حرب القمم ترسم ملامح حرب باردة جديدة في الشرق الأوسط
إيران مستعدة لمحاربة إسرائيل حتى أخر نفس عربي
إيران مستعدة لمحاربة إسرائيل حتى أخر نفس عربي
محمد حميدة من القاهرة: فى وقت سابق من الأسبوع الماضي، اجتمع تسعة وزراء خارجية عرب في أبو ظبي، يمثلون دول كل من الإمارات العربية المتحدة و مصر والمملكة العربية السعودية والمغرب و السلطة الفلسطينية والأردن واليمن والبحرين وتونس. كان يهدف الاجتماع رسميا دعم الجهود المصرية للتوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس التي تسيطر على غزة. لكن الهدف الكامن والاهم هو جمع الدول العربية القلقة من تزايد محاولات إيران لكسب النفوذ في العالم العربي.
الاجتماع وما تمخض عنه من ملاحظات وإشارات، برأى المحللين قدم آخر دليل على ظهور ما يسمى بحرب باردة جديدة فى الشرق الأوسط. مشيرين الى ان هذا الظهور له أهمية حقيقية، وإن كان لا يشكل ولا يعرقل اى تغيير عميق في الثقافة السياسية السائدة في المنطقة.
فقد شهد تجمع أبو ظبي انتقادات أكثر وضوحا للتدخل الإيراني في الشؤون العربية أعرب عنها كبار المسؤولين العرب. الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة قال ان الهدف من المناقشات هو وقف quot;كل تدخل غير مرغوب فيه في شئون بلادنا العربية من قبل الدول غير العربيةquot;، التي تتدخل كما وصفها بطريقة غير بناءة فى إشارة إلى إيران.
واتهم quot;خيرى العريضىquot; السفير الفلسطيني فى الإمارات،إيران بأنها وراء الانقسام الفلسطيني. ووصف النزاعات الداخلية الفلسطينية بأنها quot;ليست فى الحقيقة فلسطينيةquot; قائلا بدلا من ذلك انها quot;نتيجة لتدخل من جانب دول أجنبية تريد فرض أجندتها الخاصة على حساب المصالح الفلسطينيةquot;.
وكانت أبو ظبي اخر جبهة فى quot;حرب القممquot; الجارية في الدبلوماسية العربية. خلال أزمة غزة حاولت قطر وفشلت في الحصول على النصاب القانوني لعقد قمة عربية طارئة لإدانة إسرائيل. وتوالت الاجتماعات الموالية للغرب والموالية لايران فيما بعد فى الدوحة و الكويت. لكن الاجتماع الذى عقد في أبو ظبي كان سياسيا و دبلوماسيا بحتا على النقيض من قمة الكويت التى ركزت على البعد الاقتصادي، واعتبر اخر خطوة من جانب المعسكر الموالي للغرب.
ومن المقرر ان يكون الاجتماع القادم للمعسكر الموالي لايران في سوريا للاحتفال بانتصار حماس في غزة. وتشير التسريبات الى ان اجتماع دمشق سوف يحضره جميع الاعضاء الرئيسيين والإسلاميين الموالين لإيران. وقد وجهت دعوة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد و رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والرئيس الفنزويلي هوغو شافيز الموالى لطهران على الجانب الاخر من المياة.
يقول الخبير السياسي المعروف quot;جوناثان سباير quot; فى تحليل له نشر بصحيفة هأرتس الإسرائيلية quot;ربما معالم الحرب الباردة الجديدة فى الشرق الأوسط لم تحدد كامل خيوطها بعد، ولكنها تزداد وضوحا يوما بعد يوم quot;. وقال سباير ان هناك جانبا مثيرا للاهتمام فيها هو وجود ضئيل نسبيا من الحكومات العربية فى المعسكر الموالي لإيران.
واضاف ان قطر تبدو أكثر صراحة فى اختيار المحور الإيراني. وسوريا التى تتبنى الثقافة السياسية المناهضة للغرب.وقد تجد لبنان نفسها quot;مغروسةquot; فى هذا المعسكر، وهذا يتوقف على نتائج الانتخابات التي ستجرى في حزيران / يونيو. ولكن الحكومات القوية والأكثر تأثيرا مثل مصر والمملكة العربية السعودية هما الأكثر قلقا من بروز إيران كقوة فى المنطقة كرمز لعدم الاستقرار.
والقلق من تزايد النفوذ الإيراني لا يقتصر على المجال الفلسطيني. فتدخل ايران في السياسة العراقية مبعث اخر للقلق فى جميع أنحاء العالم العربي. وهناك أسبابا كافية للبلدان التي تضم أعدادا كبيرة من الأقليات الشيعية كما في حالة البحرين لمراقبة عن كثب المد الطهراني.
ولكن التأييد الشعبي الكاسح في جميع أنحاء العالم العربي للرعاية الإيرانية للعنف ضد الأهداف الغربية و الإسرائيلية وضع الحكام العرب فى وضع لا يمكنهم فيه أن يتجاهلوا الطموحات الإقليمية لإيران. وخصوصا مع تزايد الإعجاب فى الأوساط العربية السنية بالموالين لطهران كرموز للشجاعة والتضحية بالذات، ويبدو الإيرانيين على استعداد لمحاربة إسرائيل حتى آخر نفس عربي. فالعدد الدقيق للشهداء الإيرانيين الذين قتلوا في عمليات استشهادية ضد الغرب والصهاينة لا يتجاوز الرقم صفر.
ولكن الحكومات العربية بما فيها المملكة العربية السعودية ومصر لا ترغب ولا هى غير قادرة على تقديم رؤية شرعية بديلة للثورة الإسلامية او حتى مجرد نسخة من نصر الإيرانيين وعملائهم. ولهذا السبب - وفقا لمحللون -المعالم العميقة للثقافة السياسية المناهضة للغرب و لإسرائيل فى المنطقة لن تتغير مع إعادة تراصف القوى كما يجرى حاليا.
ووراء الخلافات العربية وحرب القمم، يبدو النفوذ الإقليمي لطهران يعتمد في نهاية المطاف على الشعور المتنامي بإيران كقوة عسكرية ناشئة،وخاصة مع تسارع قدراتها في مجالات التكنولوجيا العسكرية. وقد شهدت الأيام الماضية إطلاق اول قمر صناعي ايراني إلى الفضاء، بالتزامن مع الذكرى السنوية الثلاثين للثورة الإسلامية. وهو مؤشر هام يعكس مدى ما وصلت اليه قدرات إيران من تقدم في تكنولوجيا الصواريخ. ويلى إطلاق القمر الصناعى تطورات أخيرة في برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.
نهايته، الحكومات العربية - كما يقول محللين -أصبحت تدرك أن الشعارات القديمة مثل الصراع العربي الإسرائيلي ومحورية القضية الفلسطينية لم يعد لها معنى. وان هناك الآن قوى حقيقية غير عربية.. قوة نووية طموحة تسعى الى إعادة النظام القديم للقوة في الشرق الأوسط.
التعليقات