لنزع فتيل الخلافات وتصفية الأجواء قبيل قمة قطر
الأسد ومبارك والصباح إلى الرياض للمصالحة بين الممانعة والإعتدال
وفي حين اكتفى البيان الرسمي السوري بالإشارة إلى الزيارة دون التطرق إلى جدول الأعمال، قالت التقارير السعودية إن الاجتماع سيبحث في quot;العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات بالإضافة للقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشتركquot;.
وبالتزامن مع هذه التطورات، كانت العاصمة السورية تشهد حراكًا سياسيًا واضحًا من قبل دول مقربة من الرياض، حيث اجتمع رئيس الديوان الملكي الأردني ناصر اللوزي، ووزير الخارجية، ناصر جودة، إلى الرئيس الأسد، ونقلا إليه رسالة من العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني. وبحسب وكالة الأنباء السورية، فإن الرسالة تتعلق بـquot;تطورات الأحداث الراهنة على الساحة العربية في ضوء السعي لتحقيق المصالحة العربيةquot;.
وفي الإطار عينه، زار دمشق الثلاثاء أيضاً الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الذي بحث مع الأسد quot;الأجواء العربية قبل انعقاد القمة العربية المقبلة في الدوحة وأهمية التشاور والتنسيق بين الدول العربية.quot; وبحسب الوكالة السورية، فقد أعرب الأسد عن quot;تفاؤله بأجواء المصالحة العربية وعن أمله بنجاح القمة العربيةquot;.
بن صقر: سوريا تدرك وجود تحوّل بالموقف الأميركي حيال إيران
من جهته، رأى الباحث السعودي عبدالعزيز بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، في حديث لموقع CNN بالعربية أن زيارة الأسد تندرج في إطار وجود شعور متزايد لدى الأطراف العربية بأهمية دعوة وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، في اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخيرة بالقاهرة للتعامل مع الملف الإيراني. وقال بن صقر إن الفيصل شدد على التعاطي مع الملف على صعيد تأثير القدرات النووية الإيرانية على المنطقة وتدخل طهران بالشؤون العربية وملف أمن الخليج، مضيفًا أن سوريا كانت الدولة العربية الوحيدة التي ظلت على علاقات مع إيران بشكل يراه سائر الأطراف على أنه quot;مزعجquot; حتى الفترة الأخيرة.
وشرح الباحث السعودي موقفه قائلاً: quot;سوريا باتت على قناعة بأن على إيران وجوب عدم التدخل في الشؤون العربية، كما أنها تدرك وجود تحول في الموقف الأميركي حيال طهران، ما يتطلب وحدة الموقف العربي في هذه المرحلة، والتأكيد مجددًا على ما اتفق عليه وزراء الخارجية العربquot;.
وعن التحالف الإيراني السوري الذي يراه بعضهم غير قابل للانحلال، قال بن صقر إن ذلك التحالف كان quot;مفهومًاquot; خلال مرحلة الحرب العراقية الإيرانية، لكن العامل الذي بدل المعادلات كان اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، quot;ما خلق ضغوطًا على سوريا أجبرها على تبديل تحالفاتها وتعزيز علاقاتها مع طهران بشكل كاملquot;.
ولفت بن صقر إلى أن دمشق قد تكون بدأت تدرك بأن طهران ربما تعجز عن تقديم كل ما وعدتها به بسبب ظروفها الاقتصادية وأوضاعها الداخلية، مضيفًا أن أميركا اختارت التفاوض مع إيران على أساس أن ذلك سيضغط على سوريا في ملفات المنطقة، ما دفع دمشق لإستباق ذلك بالانفتاح على العواصم العربية بعدما استشعرت هذا الخطر.
وأضاف أن الموقف العربي داعم لسوريا بالنسبة إلى مفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل عبر الوسيط التركي، كما أن نقاط الخلاف بينها وبين العديد من العواصم العربية تقتصر على قضية اغتيال الحريري والمحكمة الدولية التي انبثقت للبت بالقضية، في حين أن دمشق تدرك بأن الاتفاق الإيراني الأميركي، إن حصل، سيكون على حساب الجانب العربي، وتحديدًا سوريا.
وبالنسبة إلى قضية محكمة الحريري، رأي بن صقر أن أمامها الكثير من الوقت قبل أن تخرج بنتائج، كما أن التطورات قد توفر لها مخرجا على غرار المخرج الليبي بقصية لوكربي.
وشدد الباحث السعودي على أهمية وجود الأسد مع مبارك في الرياض، واصفاً الأمر بأنه quot;خطوة مطلوبة وواجبةquot; باعتبار أن سوريا ومصر والسعودية تشكل quot;محاور القوة العربية،quot; وعودة التنسيق بينها سيجعل الموقف العربي أكثر قوة.
دعوة الفيصل للأسد
وتأتي زيارة الأسد للرياض بعد قيام وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، بنقل دعوة رسمية له للقاء العاهل السعودي في الرابع من الشهر الجاري، بعد سنوات من الفتور في العلاقات بين الجانبين، وصل إلى حد الخلاف العلني.
وكانت العلاقات العربية - العربية، وخاصة السورية السعودية، شهدت تحقيق اختراق مؤخراً على خط الخلاف المستحكم منذ 2006، بعد المصالحة التي تمت بالكويت في يناير/كانون الثاني الماضي، بين الأسد والعاهل السعودي، والرئيس المصري حسني مبارك، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، على هامش القمة الاقتصادية التي عقدت بالكويت.
وفي أواخر فبراير/شباط الماضي، قام وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، بزيارة قصيرة إلى العاصمة السعودية الرياض، قام خلالها بتسليم رسالة للعاهل السعودي من الرئيس السوري. وبدأت الجهود الرامية لرأب الصدع بالزيارة التي قام بها الأمير مقرن بن عبد العزيز، رئيس الاستخبارات السعودية، لسوريا في 15 فبراير/ شباط الماضي، حيث قالت مصادر سورية إنه حمل رسالة شددت على quot;أهمية التنسيق والتشاور بين الجانبين، لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين والشعوب العربية.quot;
وسبق وصول الأمير السعودي إلى دمشق تسرب أنباء عن وسائل إعلام مقربة من الرياض، تشير إلى زيارة وفد أمني سوري رفيع المستوى إلى الرياض، دون أن تتضح طبيعة الزيارة وأهدافها.
يُشار إلى أن السعودية كانت ترتبط بعلاقات جيدة مع سوريا في حقبة الرئيس الراحل حافظ الأسد، غير أن الأمور بدأت بالتبدل مع وصول نجله بشار للسلطة، خاصة بعد أن أخذ الأخير مواقف متشددة حيال قوى تدعمها الرياض في لبنان، خلال الفترة التي كانت قواته في ذلك البلد، إلى جانب تشديد علاقاته مع طهران.
وتصاعد الخلاف بين الطرفين بعد الرابع عشر من فبراير/ شباط 2005، عندما تعرض حليف أساسي للرياض في لبنان، رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري، للاغتيال في بيروت، في عملية وجهت خلالها بعض القوى اللبنانية أصابع الاتهام لدمشق، التي نفت ذلك بشدة.
وظلت الأمور على توترها بين الطرفين، إلى أن بلغ الخلاف ذروته خلال معارك يوليو/ تموز 2006، بين حزب الله وإسرائيل، حيث وجهّت الرياض لوماً شديداً للحزب لتسببه بالمواجهات، مما دفع الأسد بعد انتهاء المعارك إلى إلقاء خطاب وصف فيه الذين عارضوا ما جرى بأنهم quot;أشباه رجالquot;، الأمر الذي مثل ذروة النزاع بين الطرفين. وبحسب خبراء فإن الرياض ترغب في أن ترى تبدلاً بالموقف السوري حيال التحالف الاستراتيجي مع إيران، والوضع في لبنان والعراق والساحة الفلسطينية.
المصالحة لا تعني وجود خلافات
ورفضت مصادر رسمية مصرية توقع نتائج لقمة اليوم، وقالت لصحيفة laquo;الحياةraquo; ان laquo;المصالحة تعني أن حال خصام وخلافات كانت سائدة، وتحقيق التوافق وحل الخلافات والوصول الى اتفاقات أمر لا يناقش في وسائل الإعلامraquo;. لكن مصادر عربية أكدت أن الموقف المصري - السعودي يقوم على laquo;ضرورة التوصل الى اتفاقات في السياسات العربية تجاه الملفات المعقدة والمعضلات التي تواجه النظام العربي حتى لا تتحول المصالحة الى أمر شكلي تتفجر بعده الخلافات عند أول محكraquo;. واشارت المصادر الى أن القاهرة والرياض لاحظتا خلال الفترة الماضية تجاوباً كبيراً من جانب دمشق في اتجاه إنهاء الخلافات بشكل نهائي مع العاصمتين، وأن مصر والسعودية تجاوبتا مع الموقف السوري.
وكان خادم الحرمين تلقى اول من امس رسالة من مبارك نقلها وزير الخارجية أحمد أبو الغيط ورئيس المخابرات عمر سليمان، بعد زيارة غير معلنة الى القاهرة قام بها وزير الخارجية السعودي. وامس تلقى الملك عبدالله اتصالا هاتفيا من رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون تم خلاله بحث العلاقات الثنائية والمواضيع ذات الاهتمام المشترك. وفي دمشق، اعرب الاسد امس عن laquo;التفاؤل بأجواء المصالحة العربيةraquo;، مشدداً على أهمية laquo;الوقوف على مسافة واحدة من جميع الفلسطينيين وحثهم على توطيد المصالحة لتعزيز موقفهم على الساحة الدوليةraquo;.
وجاء كلام الرئيس السوري لدى استقباله كلاً من وزير خارجية الامارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان ورئيس الديوان الملكي الاردني ناصر اللوزي. وافادت laquo;الوكالة السورية للانباءraquo; (سانا) بأن الاسد سيتوجه اليوم الى الرياض laquo;للقاء اخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيزraquo;. وتأتي زيارة الرئيس الاسد الى الرياض، وهي الاولى منذ مشاركته في القمة العربية بداية 2007، بعد تسلمه دعوة رسمية من الملك عبدالله الاسبوع الماضي نقلها وزير الخارجية الامير سعود الفيصل عقب زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى السعودية في وقت سابق.
وافاد ناطق رئاسي سوري ان الاسد استقبل امس الشيخ عبدالله بحضور الوزير المعلم والمستشارة السياسية والاعلامية في رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان، واوضح ان الحديث تناول laquo;التطورات والاجواء العربية قبل انعقاد قمة الدوحة واهمية التشاور والتنسيق بين الدول العربية بشأن مختلف المواضيع وخصوصاً الموضوع الفلسطيني للوصول الى مصالحة فلسطينية - فلسطينية يسودها الوفاق والوئام بين جميع الاطرافraquo;. ونقل عن الاسد إعرابه عن laquo;التفاؤل بأجواء المصالحة العربية وعن امله بنجاح القمةraquo; في الدوحة. كذلك تلقى الاسد رسالة شفوية من العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني laquo;تتعلق بالمستجدات في المنطقة وتطور العلاقات الثنائية على جميع الصعد لما فيه مصلحة شعبي البلدينraquo;. ونقل اللوزي الى الرئيس السوري laquo;دعوة لزيارة الاردن وعد الاسد بتلبيتها في اقرب فرصة ممكنةraquo;.
وافاد الناطق ان اللقاء الذي حضره وزير الخارجية الاردني ناصر الجودة والمعلم وشعبان، تناول laquo;الاوضاع على الساحة العربية في ظل الاجواء الايجابية السائدة مع اقتراب موعد انعقاد القمة المقبلة في الدوحة والاوضاع على الساحة الفلسطينية وسبل تعزيز المصالحة الفلسطينيةraquo;. ونقل عن الاسد تأكيده laquo;ضرورة الاستمرار في دعم الشعب الفلسطيني والوقوف على مسافة واحدة من جميع الفلسطينيين وحثهم على توطيد المصالحة لتعزيز موقفهم على الساحة الدولية. كما شدد على اهمية الارتقاء بالعلاقات العربية - العربية والاتفاق على التفاصيل والمصطلحات والاعداد الجيد لقمة الدوحة لتوحيد الموقف العربي الذى يحمي مصالح العرب وحقوقهمraquo;.
من جهته قال المتحدث باسم وزارة الخارجية السعودية أسامة النقلي إن quot;غياب الاستقرار وحمام الدم الذي جرى في غزة مجرد عينات عما يمكن أن تبلغه الأمور إذا لم نتحرك بشكل عاجل لحل المشكلةquot;. وذكر أن المملكة quot;كررت في مناسبات كثيرة أن المصدر الأساسي للمشاكل في المنطقة هو الصراع العربي الإسرائيليquot;. وأضاف أن التقارب السعودي السوري quot;لا يجب أن يشكل مفاجأةquot;.
وأوضحت مصادر دبلوماسية لصحيفة quot;الوطنquot;، أن الاجتماع الذي سيستمر يومين سيناقش أهم موضوعات أبرزها ملف الصراع العربي - الإسرائيلي وعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط والعلاقات العربية ـ العربية إلى جانب الملف الإيراني. وأشارت المصادر إلى أن quot;المندوبين الدائمين سيستمعون إلى تقرير من الأمين العام للجامعة العربية حول نتائج الاتصالات التي أجراها خلال الفترة الماضية مع قادة الدول العربية بهدف تنقية الأجواء وتسوية الخلافات العربية ـ العربية وتفعيل العمل العربي المشترك.
كما اشارت مصادر دبلوماسية في الرياض لصحيفة quot;النهارquot;،الى ان الزعماء الثلاثة سيعقدون قمة مصغرة لمناقشة quot;الموقف العربي - العربي خلال القمة العربية المقبلةquot;.وأوضحت المصادر الدبلوماسية ان القمة الثلاثية ستعمل على اعادة المحور السعودي - المصري - السوري الى الواجهة بعد غياب سنوات، وانها ستقتصر على الدول الثلاث.
التعليقات