واشنطن: ساهمت مجموعة من العوامل الجيوسياسية والنفسية خلال السنوات العشرين التي أعقبت انهيار الشيوعية بتحويل حلف شمال الاطلسي إلى قوقعة فارغة . وحلّت quot; فوائد السلامquot; أولاً مع بدء انحلال الاتحاد السوفياتي 1989 وبلغت ذروتها عام 1991 حين شعرت الدول الاوروبية وأميركا أنه لم يعد لديها سبب للخشية مرة أخرى من القوات البرية والتقليدية الروسية.

ووافق الاتحاد السوفياتي قبل انهياره على خفض هام لقواته في وسط أوروبا عبر التوقيع على الاتفاقية الاوروبية للقوات التقليدية في عام 1990 ثم جاء الاتحاد الروسي ،وريث الاتحاد السوفياتي، واحترم تلك التعهدات. وسرعان ما استبدل قادة الولايات المتحدة وبريطانيا الذين تميزوا بالصلابة وقادوا الغرب والناتو إلى النصر في الحرب الباردة ،ثانياً، بقادة أكثر اعتدالاً كانوا متلهفين لجني ثمار ما يسمى بفوائد السلام.

وجاء الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون بدل الرئيسين الجمهوريين رونالد ريغان وجورج بوش الأب ، فيما خلف جون ميجر، الاقل اندفاعاً وقوة ،رئيسة الحكومة البريطانية مرغريت تاتشر. وكان الخفض الدراماتيكي للقوات التقليدية في بريطانيا بدأ خلال حكم بوش الاب واستمر إبان حكم كلينتون. ثالثاً،أدت زيادة ثقة الغرب بنفسه إلى تخلي القادة الاميركيين الاكثر قوة والاقل حذراً عن التزامات تعهد بها بوش الاب لميخائيل غورباتشوف ،آخر رئيس للاتحاد السوفياتي ،بأن لا تسمح واشنطن لحلفاء الاتحاد السابق بالانضمام إلى الناتو.

ووالحل أن كل عضو في حلف وارسو السابق انضم في نهاية المطاف إلى الناتو ،ما أتاح تمدّده ليصبح 28 دولة. لم يجعل هذا التمدّد الناتو أكثر قوة،كما بدا للوهلة الأولى، بل أضعفه عسكرياً، لأن الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي السابق مثل لاتفيا وليتوانيا وإستونيا انضمت إلى الحلف بغية الحصول على الامن لا لتوفره للآخرين. وكانت المؤسسات العسكرية لهذه الدول بالية ومتداعية وتعتمد على دعم الاتحاد السوفياتي، فاتكلت على الولايات المتحدة لمساعدتها في حال التعرض لهجوم من روسيا أو أي بلد آخر.

وقال المؤرخ البريطاني كوريللي بارنيت في معرض وصفه للورطة التي واجهت الامبراطورية البريطانية المتمددة استراتيجياً في العالم كقوة عالمية مفرطة في ثلاثينات القرن الماضي، إن الاعضاء الجدد في الناتو كانوا ُمستهلكين للامن وليسوا موردين له، والقوات التي كانوا يرسلونها لدعم الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق لم تقم بمهمات قتالية ،ما عدا القوات البريطانية التي أرسلت عدداً صغيراً لا تأثير له.

يشبه تمدّد الناتو في العقود التي تلت انهيار الشيوعية إذن ،نظام quot; بونزيquot; أو التمدّد غير الحكيم للائتمان المالي. وقد زادت الولايات المتحدة والناتو الذي يتخذ من بروكسل مقراً له ،التزاماتهما لتوفير الامن ولكن من دون تعزيز قواتهما العسكرية لتحقيق ذلك، بل على العكس ،فبعد مضي سنوات طويلة على انهيار الشيوعية قلصت دول الناتو حجم مؤسساتها العسكرية سواء من حيث العدد أو من حيث قدراتها العامة.