نقضه وأجريت تعديلات عليه يسلب مقاعد كبيرة من المحافظات السنية كديالى، الموصل، الانبار.
مجلس النواب يقبل النقض ويجري تعديلات
إذن عاد القانون مجددا إلى مجلس النواب الذي قبل النقض واجري تعديلات على القانون لكن التعديلات التي تم إجراؤها أهملت مقترح أو مطالبة الهاشمي بزيادة عدد مقاعد اللاجئين العراقيين خارج العراق. وتركزت على زيادة نسب مقاعد تمثيل الأكراد. والإبقاء على حصة المقاعد التعويضية البالغة 5% مع احتساب أصوات الناخبين العراقيين المقيمين خارج العراق لمحافظاتهم.
أحداث خلف الكواليس
طوال الأسابيع الأربعة الأخيرة كان مسؤولون رفيعو المستوى في السفارة الأميركية في العراق، ومسؤولون من الأمم المتحدة على تواصل يومي بكل تفاصيل المباحثات والمفاوضات، ولم يكن سرا حضور السفير الأميركي لمجلس النواب، وجلوسه في قاعة التصويت ليحث الجميع على تبني موقفا يتناسب مع السياسية الأميركية بطبيعة الحال.
واستمر الدور الأميركي الضاغط حتى ليلة أمس، حيث أقامت السفارة الأميركية دعوة عشاء لأعضاء في مجلس النواب العراقي. وكان كان سليم الجبوري قد روى حديثا تم بينه وبين السفير الأميركي في بغداد، حيث سال الأخير سليم الجبوري النائب عن جبهة التوافق السنية كم الساعة الآن..؟ قال له الساعة 8. رد السفير:حسنا- في الساعة 11 ونصف سيتم حسم الأمر. وهذا فعلا ما تم.
وبعد المصادقة على قانون الانتخابات اقترب صالح المطلك من رئيس مجلس النواب اياد السامرائي مهنئا ومباركا انتهاء الأزمة. ورد السامرائي: مبروك على ماذا؟ قانون الانتخابات عاد إلى وضعه لم يستفد سوى الأكراد أضيفت لهم 3 مقاعد أخرى.
رد المطلك ضاحكا: لا بأس هؤلاء شركاؤنا في الوطن. والـ3 مقاعد اعتبرها عيدية لهم.
الأميركيون ينقذون الهاشمي في اللحظة الأخيرة
كاد طارق الهاشمي أن يخسر كل شيء فهو لم يحصل على ما طلبه من مقاعد تمثيلية إضافية للمهجرين السنة العرب. تحديدا، وبدا أن الكتل السياسية الأخرى تريد الحصول على اكبر عدد من المغانم، ومنها العودة إلى قانون انتخابات 2005, والذي ينص على أن تتم الانتخابات وفق نظام القائمة المغلقة، ويتيح نظام القائمة المغلقة بقاء أعضاء مجلس النواب في مقاعدهم لدورة انتخابية جديدة.
وهو أمر يرفضه العراقيون ويعتبر تراجعا شديدا في سير العملية الديمقراطية، وتواردت أنباء مفادها أن الهاشمي كان قد سحب نقضه بالفعل قبل ساعتين تقريبا من المصادقة على قانون الانتخابات، لكن الأكراد الذين تمسكوا بالفرصة الذهبية التي قدمها لهم طارق الهاشمي على طبق من فضة.أصروا على استغلال الفرصة حتى اللحظة الأخيرة.
فقد اكتشفوا أن الهاشمي لن يحصل على أي شيء من نقضه. وإنهم الرابح الأكبر فأمعنوا في العناد حتى حصلوا على ما أرادوا. وجاء اتصال الزعيم الكردي رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني من اربيل, ليعطي الضوء الأخضر بالموافقة لمصطفى كركولي نائب رئيس المجلس الوطني الكردستاني، الموفد من قبل مسعود البارازاني, والذي قاد المفاوضات بنفسه بعيدا عن قيادات التحالف الكردستاني في مجلس النواب العراقي.
ردود أفعال ومخاوف ومخاطر
وفي ردود أفعال لأعضاء في مجلس النواب على المصادقة على قانون الانتخابات قال رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب بهاء الاعرجي لـquot;إيلافquot; إن الجلسة البرلمانية كانت غير دستورية لأسباب منها انه كان واجبا ولزاما أن يقوم طارق الهاشمي بالنقض مرة ثانية ليعطي مبررا لاجتماع البرلمان لكن هذا لم يتم. وعوضا عن ذلك دعا الرئيس جلال الطالباني إلى جلسة برلمانية توافقية طارئة، وهو ما يعتبر خرقا دستوريا واضحا.
كما أن مجلس النواب ارتكب خرقا دستوريا آخرا وفقا للمادة 5 من الدستور, عندما قام بتوزيع المقاعد على المحافظات، وهذا أمر من اختصاص المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وليس من حق مجلس النواب تقريره، حسب قول الاعرجي.
والذي أضاف: اشك في وجود اتفاق بين طارق الهاشمي وجلال الطالباني لان نقض طارق الهاشمي عاد بالمنفعة على الأكراد دون غيرهم. وتابع: طارق الهاشمي أربك نفسه وأربك العراق، ووضع العراق أمام بوابتين لا تقل احدهما خطرا عن الأخرى، الأولى انه سمح للمسؤولين الأميركيين بالتدخل في قانون الانتخابات.
وثانيا: هناك استحقاق قانوني مفاده أن مجلس النواب والحكومة العراقية ستفقد شرعيتها في 16/3/2010، وهو أمر يضع العراق في فراغ دستوري، مما يتيح الفرصة للأمم المتحدة والمسئولين الأميركيين من تشكيل مجلس إنقاذ العراق، خصوصا وانه من المتوقع أن لا يتم اختيار حكومة جديدة قبل مرور 6 أشهر على الانتخابات.أن لم تأتي حكومة ترضي الأميركيان فان الأمر سيظل مناطا بمجلس الإنقاذ الذي ستفرضه الولايات المتحدة.
وقال جلال الدين الصغير عقب جلسة التصويت على قانون الانتخابات: لا افهم ما الذي حصل؟ طارق الهاشمي فقد كل شيء.حتى المهجرين لم يتأتي أحدا على ذكرهم في جلسة التصويت الطارئة هذه. أما مدير مكتب إياد السامرائي رئيس مجلس النواب عمر المشهداني فقال لـquot;إيلافquot;: نحن كتوافق غير راضيين عن هذا القانون .لكننا نرى انه أفضل قانون يمكن الوصول إليه بعد النقض. وتابع: لم يتغير شيء.عدنا للقانون الأول قبل نقض طارق الهاشمي مع إضافة 3 مقاعد للأكراد. وقال عدنان الدنبوس النائب عن القائمة العراقية: الهاشمي ركب الموجة وسعى لحفظ ماء وجهه، لأنه اكتشف أن خسارته ستكون فادحة أن استمر في موقفه.
وأردف: ينطبق المثل الشعبي لاحظت برجيلها ولا أخذت سيد علي.على السيد طارق الهاشمي لأنه لم يحصل على أي شيء للمهجرين العراقيين.وعوضا عن ذلك استغل الأكراد الموقف لمصلحتهم وحصلوا على 3 مقاعد تعويضية إضافية.فيما بقت مقاعد المهجرين على وضعها.
تأجيل الانتخابات لمصلحة من..؟
وحسب محللون سياسيون عراقيون فإن خطوة طارق الهاشمي لم تكن محسوبة بالمرة، وبدت اقرب إلى النزق والطيش السياسي. لكن الهاشمي الذي خرج من الورطة في اللحظات الأخيرة الحق ضررا بالشعب العراقي. وقال المحلل السياسي مشرق السنجري بهذا الشأن: تأخير الانتخابات لشهر إضافي، وما سيليه هو أضرار بمصلحة العراقيين الذين يريدون التخلص من الساسة الموجودين على الساحة لأنهم لم يقدموا للشعب خدمة حقيقية. وأردف: الشعب العراقي هو الخاسر الأكبر فيما يتعلق بحسابات السياسيين.
ومن المتوقع إجراء الانتخابات النيابية في أواخر شهر شباط 2010، وهو أمر تؤيده الولايات المتحدة، لان إرجاء الانتخابات البرلمانية يشكل خطرا على خطة أميركية لإنهاء العمليات القتالية في عام 2010 وانسحاب القوات الأميركية من العراق قبل نهاية عام 2011. ويصف مراقبون متفائلون الانتخابات بالمصيرية والحاسمة لأنها قد تشهد نهوضا للمشروع الوطني، بعد أن فقدت الأحزاب الإسلامية التي استولت على السلطة كثيرا من بريقها.
التعليقات