واشنطن: أخرجت المباحثات غير المباشرة التي عقدت بين سوريا وإسرائيل بوساطة تركية عملية السلام بين الطرفين من سبات طويل، حيث توقفت هذه المباحثات بين كلٍّ منهما منذ عام 2000، بسبب عدم قدرة الطرفين على إيجاد صيغة يمكن الاتفاق بشأنها, بالإضافة إلى تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة آنذاك، إلى جانب أسباب أخرى، في الوقت الذي يعتبر فيه الخبراء أن إقرار السلام بين سوريا وإسرائيل أحد أهم آليات تيسير إقامة دولة فلسطينية تتعايش في سلام مع إسرائيل.
ويمكن تلخيص رؤية سوريا في إقامة سلام مع إسرائيل في حتمية عودة كل الأراضي المحتلة من قبل الأخيرة في يونيو 1967، والتي تضم هضبة الجولان ومساحات صغيرة في وادي نهر الأردن، وهي المناطق المتاخمة للمسطحات المائية ذات الأهمية الاستراتيجية للاقتصاد الإسرائيلي، في حين تلخص إسرائيل رؤيتها للسلام مع سوريا في إعادة توجيه سوريا لاستراتيجيتها السياسية ناحية فك التحالف مع إيران، والكف عن دعم حزب الله اللبناني، والمنظمات الفلسطينية، لاسيما حركة حماس.
وفي إطار محاولة تقديم أطروحات من شأنها تقديم بعض الحلول الوسطية لإنجاح عملية السلام المتعثرة بين سوريا وإسرائيل بسبب تشبث كلا الطرفين بوجهتي نظريهما، تأتي هذه الدراسة التي نشرها quot;المعهد السلام الأميركيquot; مؤخرا، وقام بإعدادها quot;فريدريك سي هوفquot; بعنوان quot;خارطة السلام بين سوريا وإسرائيلquot; لتعرض إحدى هذه الحلول.
في سياق المفاوضات
أوضحت الدراسة أن المباحثات غير المباشرة التي شهدها عام 2007 بين سوريا وإسرائيل، لم تكن الأولى من نوعها، حيث التقى الطرفان بولاية ويست فيرجينيا أوائل عام 2000، غير أن هذه المباحثات قد انتهت بالفشل، إذ لم يكن لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود باراك القدر المطلوب من الدعم السياسي للانسحاب من الأراضي السورية المحتلة وفق المطلب السوري.
وخلال عام 1993 وبتيسير من الولايات المتحدة عقدت مباحثات بين سوريا وإسرائيل كان محورها بالنسبة لسوريا الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي السورية إلى خط الفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية قبل حرب 5 من يونيو 1967، وذلك حسب تأكيدات وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال عام 1998.
وطبقًا للرؤية السورية منذ توقف المباحثات مع إسرائيل، تتأجل حلول كل القضايا الخلافية مع الأخيرة من قضايا المياه، والترتيبات الأمنية، وتفاصيل التطبيع الكامل، إلى أن يتحقق شرط الانسحاب الإسرائيلي الكامل من جميع الأراضي المحتلة إلى حدود ما قبل 1967، غير أنه خلال التسع سنوات الماضية أي منذ فشل محادثات quot; Shepherdstownquot; حدثت عديدٌ من التطورات التي أثرت على الجانبين ويتوقع أن تؤثر مستقبلاً على مسار المفاوضات، ومن أهمها:
قيام إسرائيل من جانب واحد بسحب قواتها من جنوب لبنان في مايو 2000، وانتصار حزب الله، وبالتالي تشجيعه على مزيد من المقاومة على الصعيد السوري.
وفاة الرئيس السوري حافظ الأسد في يونيو 2000، وتولي ابنه بشار الأسد الرئاسة.
تلاشي أفاق السلام بين سوريا وإسرائيل، وتحالف سوريا مع إيران، وتقوية العلاقة بحزب الله، الذي ازدادت قوته بعد حرب لبنان خلال صيف 2006، وتعرض إسرائيل لإطلاق الصواريخ والهجمات الصاروخية، بشكل آثار اهتمام إسرائيل بضرورة فصل سوريا عن إيران وحزب الله.
تزايد برودة العلاقات السورية الأميركية بعد غزو العراق في مارس 2003، وأعقاب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في فبراير 2005.
دخلت سوريا وإسرائيل المحادثات غير المباشرة في 2007 بمساعدة تركيا بعبأين ثقيلين لم يكونا موجودين خلال عام 2000، هما: التحالف مع إيران وحزب الله، وتزايد ثقة الأخير، وسط برودة رسمية في العلاقات الأميركية ـ السورية بشكل عام، ومحادثات السلام بشكل خاص.
وإزاء هذه التغيرات بات يطلب من سوريا تغيير نمط علاقاتها مع إيران، وحزب الله، وأن تمتنع وفق أقل تقدير عن توريد الأسلحة لحزب الله، في وقت يؤكد فيه الخبراء على أن أهمية وجود الولايات المتحدة الأميركية في المفاوضات السورية الإسرائيلية، وأنه من دون دعم الولايات المتحدة لهذه المفاوضات ودخول سوريا في علاقات ثنائية مع واشنطن، لن تستطيع سوريا الخروج من عزلتها وتفادي العقوبات التي يمكن أن تفرض عليها.
المطالب السورية والتحفظات الإسرائيلية
أشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من فشل محاولة سوريا لتعويض الخسائر العسكرية خلال حرب 1973، لم يكن هناك تحرك دبلوماسي تجاه عملية السلام بينها وبين إسرائيل حتى عام 1990، كما تطالب سوريا بانسحاب إسرائيل من الأراضي السورية إلى حدود ما قبل يونيو 1967 أي حوالي 18 كيلو مربع من المنطقة المنزوعة السلاح في وادي الأردن وقطاع غزة، و10 متر على طول الشاطئ الشمالي من بحيرة طبرية، ومرتفعات الجولان، مثلما حصلت مصر على كامل أراضيها التي فقدتها عام 1967.
وبالنسبة لإسرائيل تمثل المطالب السورية المتمثلة في الانسحاب من الأراضي السورية من حيث المبدأ عدة مشكلات، من أهمها:
أولاً: أن وضع حدود على بحر الجليل والساحل، والضفة الشرقية لنهر الأردن من بحيرة طبرية إلى بحيرة الحولة ونهر اليرموك من منطقة حماة جادر قد يعرض وجود إسرائيل للخطر بسبب نقص المياه والموارد الحيوية، بعد عودة هذه المناطق للسيطرة السورية، لاسيما مع ازدياد الطلب على هذه الموارد في سوريا، ومعاهدات نقل المياه إلى الأردن.
ثانيًا: إن جزءًا من الأراضي الفلسطينية التي حصلت عليها إسرائيل عام 1947، سيعود لسوريا وفق تقسيم الأمم المتحدة.
ثالثًا: إن تخلي المستوطنين الإسرائيليين عن أراضي مرتفعات الجولان وبحيرة طبرية سيكون صعبًا، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن 70% من المستوطنين الإسرائيليين المستطلعة آراؤهم بشأن إعادة الجولان إلى سوريا، لا يوافقون على التخلي عن الجولان وطبرية، وبالتالي حرمان إسرائيل من موقع ترفيهي مهم ومصدر للمياه.
وفي إطار تعارض المطالب السورية مع وجهة النظر أو بالأحرى المخاوف الإسرائيلية تشير الدراسة إلى أنه لم تنجح حتى الآن أي حلول وسط في التقريب بين الطرفين، وذلك في ظلِّ إصرار سوريا على عودة إسرائيل إلى حدود ما قبل 5 يونيو 1967، ورفض إسرائيل لهذا الطلب، فعلى الرغم من المؤشرات الجيدة التي حملتها محادثات مارس 2000 بين سوريا وإسرائيل برعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون، فإنها قد انتهت برفض ما طرحه رئيس الوزراء إيهود باراك من حلٍّ من شأنه أن يعيد حدودًا نحو 500 متر شرق بحيرة طبرية إلى السيادة السورية، كما انعدم الأمل في نجاح هذه المباحثات عقب وفاة الرئيس الأسد.
كما أشار الكاتب إلى دراسة أخرى كان قد أعدها خلال عام 2002 تحت إشراف quot;المجموعة الدولية للأزمات International Crisis Groupquot; تحمل عنوان quot;معاهدة السلام Treaty of Peacequot; التي حاول فيها تقديم صيغة لمعاهدة سلام بين سوريا وإسرائيل، وتناول فيها القضايا الثنائية التي تحتاج إلى تسوية بين سوريا وإسرائيل، موضحًا أن الحدود ليست الخلاف الوحيد بين سوريا وإسرائيل بل هناك قضايا المياه، والأمن، وتطبيع العلاقات الثنائية، وأن المطلب السوري بالعودة إلى ما قبل حدود يونيو 1967، يقابل متطلبات إسرائيل لمصدر مياه تكفي تغطية حاجتها الحرجة للمياه في ظل موقعها الجغرافي الذي يحتم عليها مشاركة جيرانها فيها، كما يقابلها مخاوف أمنية إسرائيلية على أمنها ووجودها، تقترح إسرائيل بشأنها أن ينزع سلاح المناطق الحدودية، وأن توجد رقابة دولية تحت قيادة الولايات المتحدة.
إمكانية الوصول إلى حل وسط
أشار الكاتب في إطار عرضه للمعاهدة المفترضة والهادفة إلى إحلال سلام سوري إسرائيلي، إلى أن المعاهدة في الجزء الخاص بقضية الحدود تحاول إنجاز ثلاثة أهداف، هي: التقليل من التأثير السوري على مصدر المياه الحيوي لإسرائيل وبالتالي على الاقتصاد السوري، وتسهيل وصول الفرد المدني الإسرائيلي إلى شاطئ البحر، وتسهيل علاقات حسن الجوار، وذلك من خلال ما يلي:
المحافظة على طبيعة وادي الأردن وتغطية الأراضي السورية ضمن وادي نهر الأردن حتى سطح البحر، كما يجب أن يكون ذلك تحت رعاية الإدارة السورية، وذلك في إطار المحافظة على حق الجميع في السكن الدائم في هذه المنطقة.
الحفاظ على حق الجميع في زيارة الوادي دون قيود، وإتاحة الفرصة للسيارات الإسرائيلية بالمرور من وإلى الطرق السريعة، وكذلك توفير خدمات الطوارئ لسائقي هذه السيارات وغيرهم من الزائرين للمنطقة، وفي هذا السياق يمكن لجمعية الهلال الأحمر السورية والصليب الأحمر الإسرائيلي أن يتعاونا في توفير هذه الخدمات.
وفي هذا السياق أوضحت الدراسة أن إسرائيل تضع قيمة أعلى من الأرض على الموارد المائية، حيث تستخدم ما يفوق 400 مليون متر مكعب سنويًّا من المياه سنويًا من بحيرة طبرية، ووفقًا لشركة المياه الوطنية الإسرائيلية quot;ميكوروت Mekorotquot;، فإن الكثافة السكانية وكذلك بلدات الجنوب تزداد حاجاتها بشكل كبير للمياه، وأن بحر الجليل أصبح بمثابة خزان رئيسٍ حيث يتلقى 850 مليون متر مكعب من المياه من مناطق تجمع المياه الشامل، يسهم نهر الأردن بنحو 520 مليون متر مكعب منها، 250 من دان، و150 من الحصباني، و120 من بيناس.
وعلى الرغم من أن نهر الأردن وبحيرة طبرية حيوية واستراتيجية لإسرائيل في مجال التوازن الهيدرولوجي، فإنها أقل من ذلك بكثير لسوريا، حيث تتزايد احتياجات دمشق للمياه ولا تصلح مصادر المياه في بيناس لسد هذه الحاجة المتزايدة من المياه، وهو الأمر الذي رأت معه الدراسة ضرورة أن يتم إعادة بناء وتوطين حوالي 50000 شخص على الأقل في القنيطرة، وتوفير المياه والبنى التحتية لهم، على سبيل المثال أو أن تحصل مدينة النبطية على مصادر المياه اللازمة لها من منبع الوزاني في الحصباني، وهي خطوات من شأنها أن توفر قدرًا من المياه التي تحتاجها سوريا دون التأثير على المياه التي تستخدمها إسرائيل.
وبالعودة إلى قضية الحدود تشير الدراسة إلى أنه إذا ما تم إعادة جزء من الأراضي التي تحتلها إسرائيل إلى سوريا سيكون من الضروري الوصول إلى ترتيبات أمنية لمراقبة الحدود، وفي هذا الإطار يمكن لسوريا أن تقيم نقطًا لمراقبة الحدود خاصة بالجوازات والجمارك على الطرق السريعة وصولاً إلى مرتفعات الجولان بين أي من الطرق السريعة، ونظرًا لتداخل قضية الحدود مع قضية الأمن أشارت الدراسة إلى ضرورة العمل على جعل المنطقة الحدودية منزوعة السلاح، وربما العمل على وجود مراقبة دولية في هذه المنطقة.
واعتمادًا على كل ما سبق تؤكد الدراسة على أن المنطقة الواقعة بين وادي الأردن ومرتفعات الجولان من شأنها أن تيسر الوصول إلى صيغة سلام بين سوريا وإسرائيل وذلك من خلال تحقيقها خمسة أهداف، هي:
تحقيق الرغبة السورية في عودة الأرض من خلال انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل يونيو 1967.
الحفاظ على الموارد المائية الحيوية للاقتصاد الإسرائيلي، ويضمن لسوريا ما تحتاجه من مياه.
إتاحة الفرصة للإسرائيليين للوصول اليسير والآمن لبحر الجليل، وربما أعلى مرتفعات الجولان.
توفير بيئة تفاعلية بين السوريين والإسرائيليين وإن كان بشكل غير رسمي.
إعطاء الطرفين الفرصة في مرحلة ما بعد توقيع المعاهدة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه من حيث المضمون، كتمهيد لمرحلة أرحب يتم تنفيذ التزاماتهما المتبادلة مع مرور الوقت.
التعليقات