بين الخطاب الديني وديكورية الحضور:

جذر جاهلي وعشائري يتحكّم بالمشاركة السياسية للمرأة اليمنية

علي عبد الجليل من صنعاء: لا تبدو المرأة اليمنية في أحسن أحوالها، مع ما يظهر لها من مشاركات في الحياة السياسية والاجتماعية. وترى القاصة والكاتبة هدى العطّاس أن الخطاب الديني ما زال يهيمن على نشاط المرأة السياسية، وتقول لـ (إيلاف) إن حال المرأة quot;بين الخطاب الديني والخطاب السياسي، تبدو كأنها واقعة بين المطرقة والسندانquot;. وأشارت إلى أن نظام ما قبل الوحدة في جنوب اليمن quot;حين فك الارتباط بين ما هو ديني وما هو سياسي إستطاع أن يجد بعض القوانين التي تساند حقوق المرأة، وأوجد بيئة اجتماعية تساعد على حضورهاquot;.

وتربط العطّاس وضع المرأة بالمتغير السياسي العام واعتقدت أن الحل يكون بإيجاد دولة علمانية فالدين quot;يظل معطى روحيًا وفعالية شخصية مع الذات، لكن السياسة بمتغيراتها الاجتماعية وتحولاتها تحتاج إلى مؤسسات وأنظمة وقوانين وضعية تعالج وتفسر حداثة الأوضاعquot;.

عبد الباري طاهر

ويلاحظ المفكر ونقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق عبد الباري طاهر أن quot;المجتمع اليمني مجتمع تقليدي ومحافظ، والأحزاب السياسية من دون استثناء تقليدية ومحافظة، والتفاوت بينها في الدرجة وليس بالنوعquot;. وقال لـ (إيلاف) إن quot;القاسم الأعظم بين أحزابنا واتجاهاتنا الفكرية والسياسية هو المحافظة، والنظرة إلى المرأة نظرة قبليةquot;.

وأوضح أن quot;حتى النظرة التي تتكئ على الدين في موقفها من المرأة هي بالأساس تنطلق من القيم والتقاليد القبلية أكثر من انطلاقها وتعبيرها عن النص الديني، وكل التشريعات والقوانين والمناهج التربوية في البيت وفي المدرسة لا تخرج عن هذه المفاهيم وهي ذات جذر جاهلي عشائريquot;.

ولهذا، فالمرأة، حسب طاهر quot;تحضر في الأحزاب كديكور أو قبوة كاذي أو زينة فقط، لأن الأحزاب جميعها ضد مشاركة المرأةquot;.

هدى أبلان

هدى أبلان الأمينة العامة لإتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وهي أول امرأة يمنية تتبوأ هذا المنصب، لا تختلف عن عبد الباري طاهر بالقول أن مشاركة المرأة السياسية عبارة عن ديكور.

وقالت لـ (إيلاف) إن quot;دور المرأة غير مؤثر على البنية السياسية والاجتماعية والثقافية لهذه الأحزاب، وإنما تستخدم بالحالات الحرجة والحاسمة وتحديدًا عند تعديل أو ترجيح كفّة أي حزب في المخنق الانتخابي، حيث يتم الحشد والاستنفار لاستدعاء صوتهاquot;. معتبرة أن ذلك لا يصل إلى مستوى الشراكة مع المرأة والتي ، حسب تعبيرها quot;لا تأتي من جناح العائلات أو ما يطلق عليه دوائر المرأة في الأحزاب طالما ظلت هذه الشراكة مربوطة بطموحات الرجل وتطلعاته التي تعتبر المرأة إحدى أدوات التحقق لهاquot;.

علي السقاف

من جانبه، يجد علي السقاف رئيس مؤسسة تنمية المجتمعات المحلّية ورئيس تحرير صحيفة (الشارع) أن المرأة في الحياة السياسية تستخدم كديكور quot; سواء في الأحزاب الدينية أو الأحزاب العلمانية والتقدمية للأسفquot;.

ويقول لـ (إيلاف) إن quot;حضور المرأة ما زال قليلاً وشكليًاquot;، وأن quot;الأحزاب الدينية تستثمر المرأة بشكل أفضل لدى التصويت في الانتخابات على عكس الأحزاب الأخرىquot;.

أكثر قدرة من الرجل

تقول أمل الباشا رئيسة منتدى الشقائق والناشطة الحقوقية الشهيرة أن هناك عدة تيارات واتجاهات سياسية لكنّها quot;كلّها تتفق في تناولاتها حين يأتي الحديث عن المرأةquot;.

أمل الباشا

وترى أمل أن المرأة تكون مجرّد ورقة للمزايدة والمتاجرة سواء لدى الإسلاميين المتشددين الذين يربطون خروج المرأة بفساد الفضيلة والأخلاق، أو أولئك الذين يزايدون بها إذا تحدثوا عن الحداثة والعصرنة وربط مكانة المرأة بتخلخل المجتمع وربّما باستدعاء الغزاة، وهناك من الإسلاميين الأقل تشددا الذين يقولون إن المرأة مقهورة ومقموعة، لكن، حسب قولها quot;لا يوجد أي اختلاف على مستوى الفعلquot;.

واعتبرت أمل الباشا أن حقوق المرأة اليمنية شهدت تراجعًا كبيرًا في حقوقها العامة، عمّا كانت عليه في جنوب اليمن قبل الوحدة، ومقارنة بما حصلت عليه المرأة في دوار الجوار كالسعودية والكويت والإمارات والبحرين وقطر ، حيث ذكرت أن هذه البلدان تقدمت ببعض القوانين وبالمشاركة السياسية للمرأة.

وتعتقد الصحافية والناشطة السياسية توكل كرمان أن المرأة اليمنية محرومة من المشاركة بالشأن العام بفتاوى دينية، بدعوى الاختلاط أو الحديث مع الغيرquot;، معتبرة في ندوة عن المرأة اليمنية عقدت الأسبوع الماضي quot;أن هذه الفتاوى من مخلّفات القرونquot;، وأوضحت: quot; ما دام منع المرأة عن الخروج إلى الشأن العام يكون باسم الحفاظ على الفضيلة والأخلاق فإنّهم بهذا الشكل يسحقون الفضيلة والقيم حين يقدّمون غطاء كافياً للعنف المجتمعي ضد المرأةquot;. و لم تقر توكل كرمان بوجود خطابين عن المرأة، فهناك، حسب قولها quot;خطاب واحد موجّه نحو المرأة، من صاحب العمامة وربطة العنق، ومن يتمنطق الجنبية ومن يرتدي ملابس عصريةquot;، وجميعهم ينظرون إلى المرأة حادية الرجل وحبيسة المنزل quot;إلاّ من رحم ربّيquot;. وقالت quot; نحن ناشطات الحركة الوطنية، المحظوظات بظروف أسرية جعلتنا نحدثكم الآن دون أن نحاصر بمحظورات أو نجد أنفسنا قد قذفن خارج العائلة أو محرومات من العودة الآن إلى البيت، لم نستطع أن نحصل على عشر حقوقنا الاجتماعية، فكيف بمن هن رهينات تحت قيد التقاليد والفتاوى الظالمةquot;.

توكل كرمان

وكشفت توكل عن نموذج ما تواجهه المرأة من خلال تجربتها في لجنة الحوار الوطني المشكلة، أخيراً، من حزبيين ومستقلّين لمعالجة الأزمة اليمنية الراهنة وقالت: quot;للأسف الشديد كنت قبل يوم في لجنة حوار يفترض أنها تناقش شأنا وطنياً عاما، ومع وجود غالبية ساحقة من الذكور، لم يطق أحدهم أو من سمّى نفسه قائدا سياسياً سماع وجهة نظر قدّمتها، بدا أنها لا تستهويه، فخيّرني أن أكون رعوية، من الرعيّة، أو المغادرةquot;. وأضافت أن تصرّف هذا القائد المتمنطق بالأعراف والأسلاف كان بحضور عشرات من النخب الفكرية والسياسية الذين quot;لم يتغيّر وجه أحدهم من تلك المهزلةquot;، حسب قولها.

وأكدت توكل، على الرغم من كل هذه التصرفات، فإن quot;المرأة أكثر قدرة من الرجل على خوض غمار الحياة العامة عطاء وإبداعاًquot;. مشيرة إلى وجود أدلة أن المرأة في اليمن quot;تحقق حضورًا فاعلاً في أي مجال عام يتاح لها أن تخوضه إذا لم تتم مصادرته لصالح الذكورquot;.

وأضافت توكل، وهي إحدى أبرز الناشطات في حزب إسلامي كبير، قولها: quot;نحن ذاهبات لانتزاع حقوقنا الإنسانية كاملة: اجتماعية وسياسية ومدنية، في الوظيفة العامة، على قدم المساواة مع الرجل، في العملية الانتخابية ناخبة ومنتخبة، وفي الأحزاب عضوة وقياديةquot;.