طلال سلامة من روما: لا يستطيع المراقبون التوقف أمام الاتفاقية التي أبرمها برلسكوني مع الرئيس الفرنسي ساركوزي من دون تحليل أبعادها الاستراتيجية. تتعلق هذه الاتفاقية باعتناق ايطاليا للطاقة النووية وكلما اشتدت لهجة التيارات اليسارية المعارضة لهذا الاتفاقية كلما لاحت، من وراء المرآة، الصفوف الأولى لما تعطيه هذه الاتفاقية من إمكانات جبارة من شأنها تسريع إصلاح القواعد الأوروبية. علاوة على الملف النووي، الذي يرحب برلسكوني بفرضه على التيارات السياسية المعارضة، يرى المراقبون اندماجاً عسكرياً بين فرنسا وإيطاليا.

بمعنى آخر، لا تقتصر الاتفاقية الإيطالية الفرنسية على بناء أربع محطات لتوليد الطاقة النووية بإيطاليا بمساعدة الفرنسيين إنما تعزز هذه الاتفاقية سوية مع أخرى، تتعلق بشراكة هامة بين شركة quot;كايquot; الوطنية للنقل الجوية وشركة quot;آر فرانسquot;، احتمال دمج القوات العسكرية، الإيطالية والفرنسية، في مهمات بالخارج!

بغض النظر عن هيمنة الوسط اليميني على ايطاليا وفرنسا معاً، فان العلاقة الشخصية التي تجمع برلسكوني وساركوزي تحت سقف واحد مخلصة وعميقة. كما أن محور التفاهم القائم بينهما يعكس مصالح اقتصادية ورغبة سياسية في تعديل الاستراتيجيات الأوروبية التي تنتمي، بالنسبة لهما، الى quot;القرون الوسطىquot;. من جانب آخر، باشر المحللون ملاحظة تنافس خفي بين ألمانيا وفرنسا لفرض ثقلهما على الساحة السياسية الدولية. كما أن حكومتي روما وباريس تراهنان بقوة على دور الوساطة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية.

ما تزال أبعاد عودة النووي الى ايطاليا مجهولة بيد أن الأنسجة التشريعية الوطنية تعتقد أن البنى التحتية القانونية الإيطالية سيتم تعديلها بسرعة كي تعتنق النموذج الفرنسي النووي. هكذا، سيعمل برلسكوني سوية مع أنجلينو ألفانو، وزير العدل، على القفز فوق الآليات البرلمانية البطيئة، من جهة، واختراق المعارضة اليسارية التي تعارض هذه الاتفاقية النووية الثنائية، مهما كان الثمن، من جهة أخرى! في أي حال، يستعد برلسكوني لاستقطاب الرأي العام نحو مشروعه. فالجنون الأيديولوجي اليساري، في ستينات القرن الماضي، حال دون نجاح روما في إكمال بناء محطتين لتوليد الطاقة النووية. علماً أن الفرنسيين يدفعون نصف ما يدفعه الإيطاليون من فواتير طاقوية. وإذن، فان الادخار، بنظر برلسكوني، واجب وطني لا سيما في ظل الأزمة المالية!

بالطبع، فان برلسكوني على دراية بأكثر من فيتو ستستخدمه ضده نقابات العمال وبعض الأقاليم المصطفة مع تيار المعارضة. لكن مصلحة الوطن تأتي قبل كل شيء وحتى لو كان الملف النووي ساماً فان على الجميع شرب معلقة منه دفاعاً عن حكومة روما وطموحاتها.