جنيف: يصادف تاريخ 5 أيار\ مايو 2009 اليوم الأوروبي والذكرى الستين لتأسيس مجلس أوروبا الذي يضم 47 بلدا عضوا من بينهم سويسرا التي ستترأس هذه المؤسسة الأوروبية اعتبارا من شهر نوفمبر القادم لمدة ستة أشهر.

وتعتزم الكنفدرالية انتهاز تلك الفرصة للإنكباب على مواصلة إصلاح المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهي أبرز الهيئات التابعة لمجلس أوروبا الذي يجعل من حماية quot;حقوق الإنسان والديمقراطية ودولة القانونquot; في القارة العتيقة مهمته الرئيسية.

يـُتيح مجلس أوروبا لبلد صغير مثل سويسرا (غير العضو في الاتحاد الأوروبي) المشاركة بنشاط في الحوار الأوروبي، لا سيـّما حول مواضيع حقوق الإنسان.

سويسرا التي انضمت إلى مجلس أوروبا يوم 6 مايو 1963، التزمت بشكل خاص داخل هذه المؤسسة بحماية الأقليات، والديمقراطية المحلية والإقليمية، والتنوع الثقافي، وحماية البيئة، والصحة.

كما قامت بدور حاسم في تطوير المعاهدة المناهضة للتعذيب. ومن المجالات التي توليها سويسرا أيضا عناية خاصة داخل المجلس: الديمقراطيات الجديدة في بلدان أوروبا والوسطى والشرقية حيث يُمكنها اقتراح التجارب التي اكتسبتها، كبلد مُتعدد اللغات والثقافات، في مجال المؤسسات الديمقراطية وحقوق الأقليات.

وقد صادقت سويسرا على نصف معاهدات مجلس أوروبا التي يناهز عددها الـ 200، خاصة في مجالات حقوق الإنسان والديمقراطية والثقافة والبيئة. ولئن كانت قد وقعت عام 1976 على الميثاق الاجتماعي لعام 1961، فإن سويسرا لم تصادق عليه بعد.

ستة برلمانيين وستة نواب وقاض

ويُمثل سويسرا في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا ستةُ منتخبين في غرفتي البرلمان الفدرالي (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) فضلا عن ستة من نوابهم. ولعل أبرز أولئك المُنتخبين عضوُ مجلس الشيوخ السويسري ديك مارتي الذي برز اسمه في قضية السجون السرية في أوروبا ورحلات وكالة الاستخبارات الأميركية quot;سي آي إيquot; فوق التراب الأوروبي بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. وككل بلد عضو، تُوفر سويسرا أيضا قاضيا في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ.

وتتجاوز المشاركة المالية للكنفدرالية منذ عدة سنوات بقليل نسبة 2% من الميزانية الإجمالية لمجلس أوروبا، أي أكثر من 9 مليون فرنك سويسري في عام 2008.

وقبل انضمامها إلى هذه المؤسسة الأوروبية عام 1963، أي بعد 14 عاما على تأسيس المجلس عقب الحرب العالمية الثانية، كان على سويسرا أن تتجاوز بعض أوجه التردد الداخلي المرتبطة بمبدأ الحياد السويسري.

والآن، وبعد عضويـة تواصلت لأكثر من أربعة عقود، تأمل سويسرا في الإسهام بفعالية في تطوير أداء المجلس، بدأ بعملية إصلاح المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

ضحية نجاحها الخاص...

وتتجلى الأهمية الكبيرة لهذه المحكمة في إتاحتها لـ 800 مليون مواطن أوروبي إمكانية التوجه مباشرة لطلب العدالة.

وقد أثارت صحيفة quot;فانت كاتر أورquot; السويسرية (في عددها الصادر يوم 5 مايو 2009 بلوزان) الانتباه إلى النـّشاط المكثف للمحكمة وتأثيرها الواسع في مجالات ومواضيع شتى عندما كتبت: quot;أنتم تعيشون في سويسرا؟ في أيسلندا؟ في تركيا؟ تطالبون بحق القتل الرحيم؟ تودون ارتداء الحجاب في الجامعة؟ لا تفهمون لما تحظر الدولة على الأزواج المثليين تبني الأطفال؟ اعلموا إذن أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ربما سبق أن أصدرت حكما بشأن مصيركم (من خلال حسمها لقضايا مُشابهة)quot;.

ففي العام الماضي فقط، أصدر قضاة ستراسبورغ (من بينهم السويسري جيورجيو مالينفيرني) ما لا يقل عن 10000 قرار يتعلق بقضايا من هذا النوع، وهي قرارات تتحول إلى أحكام قانونية.

وفي تصريح لصحيفة quot;لوتونquot; (في عددها الصادر بجنيف يوم 2 مايو 2009)، أوضح السفير بول فيدمر، ممثل سويسرا لدى مجلس أوروبا، بأن بلاده تعتزم بالفعل جعل إصلاح المحكمة الركيزة الأساسية خلال رئاستها المقبلة لمجلس أوروبا، لا سيما وأن المحكمة باتت ضحية لنجاحها الخاص على ما يبدو بحيث أنها quot;تغرقquot; في الطلبات، على حد تعبير الصحيفة، علما أن 100000 دعوى مازالت في انتظار الفصل في ستراسبورغ.

مواعيد ومقترحات

ومن أبرز المواعيد المقررة خلال فترة الرئاسة السويسرية (التي ستتواصل من 18 نوفمبر 2009 إلى منتصف مايو 2010)، انعقاد مؤتمر وزاري دولي بمدينة انترلاكن (بكانتون برن السويسري) في شهر فبراير القادم - ولئن كان القرار الرسمي لتنظيم هذا اللقاء لن يُتخذ قبل اللجنة القادمة لوزراء مجلس أوروبا المزمع عقده يوم 12 مايو في العاصمة الإسبانية مدريد.

لكن quot;لوتونquot; شددت في هذا السياق على أن الأسس قد وُضعت بعد، مُنوهة إلى زيارة العمل التي قام بها إلى العاصمة برن يوم 21 أبريل المنصرم رئيس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، القاضي الفرنسي جون بول كوستا، حيث التقى بوزيرة الخارجية ميشلين كالمي-ري ووزيرة العدل والشرطة إيفلين فيدمر-شلومبف. وتجدر الإشارة إلى أن هذا القاضي الفرنسي الذي يبلغ من العمر 68 عاما، يترأس المحكمة منذ 2007 خلفا للقاضي السويسري لوسيوس فيلدابير.

وأوضح بيان صدر عن السلطات الفدرالية خلال زيارة القاضي كوستا إلى برن أن سويسرا ستحتضن بمناسبة ترأسها لمجلس أوروبا quot;نشاطات مُختلفة ستُعـَبـر عن السياسة التي تنتهجها سويسرا داخل مجلس أوروبا، والتي تهدف إلى التركيز على نشاطات مجلس أوروبا حول ثلاث مهمات رئيسية: حماية حقوق الإنسان، وتشجيع الديمقراطية، والدفاع عن مبادئ دولة القانونquot;. وأضاف البيان أنه سيتم إيلاء quot;اهتمام خاص بالإصلاح العاجل للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغquot;.

فهل سيسمح مؤتمر انترلاكن بإحراز تقدم على مستوى عملية الإصلاح الضرورية هذه للمحكمة؟ في ردهما على هذا السؤال، أكد كل من رئيس المحكمة جون بول كوستا وممثل سويسرا لدى مجلس أوروبا بول فيدمر في تصريحاتهما لصحيفة quot;لوتونquot;، أنهما يأملان ذلك بصدق.

كما أوضحا أن الحلول المقترحة تتضمن، من جملة أمور أخرى، فعالية أكبر في مجال تصفية الشكاوى، وأحكام نموذجية تتيح التعامل بسرعة أكبر مع حالات ذات طبيعة مشابهة، والتوصل إلى اتفاقيات ودية، وتسريع الاجراءات القضائية الوطنية، وتنفيذ متناغم لأحكام لها قوة القانون.

وتُعلـَّق آمال كبرى على الرئاسة السويسرية لمجلس أوروبا إذ نوهت quot;لوتونquot; إلى أن الرئاسات اللاحقة ستكون من قبل مقدونيا (النصف الثاني من عام 2010) وتركيا وأوكرانيا (2011)، لكن هاتين الدولتين تشكلان مع روسيا ورومانيا الرباعي الذي يتصدر قائمة الدول التي تأتي منها معظم الشكاوى المرفوعة لدى المحكمة في ستراسبورغ، وربما لن تتحلى بنفس حماسة سويسرا لتحسين أداء المحكمة..