واشنطن: quot;الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تكون عدوًّا للعالم الإسلاميquot;، بهذه الكلمات خاطب الرئيس الأميركي أعضاء البرلمان التركي ومن خلفهم كل شعوب العالم الإسلامي، وقد إعتبر كثير من المحللين خاصة في العالمين العربي والإسلامي هذه الزيارة بمثابة تدشين لمرحلة جديدة من العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الإسلامي، بعد مرحلة يعتبرها كثيرون الأسوأ في تاريخ العلاقات بين الجانبين.
المدقق في فعاليات هذه الزيارة يجد أن الجانب المتعلق برسالة أوباما إلى العالم الإسلامي، هي فقط جزء من مهمة أكبر أراد الرئيس الأميركي إنجازها في تركيا، تدور حول إصلاح مسار العلاقات الأميركية ـ التركية بعد كثيرٍ من العقبات والمشاكل التي واجهتها في فترة حكم الرئيس الأميركي بوش، فضلاً عن الحصول على ضمانات تركية بمساعدة الخطط الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان، بالإضافة إلى دورها في عدد من الملفات الإقليمية الساخنة الأخرى. في هذا الإطار جاءت متابعات الإعلام الأميركي خلال الأسبوع الماضي محاولة الوقوف على جوانب هذه الزيارة، لتقييم مدى إسهاماتها في خدمة الأهداف والمصالح الأميركية.
أوباما وإعادة تركيا إلى بيت الطاعة الأميركي
من جانبه أشار كوري فلينتوف في تقرير بثته شبكة راديو NPR إلى أن كثيرًا من محللي السياسة الخارجية أكدوا على أن الولايات المتحدة الأميركية ما يزال أمامها كثيرٌ لتفعله حتى تتمكن من تحسين علاقاتها بالعالم الإسلامي، ولفت التقرير الانتباه إلى أنه بالرغم من أن البعض اعتبر أن زيارة الرئيس باراك أوباما إلى تركيا خطوة مهمة في طريق تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، إلا أن هذه الزيارة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تؤدي بمفردها هذا المهمة الشاقة، وذلك لعدة عوامل طرحها معد التقرير، أهمها أنه بالرغم من أن تركيا هي دولة ذات أغلبية مسلمة، إلا أنها دولة تُعّرف نفسها على أنها دولة علمانية ديمقراطية، وأضاف التقرير أن كثيرًا من الأتراك سعداء بكون أوباما يوجه رسالته إلى العالم الإسلامي من بلدهم، باعتبار تركيا واحدة من أهم القوى الإسلامية، ولكن في الوقت ذاته فإن عديدًا منهم يرون أنفسهم كعلمانيين، ولذلك يرى التقرير أنه لن يسعدهم كثيرًا أن تكون رؤية أوباما لتركيا باعتبارها مركزًا للعالم الإسلامي.
أما ثاني العوامل التي طرحها التقرير، فهو أن معظم فعاليات الزيارة خصصها أوباما لإصلاح مسار العلاقات الأميركية ـ التركية، التي تدهورت كثيرًا بعد قرار الحكومة التركية إبان بدء العدوان الأميركي على العراق في مارس 2003 برفض هذه الحرب، ومن ثم رفض البرلمان التركي استخدام الأراضي التركية من جانب القوات الأميركية في العمليات ضد العراق، كما عبّرت إدارة بوش الابن عن غضبها الشديدة من العلاقات التركية مع كل من إيران وسوريا، واللتين تعتبرهما واشنطن من أكبر الدول التي تهدد مصالحها في منطقة الشرق الأوسط. ولفت التقرير الانتباه إلى أن هذا السلوك الذي اتبعته الحكومة التركية في ذلك الوقت، كان بسبب رغبتها في إقامة علاقات قوية مع جيرانها في محيطها الإقليمي، خاصة إيران التي تعتبر من أهم الدول بالنسبة لتركيا، حيث تحتل المرتبة الثانية بعد روسيا في تزويدها بالغاز الطبيعي.
وعن الدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا في تسوية الملف النووي الإيراني، أكد التقرير أنه في الوقت الحالي تشجع تركيا الاقتراب الجديد الذي أعلنه الرئيس باراك أوباما في التعامل مع إيران، منذ أن كان مرشحًا للرئاسة، ولكن إذا تحولت الولايات المتحدة ـ كما يقول التقرير ـ إلى سياسة أكثر تشددًا، فإنه من المحتمل أن تخسر الولايات المتحدة الدعم التركي في عدد من الملفات الإقليمية.
فتركيا تقوم بدور الوسيط في عدد من القضايا من أهمها القضية النووية الإيرانية ومفاوضات السلام غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل، كما أنها تعتبر وسيطًَا هامًّا للتعامل مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، ولكن في الوقت ذاته أكد التقرير أن الولايات المتحدة لا تريد انخراطًا كبيرًا من جانب تركيا في قضايا الشرق الأوسط؛ لأن هناك عددًا من المحددات التي يجب أن يوضع الدور التركي في إطارها، بحيث تدركها القيادة التركية كليةً، ولا تسعى بأي حال من الأحوال إلى تجاوزها. فعلى سبيل المثال الدور التركي في الأزمة التي تعرض لها قطاع غزة مؤخرًا، أثناء وبعد الحرب التي شنتها القوات الإسرائيلية على القطاع، حيث ستسمع من الأتراك إلى أنهم قاموا بدورهم على أكمل وجه، والى أي مدى كان دورهم بنَّاءً في إدارة هذه الأزمة، ولكن سوف تجد دولاً أخرى مثل مصر على سبيل المثال تشتكي من هذا الدور، لأن الأتراك لم يقوموا بالدور اللازم والمناسب في مواجهة الأزمة.
وعلى جانب آخر وصف التقرير الدور التركي في العراق بأنه دور إيجابي، خاصة منذ أن أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقوم بعملية انسحاب منظم وفق جدول زمني من العراق، مما دفع الرئيس التركي عبد الله جول في زيارته الأخيرة إلى بغداد إلى التأكيد على أن تركيا سوف تعمل على تطبيع علاقاتها مع العراق، ومساعدته في الانخراط مرة أخرى في المنطقة.
وفي هذا السياق أيضًا أشار التقرير إلى إنه بالرغم من استمرار الغارات التي تقوم بها قوات الجيش التركي ضد حزب العمال الكردستاني، الذي يتخذ من شمال العراق قاعدة للقيام بعمليات ضد الأراضي التركية، فإن الحكومة التركية عملت على تحسين علاقاتها بإقليم كردستان العراق، خاصة عمليات التبادل التجاري.
الأرمن معضلة العلاقة التركية الأميركية
ومن ناحية أخرى أشار التقرير إلى أن الرئيس الأميركي كان شديد الحذر في الحديث عن أكثر ملفات العلاقات التركية ـ الأميركية حساسية، وهو القضية الأرمينية، وهل يمكن اعتبار ما قامت به الإمبراطورية العثمانية في عام 1916 ضد الأرمن بمثابة عمليات تطهير عرقي، حيث يسعى الأميركيون من أصول أرمينية منذ فترة طويلة إلى دفع الكونغرس الأميركي إلى إصدار تشريع يطالب تركيا بالاعتراف بأن ما ارتكبته القوات العثمانية هو بمثابة عملية تطهير جماعي.
وقد كان أوباما حينما كان عضوًا في مجلس الشيوخ مؤيدًا بقوة لهذا الأمر، ولكنه في المؤتمر الصحفي الذي عقده في أنقرة لم يذكر عبارة quot;تطهير عرقيquot;، إلا أنه أكد أن موقفه لم يتغير، وأشار في الوقت ذاته إلى أن الجانبين ـ تركيا وأرمينيا ـ يتفاوضان الآن بقوة من أجل إعادة العلاقات الدبلوماسية فيما بينهما وتسوية هذا الملف.
ماذا كان يريد أوباما بالفعل؟
أما برنامج The Situation Room الذي يقدمه الإعلامي وولف بليتزر على شاشة شبكة CNN الإخبارية، فقد أكد أن زيارة الرئيس باراك أوباما إلى تركيا، وتصريحاته بأن الولايات المتحدة لم تكن ـ ولن تكون ـ أبدًا عدوًّا للعالم الإسلامي في جزء منها تهدف إلى ضمان دعم تركيا وغيرها من دول العالم الإسلامي للجهود الأميركية الهادفة إلى استعادة الاستقرار في أفغانستان، فضلاً عن المساعدة في تنفيذ الخطط الأميركية الهادفة إلى الانسحاب المنظم من العراق.
وأكد التقرير أن اختيار أوباما لتركيا لتكون المنبر الذي يتحدث من خلاله إلى العالم الإسلامي هو اختيار جيد، فتركيا ـ كما يشير التقرير ـ هي أفضل الأماكن والأكثر ملائمة لتخرج منها الرسالة التي يريد أوباما إبلاغها للعالم الإسلامي، فغالبية السكان هناك يدينون بالإسلام، بينما يدين فقط 5% تقريبًا بالمسيحية واليهودية، وفي سياق تقديم رسالته إلى العالم الإسلامي، حاول أوباما الإحالة إلى طفولته التي قضاها في إندونيسيا، أحد أكبر الدول الإسلامية من حيث عدد السكان، كما أشار إلى أن والده كان مسلمًا، وقد اعتبر التقرير أن هذه الإشارات والدلالات التي صدرت عن الرئيس الأميركي بمثابة تحركات تحمل كثيرًا من المخاطر السياسية بالنسبة له، في ظل حقيقة أنه مكث ـ على حد وصف التقرير ـ طوال العالم الماضي يحاول بكل قوة نفي الشائعات التي انتشرت في الولايات المتحدة والعالم أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية عن كونه مسلمًا، مما كان سيهدد فرصه في تولي المنصب.
وأشار التقرير إلى أن هذه الزيارة كانت لها عدد من الأهداف العملية الأخرى التي سعى أوباما إلى تحقيقها، وأهم هذه الأهداف يتمحور حول كون تركيا تمتلك ثاني أكبر جيش بين دول حلف الناتو NATO، لذلك فإن ضمان دعمها أمر هام للغاية، في ظل قيام الولايات المتحدة بمراجعة استراتيجيتها في أفغانستان، وسعيها بقوة إلى إقناع دول الحلف بإرسال مزيد من الجنود إلى هناك، لمواجهة القوة المتصاعدة لحركة طالبان وتنظيم القاعدة. كما أن تركيا هي أحد دول الجوار الهامة للعراق، وفى ظل قيام أوباما بالإعلان عن خطته لسحب القوات الأميركية من العراق خلال ستة عشر شهرًا، لذلك فإن الأراضي التركية والدعم اللوجستي الذي يمكن أن تقدمه الحكومة التركية مهم جدًّا لنجاح عملية الانسحاب.
حلفاء لا يمكن الوثوق بهم
ومن ناحية أخرى أشار بليتزر إلى استطلاع للرأي قامت به الشبكة حول مدى إمكانية أن تثق الولايات المتحدة في حلفائها من الدول الإسلامية مثلما تثق في حلفائها الآخرين، فأكدت نسبة 51% من الذين تم استطلاع آرائهم أنه ليست هناك مشكلة في هذا الأمر، بينما رفض 48% هذا الأمر كليةً، وتعليقًا على هذه النتائج استضاف البرنامج ستيفن هايز كبير محرري مجلة ويكلي ستاندر ، الذي أكد على أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لديه القدرة على التعامل مع هذه الشكوك لدى الرأي العام الأميركي، فهو كرئيس للولايات المتحدة يمكن أن يفعل كثيرًا لتحقيق الأهداف التي يريدها، ومن هنا ـ كما يشير هايز ـ يمكن النظر إلى الدلالات التي تحملها زيارته لتركيا، وإلقائه خطابًا موجهًا إلى العالم الإسلامي، من برلمان واحدة من أهم الدول الإسلامية، وذلك من أجل توضيح ماذا تريد الولايات المتحدة وما موقفها في الوقت الحالي.
ولكن هايز أكد أن هناك مشكلة فيما قام به الرئيس باراك أوباما، إذا تم النظر إلى جوهر هذه التحركات التي قام بها مؤخرًا، فقد اعتبر هايز أن أوباما قام بارتكاب كثيرٍ من الأخطاء، فقد أظهر ـ كما يقول ـ ضعفًا كبيرًا من جانب الولايات المتحدة، لأنه حاول أن يقنع المسلمين بأن الأميركيين يتشابهون معهم كثيرًا، ومن ثم شدد هايز على أنه كان من الضروري أن يظهر أوباما مزيدًا من القوة، وأن الرسالة التي كان يجب أن يعمل على إبلاغها للعالم الإسلامي، هي تلك التي حاول الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش ولكن لم يفلح في تحقيق ذلك.
وفى الإطار ذاته أكد رولاند مارتين المحلل السياسي بـ CNN أنه من المقلق للغاية أن تجد نسبة 48% تشكك في أي علاقة تحالفية مع دولة إسلامية، بينما أظهرت استطلاعات رأي أخرى إلى وصول هذه النسبة إلى ما يقارب الـ 90%، ومن ثم فمن رأي مارتين أنه ليس من المهم أن يكون هؤلاء الحلفاء مجاورين للعراق، أو أن تكون للولايات المتحدة قواعد عسكرية على أراضيهم، ولكن المهم أن تكون هذه الدول إسلامية معتدلة، وأن تكون مستعدة لأن تكون مع الولايات المتحدة في أي تحركات تتخذها، حتى لو كانت ضد دول إسلامية أخرى تراها الإدارة الأميركية دولاً عدوانية وتعتمد على العنف.
التعليقات