استفتاء عام في سويسرا حول العمالة الوافدة
برن: مرّة أخرى يتوجّـه المواطنون السويسريون إلى صناديق الاقتراع للتعبير عن رأيهم على حرية تنقل الأشخاص بين سويسرا والإتحاد الأوروبي، في حين تشير أغلب التوقّـعات إلى أن النتيجة النهائية قد تحسمها حفنة من الأصوات.

ويعود ملف العلاقات مع الاتحاد الأوروبي إلى قلب الجدل السياسي في سويسرا، من خلال تصويت الناخبين، على تجديد الاتفاقية المُـبرمة مع بروكسل حول حرية تنقل الأشخاص وتوسيعها إلى رومانيا وبلغاريا.

وقد سبق للناخبين السويسريين أن عبّـروا عن رأيهم بخصوص هذا الموضوع في مرات سابقة، حيث أيّـدوا الاتفاق في عام 2000 ولم يُـعارضوا توسيعه ليشمل الأعضاء الجُـدد في الاتحاد الأوروبي في عام 2005.

هذه المرة، اتّـسمت الحملة الانتخابية بقدر أكبر من التشدّد، مقارنة بالمرات السابقة، ومن المحتمل أن تكون النتيجة متقاربة جدا، حيث تُـشير الاستطلاعات إلى أن الفارق بين المؤيدين والرافضين، ضئيل جدا.

وكانت الحملة انطلقت مبكِّـرا بالتزامن مع مناقشة البرلمان الفدرالي للمسألة، حيث ردّ اليمين الفِـعل مستنكرا قرار البرلمان (المعاكس لرغبات الحكومة) بضمِّ المسألتين، أي التجديد والتوسيع في مرسوم واحد يُـعرض على تصويت الناخبين.

المرسوم الوحيد.. مثار جدل

حرية تنقل الأشخاص

تعتبر حرية تنقل الأشخاص إحدى المبادئ الأساسية الأربعة، التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي (المبادئ الأخرى هي: حرية تنقل البضائع ورؤوس الأموال والخدمات).

تضمن حرية تنقل الأشخاص - باستثناء بعض التضييقات - الحق في السفر والإقامة والعمل في إحدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وفي سويسرا.

انضمت سويسرا إلى هذا المبدأ بتوقيعها على الحزمة الأولى من الاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي في عام 1999. وفي شهر مايو 2000، وافق 67،2% من الناخبين السويسريين على هذه الاتفاقيات.

في سبتمبر 2005، أيد السويسريون توسيع الاتفاق حول حرية تنقل الأشخاص ليشمل مواطني الدول الأعضاء العشرة الجدد، الذين التحقوا بالاتحاد الأوروبي يوم 1 مايو 2004.

وفي البداية، تركّـز الجدل حول هذه النقطة، حيث اعتبر اليمين أن ضمّ المسألتين سيحُـول دون تعبير الناخبين بحرية عن رأيهم بخصوص توسيع مجال تطبيق الاتفاق، ليشمل رومانيا وبلغاريا.

في هذا السياق، تميّـز حزب الشعب السويسري (يمين متشدد)، الذي عبّـر في السابق عن تأييده لحرية تنقل الأشخاص وتردّد في منح تأييده للاستفتاء المعروض على التصويت يوم 8 فبراير، بتركيزه على هذه المسألة، مؤكّـدا أنه لا يعارض في الواقع، إلا توسيع الاتفاق إلى كل من رومانيا وبلغاريا.

على العكس من ذلك، اعتبرت الأغلبية في البرلمان أنه لا يُـمكن الفصل بين المسألتين، لأن الاتحاد الأوروبي لن يقبَـل في جميع الحالات أن تتعرّض دولتين عضوتين فيه إلى تمييز، مقارنة بالدول الأخرى.

الاقتصاد.. والغِـربان

أثناء الحملة الانتخابية، احتلّـت حُـجج أخرى صدارة الاهتمام، فمن جهة، سلّـط المؤيدون لحرية تنقل الأشخاص الضوء بالخصوص على الأهمية الاقتصادية للاتفاقية وعلى الإجراءات المرافقة لها، والرامية إلى تجنُّـب الظواهر السلبية، مثل الإغراق في مجال الأجور.

جبهة الرفض شدّدت في المقابل على مخاطر هجرة محتملة، لا يُـمكن التحكّـم في عواقبها، بالنسبة لنظام التأمينات الاجتماعية السويسرية وأمن البلد. وقد لخّـصت صورة الغِـربان المتكالبين على خريطة سويسرا، التي استُـعملت في الإعلانات الانتخابية للمعارضين، مشاعِـر التهديد التي انتشرت في العديد من الأوساط.

الإعلان الانتخابي، الحامل لصورة الغِـربان، لم يرقَ إلى مستويات الاستفزاز التي بلغها اليمين المتشدد في حملات انتخابية سابقة، لكنه أظهر مرة أخرى قدرة حزب الشعب السويسري على احتلال الساحة على مستوى الصورة، بما يدفع منافسيه إلى ردّ الفعل على استفزازاته.

وفي سياق الحملة الانتخابية، أثيرت أيضا بعض الحُـجج المعارضة لمجمل اتفاقية حرية تنقل الأشخاص، ما يقيم الدليل على أن المشكلة لا تقتصر، بالنسبة للرافضين، على رومانيا وبلغاريا، بل أصبحت تتركّـز على فِـكرة فتح سوق العمل بوجه مواطنين من بلدان أخرى.

بعد التصويت.. ما الذي سيحدُث؟

الإتفاقيات الثنائية

تنظم الإتفاقية الثنائية الأولى والثانية العلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي في العديد من القطاعات. الاتحاد الأوروبي هو الشريك الأهم لسويسرا، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي. في عام 1992، رفض السويسريون الانضمام إلى المجال الاقتصادي الأوروبي، وعلى إثر ذلك، تم اختيار مسار الاتفاقيات الثنائية لوضع أسُـس قانونية وعملية واضحة للعلاقات مع الاتحاد الأوروبي. تجدر الإشارة إلى أن انضمام سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي ليس أمرا متوقعا في المستقبل القريب.

النتائج الناجمة عن احتمال تصويت الأغلبية بالرفض للمرسوم المعروض على الناخبين، كانت من المسائل التي أثارت الكثير من النقاش. فبالنسبة للمؤيدين لحرية تنقل الأشخاص، فمن الواضح أن صدور رفض عن صناديق الاقتراع، لن يضع حدّا للاتفاقية فحسب، بل سيُـطلق على الفور مادّة quot;المقصلةquot;، ما يعني انهيارا شاملا لمُـجمل الحزمة الأولى من الاتفاقيات الثنائية بين برن وبروكسل.

على العكس من ذلك، تؤكّـد جبهة الرافضين أن مادة quot;المقصلةquot; لن تـُطبّـق إلا إذا ما اتّـخذ أحد الشركاء قرارا لا لُـبس فيه بإلغاء الاتفاق، ونظرا لأنه لا توجد مصلحة لأي من الشريكين في حدوث هذا، سيظل المجال متاحا ndash; دائما حسب المؤيدين للتصويت بـ quot;لاquot; ndash; لإعادة التفاوض حول توسيع حرية تنقل الأشخاص إلى رومانيا وبلغاريا.

ويستند هذا التبرير على أنه، طِـبقا لنصّ الاتفاق، فإن المادة quot;المقصلةquot;، تدخل حيِّـز التطبيق بعد ستة أشهر من الإعلام بعدم تجديد الاتفاق. وفي هذه الحالة، يجب أن يتمّ الإعلام، quot;قبل نهاية الفترة الأولىquot; للاتفاق، وهو ما يعني قبل نهاية شهر مايو 2009. وإذا ما لم يحدُث شيء من هذا القبيل، فإن الاتفاق سيُـجدد تِـلقائيا.

مع ذلك، من المُـستبعد جدا أن تتجاهل الحكومة الفدرالية النتيجة، التي ستُـفرزها صناديق الاقتراع وتُـمسِـك عن إبلاغها إلى بروكسل. من جهة أخرى، سيفتح التصويت بـ quot;لاquot; على المستوى السياسي مرحلة تتّـسم بالشكّ في العلاقات بين سويسرا والاتحاد الأوروبي.