واشنطن: ركز أول خطاب للرئيس الأميركي، باراك أوباما، يوم الثلاثاء الماضي ـ الرابع والعشرون من فبراير الجاري ـ أمام جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ، على خطته الاقتصادية لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية وإنعاش الاقتصاد وتوفير فرص العمل وإصلاح التعليم وبرنامج الرعاية الصحية. وفي اقتضاب شديد أشار الرئيس الأميركي في نهاية خطابه إلى السياسة الخارجية الأميركية والموقف حيال العراق وأفغانستان والسجون الأميركية. وجاء الرد الجمهوري الرسمي على لسان حاكم ولاية لويزيانا بوبى غيندال Bobby Jindal والذي انتقد فيه بشدة سياسات الديمقراطيين للتعامل مع الأزمة الاقتصادية القائمة على زيادة الإنفاق الحكومي.

الخطة الاقتصادية لإدارة أوباما

استحوذت القضايا الاقتصادية على نصيب الأسد من خطاب أوباما. فبكلمات تجمع بين التفاؤل، الذي اتسمت به حملة أوباما الانتخابية، وبين مقاربة واقعية للأزمة الحالية التي تشهدها الولايات المتحدة والعالم بأثره، تعهد أوباما بإنعاش الاقتصاد الأميركي وتخطي الأزمة، وأن الولايات المتحدة سوف تعود أقوى من ذي قبل.

وعن أسباب الأزمة الاقتصادية، يرى أوباما أنها لم تأتِ نتيجة لانهيار سوق العقارات فحسب، وإنما نتيجة استيراد مزيدٍ من النفط من الخارج (الإدمان الأميركي لنفط الخارج)، وتأجيل العمل على إصلاح نظام الرعاية الصحية، وترك المؤسسات التعليمية دون إصلاح لتأهيل الطلاب لمتطلبات سوق العمل مما أدى إلى تراكم الديون. وأرجع أوباما الأزمة الحالية إلى العهد السابق والذي اتسم بمحاولات البعض الحصول على مكاسب سريعة قصيرة الأجل على حساب تحقيق الازدهار طويل الأجل، وتحويل الفائض في الميزانية للأثرياء بدلاً من استثمارها، وانتهاك النظم اللوائح من أجل تحقيق مكاسب سريعة مما أدى إلى التأثير سلبًا على السوق، وقيام أفراد بشراء منازل هم على يقين من عدم قدرتهم على سداد قروضها للمصارف والتي رغم ذلك روجت وقدمت تلك القروض الهالكة. غير أنه لم يلقِ باللوم صراحة على الإدارة الأميركية السابقة وسياسات الرئيس السابق جورج بوش. وأكد أن إدارته قد ورثت quot;عجزًا بقيمة تريليون دولار، أزمة مالية وكساد اقتصادي عالي التكلفةquot;.

وفي خطابه أوضح أوباما تفاصيل أجندته الاقتصادية والتي لا تهدف فقط لإنعاش الاقتصاد، حسب قوله، وإنما تهدف إلى quot; بناء أسس جديدة لتحقيق الرخاء الدائمquot;. وهي أجندة تبدأ، كما جاء في خطابه، بتوفير فرص العمل. وأكد أن خطته سوف تعمل على توفير والحفاظ على 3.5 مليون فرصة عمل خلال العامين القادمين، منهم 90% داخل القطاع الخاص. وقد عهد إلى نائبه جوزيف بايدن Joseph Bidden بالإشراف والرقابة على تنفيذ خطته معللاً ذلك بأن quot;لا أحد يجرؤ أن يعبث مع جوزيفquot;. كما أعلن إنشاء موقع إلكتروني خاص بخطة الإنقاذ حتى يتمكن كل مواطن أميركي من متابعة الخطة وكيفية صرف مخصصاتها المالية.

وقال أوباما في خطابه: إن خطة الإنقاذ التي أقرها الكونغرس لا تمثل الحل الوحيد للأزمة، وأنه يتعين إنعاش الإقراض والذي يعتمد عليه الاقتصاد الأميركي حتى لا يدخل في دائرة مفرغة تؤدى بالتبعية إلى مزيد من تقليص العمالة. وأعلن أوباما عن قيام إدارته بوضع خطة جديدة لمساعدة الأسر التي تعثرت في دفع أقساط منازلها. وقد قوبل أوباما بعاصفة من التصفيق داخل الكونغرس عندما أعلن أنه سوف يتم محاسبة المصارف على المساعدات التي تتلقاها ومراقبة صرف أموال دافعي الضرائب، وأن المديرين التنفيذيين لتلك المصارف لن يتمكنوا من استخدام أموال دافعي الضرائب للتنقل بطائرات خاصة مؤكدًا أن هذه الأيام قد ولت.

وصرح أوباما أنه خلال الأيام القادمة سوف يتقدم بميزانية للكونغرس تعد، في رأيه، مخططًا لمستقبل الولايات المتحدة؛ فخطتا الإنعاش والاستقرار المالي تمثلان فقط خطوات على المدى القصير، ولكن لاستعادة قوة الاقتصاد الأميركي لابد من القيام باستثمارات طويلة الأجل تفضي إلى خلق مزيدٍ من فرص العمل وتأسيس صناعات جديدة وتجديد القدرة على التنافس مع كافة دول العالم، وأن الطريقة الوحيدة لضمان تحقيق ذلك تكمن في التصدي للاعتماد المتزايد على النفط واستخدام مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة وإصلاح التعليم والرعاية الصحية. وأعلن بصورة جلية أن خطته لا تهدف إلى حل جميع المشكلات وإنما إلى محاولة التصدي لما ورثته الإدارة من عجز ضخم وأزمة مالية وكساد اقتصادي.

ترتكز خطة أوباما إذن على ثلاثة مكونات رئيسة هي: مصادر الطاقة، والرعاية الصحية والتعليم. ففي مجال الطاقة أعلن أوباما أن خطته سوف تؤدى لزيادة عرض مصادر الطاقة المتجددة إلى الضعف خلال الأعوام الثلاثة القادمة. ودعا أوباما الكونغرس أن يحيل إليه تشريعًا ينص بفرض سقفا للتلوث الناتج عن الكربون، ويكون حافزًا لتوليد كميات أكبر من الطاقة المتجددة في أميركا بهدف إنقاذ البيئة والتخفيف من مخاطر تغير المناخ.

وفي إطار الرعاية الصحية أعلن الرئيس الأميركي أن إصلاح برنامج الرعاية الصحية لا يمكن أن ينتظر أكثر من ذلك؛ قائلاً تضاعفت أقساطها بزيادة أربعة أضعاف عن معدلات المرتبات خلال السنوات الثماني السابقة في كل عام منها فقد ما يقرب من المليون أميركي تأميناتهم الصحية. وأعلن عن بداية العمل لوضع أسس برنامجه الجديد الأسبوع القادم على أن يتضمن فريق العمل أصحاب الأعمال والعاملين والأطباء ومقدمي خدمات الرعاية الصحية من الديمقراطيين والجمهوريين. أما بالنسبة للتعليم فقد تعهد الرئيس أوباما بتوفير التعليم الكامل لكل طفل أميركي من ولادته وإلى أن يبدأ حياته العملية. ودعا كل أميركي بالانتظام سنة واحدة على الأقل في مرحلة التعليم العالي أو الحصول على تدريب مهني.

وتتضمن أيضًا الميزانية الجديدة التي أعلنها الرئيس الأميركي في خطابه تخفيضات ضريبية كبيرة لما يقرب من 95% من الأسر العاملة، بينما تنهي التخفيضات الضريبية للأثرياء الذين يشكلون 2% فقط من الأميركيين.

إشارات مقتضبة للسياسة الخارجية

في نهاية خطابه أشار أوباما باختصار شديد إلى أجندته فيما يتعلق بالحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. وقال: إن الولايات المتحدة عاشت سبع سنوات من الحروب وأن هذا الوضع أثقل الميزانية الأميركية وأن الميزانية الجديدة سوف تتضمن مراجعة تكاليف الحرب في العراق وأفغانستان.

وأكد عزمه على وضع خطة للعراق قريبًا تعيد العراق لمواطنيه وتنهي الحرب الدائرة هناك. كما أعلن أنه سوف يعمل مع حلفاء الولايات المتحدة لصياغة استراتيجية شاملة للتعامل مع أفغانستان وباكستان للتصدي لخطر القاعدة والقضاء على التطرف.

وأضاف أوباما أن التغلب على التطرف والإرهاب يجب أن يواكبه الحرص على التمسك بالقيم الأميركية التي تدافع عنها القوات الأميركية ولهذا السبب أكد أوباما أنه أمر بإغلاق معتقل جوانتانامو والعمل على تحقيق العدالة للإرهابيين المعتقلين داخله. و أعلن أوباما عن بداية عهد جديد من المشاركة قائم على الإدراك أن الولايات المتحدة وحدها غير قادرة على مواجهة تحديات العصر مثلما يعجز العالم عن مواجهتها بدون الولايات المتحدة وأعلن أنه لن يتجنب الجلوس إلى طاولة المفاوضات. وأشار إلى أمله في تحقيق سلام دائم بين إسرائيل وبقية دول المنطقة ولتحقيق ذلك قام بتعيين مبعوثٍ لهذا الغرض لمساندته. وقال: إنه في إطار التصدي لقضايا الإرهاب والانتشار النووي وانتشار الأوبئة والفقر فإنه سوف يعمل على تعزيز تحالفات الولايات المتحدة القديمة والعمل على إيجاد تحالفات جديدة.

انتقاد جمهوري لخطاب أوباما

ألقى بوبى غيندال Bobby Jindal محافظ ولاية لويزيانا الرد الرسمي الجمهوري على خطاب الرئيس أوباما. ويُعد غيندال من الوجوه الشابة والصاعدة داخل الحزب الجمهوري وقد ولد في الولايات المتحدة الأميركية لأب وأم هنديين. وقد تم انتخابه لمنصب حاكم الولاية عام 2007.

جاء رد غيندال على خطاب الرئيس معارضًا لسياسات الديمقراطيين القائمة على زيادة حجم الحكومة وتدخلها بصورة مباشرة في كافة النشاطات وزيادة الإنفاق الحكومي. وتحدث عن مميزات الحكومات الصغيرة quot;Small Governmentquot; التي يقل تدخلها وينخفض إنفاقها في مجالات التعليم والصحة وغيرها من الخدمات. وأكد أن التصدي للمشكلات والأزمات الحالية لن يتأتى من خلال quot;زيادة الضرائب أو وضع مزيدٍ من المال والصلاحيات في أيدي الساسة وصناع القرار في واشنطن وإنما من خلال تمكين الشعب الأميركيquot;. لهذا السبب وضع الجمهوريون، كما جاء في خطابه، خططًا لزيادة فرص العمل عن طريق تخفيض الضرائب عن الأسر العاملة وأصحاب المشروعات الصغيرة بما يخلق حافزًا للاستثمار وتوفير فرص عمل أكثر.

وانتقد الديمقراطيين لرفضهم هذه المخططات وقيامهم بالموافقة على أكبر مخطط للإنفاق الحكومي في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية بما يعني في رأيه أنهم لا يثقون في المواطنين لاتخاذ قرارات صائبة وحكيمة في استخدام أموالهم ولذلك فإنهم (أي الديمقراطيون) يحددون وجهة إنفاقها بالنيابة عن مواطنيهم. كما انتقد بعض مخصصات الإنفاق الحكومي والتي تتضمن، حسب ما جاء في خطابه، 300 مليون دولار لشراء سيارات جديدة للحكومة.

وانتقد غيندال أيضًا تشريعات الديمقراطيين والتي يدعون، في رأيه، أنها تحقق النمو الاقتصادي، وأكد أنها على عكس ذلك سوف تزيد من حجم الحكومة وتزيد الضرائب وتقيد الأجيال القادمة بالديون. وصف تلك السياسيات بأنها غير مسؤولة. وأوضح أن الجمهوريين أيضًا يؤمنون بأن لكل مواطن الحق في الحصول على رعاية صحية وكذلك بتوفير التعليم بجميع مراحله لكل طفل أميركي, ولكن الاختلاف هو حول سبل تحقيق تلك الأهداف؛ حيث يرفض الجمهوريون قيام الحكومة بإدارة برنامج الرعاية الصحية لأن القرارات الخاصة بالرعاية الصحية يجب أن يتخذها الأطباء وليس السياسيون والبيروقراطيون. وأعلن أن واشنطن بحاجة إلى مزيد من الشفافية والقضاء على الفساد حتى لا يتم إصدار خطة بإنفاق مالي ضخم لم يتم قراءته داخل الكونغرس ولا يعرف تفاصيلها المواطن الأميركي.

وفي نهاية خطابه أكد غيندال أن الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين هو بالأساس خلاف حول الدور المناسب للحكومة وحجمها، حيث يرفض الجمهوريون النهج الديمقراطي القائم على الاعتماد الزائد على الحكومة والإنفاق الضخم في مجالات الرعاية الصحية والتعليم وغيرها بينما يسعى الجمهوريون إلى خفض الإنفاق الحكومي وإعطاء مزيد من السلطات والصلاحيات للأفراد والمشروعات الصغيرة لتحقيق النمو الاقتصادي وخلق مزيدٍ من فرص العمل.