واشنطن: خلال الأيام القليلة الماضية، تعرضت الولايات المتحدة لأزمة لم تتعرض لها منذ فترة طويلة، حيث إستطاع القراصنة الصوماليون إحتجاز سفينة مايرسك ألاباما التي كانت تحمل العلم الأميركي، وإحتجاز طاقمها الأميركي. وتمكنت البحرية الأميركية ndash; بعد عملية عسكرية ndash; من تحرير طاقم السفينة، ولكن القراصنة إستطاعوا الفرار واصطحبوا معهم قبطان السفينة ريتشارد فيليبس، رهينةً يتفاوضوا عليها للحصول على أموال الفدية، ولكن تمكنت القوات الأمريكية مرة أخرى ـ وبعد خمسة أيام من احتجاز القبطان ـ من تحريره من بين أيدي القراصنة بعد أن قتلت ثلاثة منهم.

ورغم أن مشكلة القرصنة، في هذا الخط الملاحي الاستراتيجي بالنسبة لحركة النقل البحرية، تصاعدت وتيرتها خلال العام الماضي، إلا أن رد الفعل الأميركي كان على غير المتوقع، حيث رأى كثير من الخبراء أنها لم تتحرك بالشكل الكافي للقضاء على هذا الخطر، الذي يهدد مصالحها في واحدة من أهم مناطق النفوذ لها منطقة القرن الإفريقي، مما أثار كثيرًا من علامات الاستفهام حول هذا السلوك. ولكن جاءت حادثة اختطاف مايرسك ألاباما دافعًا لتحرك أميركي عسكري قوى ضد القراصنة في السواحل الصومالية، الأمر الذي أبرزته وسائل الإعلام الأمريكية خلال الأسبوع الماضي.

من هؤلاء القراصنة؟

ففي وقت سابق نشرت مجلة كريستيان ساينس مونيتور تقريرًا عن القراصنة الصوماليين، أعده محرر المجلة سكوت بولدوف ، وفى بداية التقرير أكد المحرر أن هؤلاء القراصنة هم مجموعة من المقاتلين الصوماليين الذين يتبعون لأمراء الحرب الصوماليين، الذين يتقاتلون فيما بينهم ـ منذ سقوط حكومة سياد بري في مطلع تسعينيات القرن الماضي ـ من أجل السيطرة على الأراضي الصومالية. ويتركز غالبيتهم الآن في منطقة بونت لاند على الساحل الشمالي للصومال، هذا الإقليم الذي انفصل عن الصومال في عام 1991، ولكن لا توجد تقديرات دقيقة حول أعداد هؤلاء القراصنة.

ولفت الكاتب الانتباه إلى أن مكتب الأمم المتحدة لمراقبة عمليات تهريب السلاح في منطقة القرن الإفريقي، أكد أن عصابات القراصنة استطاعوا على مدار الفترة الماضية من إقامة علاقات قوية مع مجموعة من المسئولين الفاسدين في حكومة إقليم بونت لاند. هذه العلاقات مكنتهم من تقديم رشاوى للعاملين في الموانئ الصومالية في هذه المنطقة، وأعطتهم القدرة على استخدام هذه الموانئ كقواعد لانطلاق عملياتهم ضد السفن العابرة قبالة السواحل الصومالية. فضلاً عن استخدام هذه الموانئ ملاذًا آمنًا لهم، ومكانًا يمكن فيه احتجاز السفن التي يقومون باختطافها. كما تشير التقارير أيضًا إلى أن هناك عددًا من المواطنين الصوماليين المنفيين خارج الصومال والموجودين في عدد من الدول المحيطة مثل كنيا والمملكة العربية السعودية يقومون بتزويد القراصنة بالمعلومات اللازمة عن السفن التي سوف تمر عبر السواحل الصومالية من خلال خليج عدن.

من المستفيد؟

ويشير بولدوف إلى أن أول المستفيدين من عمليات القرصنة هذه هم أمراء الحرب الصوماليين والقراصنة أنفسهم، حيث يقومون بتوزيع الأموال التي يحصلون عليها مقابل إفراجهم عن السفن المختطفة ndash; والتي تقدر بملايين الدولارات ndash; بتوزيعها على أصدقائهم وعائلاتهم.

ويضيف الكاتب أن هناك مستفيدين آخرين إلى جانب هذه الفئة وهم الجماعات الإسلامية التي تنشط في الأراضي الصومالية، ويشير الكاتب إلى أن أبرز تلك الجماعات المستفيدة هي جماعة الشباب، التي نشأت عقب الهزيمة التي منيت بها مجموعة اتحاد المحاكم الإسلامية، بعد الغزو الذي قامت به القوات الإثيوبية مدعومة من جانب الولايات المتحدة، حيث تستخدم هذه الجماعة عصابات القراصنة كوسيلة لتهريب الأسلحة إلى داخل الأراضي الصومالية، لأن الصومال كما هو معروف موضوع تحت الحظر الدولي فيما يتعلق بالأسلحة، فمحظور على أي دولة القيام بعمليات توريد أسلحة إلى الصومال، كما أن هناك أدلة أخرى ـ وإن لم تكن مؤكدة ـ حول استخدام الإسلاميين لهؤلاء القراصنة كوسيلة لتمويل لعملياتهم.

علاقة تنظيم القاعدة بالقراصنة

ومن ناحية أخرى تطرق الكاتب في مقالته إلى جانب آخر من جوانب الموضوع، والمرتبط بإمكانية وجود علاقة ما تربط بين تنظيم القاعدة وهذه العصابات من القرصنة، حيث لفت بولدوف الانتباه إلى أن تقارير وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA أكدت على امتداد نفوذ القاعدة إلى منطقة القرن الإفريقي، ولكن بالرغم من ذلك فإن العلاقة بين تنظيم القاعدة والقراصنة غير مؤكدة حتى الآن.

وعن الكيفية التي يقوم بها القراصنة بخطف واحتجاز السفن المارة في المحيط، أكد الكاتب أن الممارسة هي السبب الأساسي في إتقان القراصنة لعملياتهم في اختطاف السفن واحتجازها، فخلال العام الماضي قام القراصنة بأكثر من تسعين عملية اختطاف ناجحة للسفن المارة من خلال خليج عدن.

وعن التهديد الذي يمكن أن تمثله عمليات القرصنة على الأمن والتجارة في هذه المنطقة الاستراتيجية، لفت بولدوف الانتباه إلى أن الصومال على قائمة الدول الممنوعة من الحصول على أية أسلحة من أي دولة أخرى، وبالرغم من ذلك فإن أمراء الحرب في البلاد لديهم الأسلحة والعتاد الذي يمكنهم من القتال ضد قوات حفظ السلام الإثيوبية الموجودة في الأراضي الصومالية من جهة، وضد بعضهم البعض من جهة أخرى، ولكن الكاتب يؤكد على أن المعضلة الأساسية في هذا الأمر هي أن استمرار تدفق الأموال على هذه العصابات نتيجة عمليات القرصنة على السفن واحتجازها، يعنى بالتبعية استمرار قدرتهم على شراء الأسلحة، ومن ثم استمرار حالة الحرب وعدم الاستقرار التي يعيشها الصومال منذ ما يقرب من عشرين عامًا، الأمر الذي يهدد الأمن في هذه المنطقة الحيوية، كما سيهدد أيضًا أحد أهم خطوط التجارة الدولية في العالم.

إنقاذ ناجح ولكن مخاطر أكثر في انتظار الجميع

ومن جانبها رحبت صحيفة لوس أنجلوس تايمز في افتتاحيتها بخبر نجاح عملية إنقاذ طاقم السفينة التي كانت تحمل العلم الأميركي، ولكنها أكدت على أن مشكلة القرصنة الصومالية ما تزال مستمرة، فنجاح عملية الإنقاذ من خلال قوات المارينز في جانب منه مدعاة للسعادة، لأن رجالاً على هذا المستوى العالي من التدريب والمهارة ينتمون إلى الجيش الأميركي، إلا أن هذه العملية في جانب آخر منها تُشير إلى إمكانية أن يتصاعد خطر القراصنة الصوماليين خلال الفترة القادمة، مما سيهدد حياة أطقم السفن التجارية التي قد تمر من هذا المنطقة مرة أخرى.

وعن تفسيرها لمثل هذه المخاوف أشارت الافتتاحية إلى أن عمليات الاختطاف التي قام بها القراصنة الصوماليون على مدار العام المنصرم تم إنهاؤها دون ضحايا تذكر، حيث كان الخاطفون يتفقون على مقدار الفدية ndash; التي تصل في أحيان كثيرة إلى ملايين الدولارات ـ التي على مالكي هذه السفن تقديمها لهم حتى يفرجوا عن هذه السفن، بعكس الحال في الماضي حيث كانت عمليات مكافحة القرصنة تتم في الغالب بمواجهات عسكرية يذهب ضحيتها كثير من الأرواح والخسائر، ولكن هذه المرة عندما اختطف القراصنة مايرسك ألاباما، وجد القراصنة أنفسهم للمرة الأولى محاصرين من قبل السفن الحربية الأميركية، الأمر الذي دفعهم إلى الهروب في قارب نجاة بصحبة قبطان السفينة الذي أخذوه رهينةً للحصول على مبتغاهم، المتمثل في فدية كبيرة من الدولارات، وهو الأمر الذي رفضه المفاوضون الأمريكيون كليةً.

وأشارت الافتتاحية إلى أن الولايات المتحدة تأمل في أن تؤدي عملية الإنقاذ هذه إلى إثناء القراصنة عن هذا النوع من عمليات الاختطاف والحجز للسفن المارة خاصة السفن الأميركية، وهذا ما رفضته الصحيفة وأكدت أن مثل هذه العملية من المحتمل أن تدفع القراصنة إلى تحسين قدرتهم القتالية، وتجنيد مزيدٍ من الأفراد للعمل معهم، والاستعانة بأسلحة أكثر تطورًا وأكبر في الحجم، مما يمكنهم من تلافي حدوث الأمر مرة أخرى. وكما تقول الصحيفة: فإن الخوف من الموت لا يمكن أن يكون رادعًا كبيرًا للصوماليين المحبطين، فخيارتهم محدودة إما بالقدرة على جني ملايين الدولارات من العمل في أعالي البحار في عمليات القرصنة البحرية، أو الموت جوعًا في هذا البلد المضطرب.

ولكن الافتتاحية من جديد أكدت أن هذه المخاطر المحتملة في المستقبل القريب لا يمكن أن يتحمل مسؤوليتها أحد سواء كان طاقم السفينة التي احتجزها القراصنة، أو قبطان السفينة الذي سلَّم نفسه من أجل أن ينقذ حياة بقية طاقم سفينته، أو المفاوضين الأميركيين الذين رفضوا دفع الفدية مقابل حياة القبطان ريتشارد فيليبس، أو حتى الرئيس باراك أوباما الذي أعطى أوامره لقوات البحرية بالتعامل مع هؤلاء القراصنة إذا كانت حياة القبطان مهددة، ولكن ndash; كما تقول الافتتاحية ndash; فإنه على السفن المارة قبالة السواحل الصومالية أن تكون مستعدة للقتال، والدخول فيما يشبه معركة عسكرية مع هؤلاء المهاجمين لهم.

وعلى الصعيد نفسه فإنه إذا كانت الشركات المالكة لهذه السفن غير راغبة في تزويدها بأي نوع من العتاد العسكري، خوفًا من تعريض أطقم هذه السفن للخطر، فإن الافتتاحية أكدت أن أمام هذه الشركات عددًا من الخيارات لحماية سفنها، فهي من ناحية أولى من الممكن أن تقوم بتدريب الأطقم العاملة على متن هذه السفن على أساليب مكافحة القرصنة، وكيفية مواجهة القراصنة إذا تعرضوا لهم أثناء الرحلة، أو أن تقوم هذه الشركات من ناحية ثانية باستئجار حرس خاص يتواجد على سفنها أثناء الرحلة للدفاع عن هذه السفن، أو أن تتعاقد مع سفن خاصة يمكنها أن تقوم بمهمة حماية السفن التجارية أثناء المرور على طول السواحل الصومالية من ناحية ثالثة.

وأخيرًا طالبت الافتتاحية المجتمع الدولي بضرورة التحرك لحماية حركة الملاحة في هذه المنطقة الاستراتيجية، من خلال العمل على إقرار القانون في هذا البلد المضطرب غير المستقر، والعمل على تحسين الأحوال المعيشية الاقتصادية والاجتماعية للشعب الصومالي، هذه الأحوال التي دفعتهم إلى القيام بعمليات القرصنة لمواجهة الأحوال السيئة التي يعيشونها.