طلال سلامة من روما: في تصريح خاص لصحيفة quot;ايلافquot; يشير quot;فابريتسيو شيكيتوquot;، رئيس النواب المنتمين الى حزب الحرية الحاكم، الى أن أول نصر ينبغي على هذا الحزب، الذي وُلد رسمياً في نهاية الشهر الماضي، تحقيقه لا بد أن يكون في تجاوز عقدة النقص الثقافية إزاء اليسار الإيطالي. ويعتقد رئيس نواب حزب برلسكوني أن اليسار تكبد هزيمة شنيعة نتيجة تفكك هيمنته، قطعة قطعة، أثناء معركة ثقافية تاريخية خرج برلسكوني منها فائزاً. واليكم نص الحوار الذي أجراه معه طلال سلامة من روما:

يتم اتهام حزبكم دورياً بغياب انتباه مسؤوليه تجاه المثقفين مما يسبب لديكم نقصاً في دراسة ثقافة البلاد التاريخية. ما هو تعليقكم؟
لو نظرنا قليلاً الى الواقع لوجدنا أن أبرز المثقفين الإيطاليين، في السنوات الثلاثين الأخيرة، لم يتعاطفوا مع اليسار الإيطالي. كما أنه غير صحيح ما يُقال حول ابتعاد برلسكوني عنهم. فهو على احتكاك دائم معهم.

ما هي صلة برلسكوني بهم؟
هناك صداقة قديمة تجمعه معهم. ان نظرة برلسكوني الى الفاشية تقترب كثيراً من نظرة الطبقة البرجوازية هنا. وهي نظرة علمانية لا تتعاطف مع الفاشيين ولا تسامحهم على أخطائهم وجرائمهم. في الوقت نفسه، ينظر برلسكوني بارتياب الى جميع التيارات المضادة للفاشية. ولا يخلو حزب برلسكوني من علماء درسوا الماركسية جيداً. لذلك فانهم قادرين على التقاط رسائل اليسار الإيطالي بسهولة قبل فك شفراتها وتجسيدها بوضوح أمام برلسكوني بهدف تحليلها والقيام بحقنها بالترياق السياسي المناسب.

سبق لصحيفة quot;ايلافquot; أن أجرت مقابلة مع الكاتب الإيطالي quot;بيارو ميلوغرانيquot; الذي يتهم برلسكوني بعدم المبالاة حيال المثقفين والثقافة. ما هو رأيكم؟
أنا أعتقد أن برلسكوني عزز القيم الثقافية التي ابتكرها كبار المثقفين هنا بمساعدة نفوذه الإعلامي والتلفزيوني. بين عامي 1992 و1994، تكبدت الآلية القضائية هزيمة عندما شنت هجوماً لا سابق له على البنى الثقافية والاعلامية بإيطاليا. كما تكبدت هزيمة أخرى عندما حاربت السياسة. ان الرأي العام الحالي حول القضاء الإيطالي يختلف تماماً عن النظرة إليه قبل 15 عاماً. لقد نجحنا أمام الإيطاليين في كشف النقاب عن التسوس الحاصل في العقيدة الشيوعية والترجمة الشاذة لتاريخ البلاد الذي يتبناه اليسار الإيطالي بهدف التضليل والثأر.

بماذا تقتضي هذه الترجمة اليسارية لتاريخ ايطاليا؟
لقد نجح برلسكوني في تفكيك التحالف الذي بنته شخصيتين مشهورتين هما غرامشي وتولياتي. ان استراتيجية غرامشي اقتضت بشراء quot;الأدمغةquot; مهما كان الثمن. في حين تمحورت استراتيجية تولياتي حول تعميم المنهج الديكتاتوري الإجرامي السوفيتي. علاوة على ذلك، تمكن برلسكوني من الإطاحة بأسطورة استقلالية الحزب الشيوعي الإيطالي. في الحقيقة كانت هذه الأسطورة سجناً بناه ستالين. أما التيارات السياسية التي اشتقت من رفات الحزب الشيوعي، التي قامت على الأثر بالتشهير بالحزب الديموقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي(متهمة إياهما بتنفيذ عمليات سرقة ضخمة) من جهة والترويج السياسي للطبقة العمالية والمحور القضائي من جهة أخرى، فإنها اليوم تتخبط بمعارك مصيرية للبقاء على قيد الحياة!

لكن برلسكوني خرج من هذه المعارك منتصراً نتيجة التشامخ والأعلوية الواضحة للوسائل المتوفرة لديه.
لقد فاز برلسكوني لأن معاركه تركزت على قراءة الكتب، أولاً!

ما هي هذه الكتب؟
إنها كتب تتحدث عن تاريخ ايطاليا ومنجزات علمائها. وهي نفس الكتب التي يطلع عليها زعماء اليسار. ان برلسكوني يدرس كتباً مشتركة مع اليسار وهذا ما لا يتوفر إلا مع زعماء سياسيين عباقرة.

ما هي شخصية برلسكوني اليوم؟
إنها شخصية تتمتع بقوة مالية وإعلامية كبيرة مما يجعلها قادرة على مواجهة جيوش نقابات العمال وبعض المصارف الكبيرة وبعض المجموعات الصناعية الكبيرة وجميع المحاكم ذات الصلاحيات غير المحدودة.

في عام 1994، قامت محطات برلسكوني التلفزيونية بمؤازرة محكمة ميلانو(التي تلاحقه اليوم). انه أمر غريب.
لو عرض برلسكوني نفسه أمام الناخبين كرجل سياسي يريد إنقاذ ما تبقى من أحزاب انهارت من جراء قضايا الفساد التي جذبتها الى قاع الدمار لكان فشل على الأثر في الدخول الى عالم السياسة. بيد أن ذكاء برلسكوني، الذي حضه على تأسيس كيان سياسي جديد، كان مصيرياً لنجاحه. فالأحزاب القديمة ماتت إنما بقيت ثقافاتها السياسية حية. من هناك، باشر برلسكوني لم الشمل إليه من شخصيات كاثوليكية واشتراكية وليبرالية.

إذن، لا يبقى لليسار شيئاً؟
على اليسار تنظيم ثقافتهم التي تم تلزيمها الى أسوأ طبقة لديهم، تريد لعب دور quot;الجلادquot;. تترعرع هذه الطبقة داخل الجامعات والمسارح وترسل رسائلها أحياناً عبر بعض الأفلام السينمائية.

ما هي العلاقة التي تجمع برلسكوني برئيس البرلمان الإيطالي quot;جان فرانكو فينيquot;؟
تمر هذه العلاقة بمستويين مختلفين. لذلك، فإنها أفضل من الماضي. ان ردود فعل كاريزما برلسكوني لا يمكن التنبؤ بها. أما شخصية فيني فهي متوازنة جداً لكن برلسكوني يبقى القائد الذي لا يُعلى عليه.

ما هو تقويمكم لوزير الاقتصاد جوليو تريمونتي؟
لقد كان بين الأوائل الذين استشعروا بالأزمة المالية ومدى أهمية التدخل الحكومي للجمها. أنا أعتقد أنه من الخطأ أن تقوم الحكومة بتعقيد علاقتها مع مصرف ايطاليا المركزي الذي يلعب دوراً هاماً في المحافظة على النظام الائتماني.

أنتم تتعاونون حالياً مع برلسكوني. كما تعاونتم في الماضي مع بتينو كراكسي. من هو الأفضل بينهما؟
أنا أعتقد أن برلسكوني الأفضل. فكراكسي كان يبحث دوماً عن المواجهات. أما برلسكوني فهدفه الأول اقتطاف رضى الناخبين. أنا لم أر أبداً برلسكوني يسيء معاملة صديق أم متعاون. لكنني لا أستطيع قول نفس الشيء بخصوص كراكسي الذي كان يتمتع بشخصية قوية وعدوانية.