المجتمع المحيط أعتمد رؤية تُهمِّش وتقصي اليهود...
الصلاحي لـquot;إيلافquot;: اليمنيون اعتنقوا الديانة اليهودية في وقت مبكر

حاوره علي عبدالجليل في صنعاء: قال الدكتور فؤاد الصلاحي أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء أن اليهود اعتنقوا اليهودية في وقت محدد من فترة زمنية سابقة، وفي حوار مع quot;إيلافquot; قال الصلاحي أن الدستور اليمني تحدث عن خصائص المرشح لمناصب نيابية ورئاسية ومناصب حكومية،

الدكتور فؤاد الصلاحي

وأشترط على المرشح أن يكون مواضباً على الشعائر الدينية، ويقصد الإسلامية. وذكر الباحث أن أعضاء المجتمع اليمني لم يبذلوا quot;أي جهد في سبيل التقارب والاندماج مع اليهودquot;، وأن quot;المجتمع القبلي المحيط باليهود يعتمد منظومة ثقافية تقلل من الوجود الاجتماعي لليهود وتعتمد رؤية متدنية لليهود تعكس قدرا من التهميش والإقصاءquot;. وهنا نص الحوار:

*هل يمكن أن نعود لرسم أهم الجذور التاريخية للمجتمع اليهودي في اليمن، وماذا عن قول بعض الباحثين أن اليمنيين أصولهم الدينية يهودية؟

في تحديد الجذور التاريخية للمجتمع اليهودي في اليمن يبرز لغط كبير وجدل بين مختلف الباحثين خاصة المنتسبين إلى علمي التاريخ وعلم الاجتماع، والتأصيل التاريخي لليهود في اليمن كثيرا ما يرتبط برؤى أيديولوجية أو تسييس لمصلحة طرف بذاته، وهنا تتضاءل الموضوعية العلمية . فالسائد وفقا للرؤى الموضوعية أن اليمنيين اعتنقوا الديانة اليهودية في مرحلة زمنية سابقة في إطار الصراع التاريخي الذي تطلب من أهم القادة اليمنيين التحول إلى اليهودية كديانة، والمعروف أيضا أن اليمنيين اعتنقوا المسيحية وكان هذا الاعتناق لكلتا الديانتين اليهودية والمسيحية في مرحلة ما قبل الإسلام وفي إطار الدول اليمنية القديمة. وهنا يمكننا القول أن اليمنيين كشعب لهم وجود اجتماعي وحضاري في الركن الجنوبي الغربي من الجزيرة العربية اعتنقوا اليهودية في مرحلة زمنية محددة، وهذا الأمر ينفي القول بان اليهود كأفراد وجماعات هاجروا إلى اليمن واستقروا فيه، ومن ثم أسسوا لمجتمع جديد، فهذا مناف للحقيقية التاريخية.

ولكن من الموضوعية أن نشير إلى بعض الهجرات لأفراد في فترات متقطعة منهم من كانت له مكانة كبيرة في الديانة اليهودية ومهنهم أفراد عاديون.. ولعل بعض الدراسات الإسرائيلية التي تعتمد منظورا متحيزا تستهدف التأصيل التاريخي للوجود اليهودي في الجزيرة العربية وهي بذلك تعتمد أساطير تؤسس لرؤى سياسية تجعل منها ارتكازا للتاريخ اليهودي . فلما كان اليهود (والمجتمع الإسرائيلي ) له وجود طارئ ومغتصب للحقوق العربية في فلسطين اعتمدت الدوائر الصهيونية إلى أهمية الحروب غير العسكرية ومنها حروب التاريخ والتراث وهنا أنشأت العديد من المعاهد والأكاديميات ومراكز الأبحاث والدراسات تستهدف من نشاطها الإثبات التاريخي للوجود اليهودي.. ومن سوء حظهم أن الادعاءات بوجودهم في اليمن لا يستقيم مع ما تؤكده الحقائق التاريخية وعلم الآثار من بروز حضارة يمنية كان لها حضورا فاعلا في السياق الإقليمي والدولي في مراحل تاريخية تمتد منذ ما قبل الميلاد وحتى ما قبل ظهور الإسلام بسنوات عدة .

* كطائفة ظلت غير مندمجة مع المجتمع الإسلامي في اليمن، هل تلاحظ مميزات اجتماعية في حياة هذه الطائفة؟

اليهود يشكلون طائفة مغلقة على أنفسهم في الواقع اليمني المعاش حاليا وهم تاريخيا كانوا غير مندمجين بشكل عام فقط كانوا يدخلون في علاقات تفاعل ضمن أنشطتهم الاقتصادية التي كانت تتطلب منهم ذلك التفاعل وكانوا منغلقين في علاقاتهم مع بعضهم البعض فالقليل من طقوسهم الاجتماعية وعادات الزواج والتراتبية التي تحدد مواقعهم الاجتماعية لايكاد اليمنيون أن يعرفوا عنها وهذا شأن جميع الأقليات التي يتصف وجودها الاجتماعي بالانغلاق عن محيطهم العام واليهود على وجه الخصوص حتى في المجتمع الأوروبي لم يندمجوا كلية بل كان السائد فيهم الحياة ضمن جيتوهات منغلقة يحسون من خلالها بالحماية الذاتية .. وهم في اليمن المعاصر يعيشون في إطار بنيوي تنغلق على غيرهم معرفة الكثير من تفاصيل حياتهم اليومية وربما يدخلون في علاقات وتفاعلات موسمية ومؤقتة ورسمية مع محيطهم القبلي والحضري .. وفي نفس الوقت لم يبذل أعضاء المجتمع اليمني أي جهد في سبيل التقارب والاندماج مع اليهود فالمجتمع القبلي المحيط باليهود يعتمد منظومة ثقافية تقلل من الوجود الاجتماعي لليهود وتعتمد رؤية متدنية لليهود تعكس قدرا من التهميش والإقصاء خاصة وان اليهود حاليا لا يشكلون نسبة كبيرة من السكان ومن ثم فهم أقلية غير قادرة على أن تكون فاعلة سياسيا أو اقتصاديا في المجتمع العام .. وهذا عكس ما كان لهم من حضور ملموس في المجتمع اليمني قبل عام 1962 وقبل تهجيرهم عام 1948 فقد كانوا فاعلين في المجال المهني وبرز منهم تجار كبار أسهموا بدور فاعل في حركة التجارة الداخلية والخارجية.

* هل هناك علاقات اجتماعية جديدة برزت بين المسلمين واليهود من خلال هذه التحولات ؟

- مع الكثير من المتغيرات التي شهدها اليمن خلال العقود الأربعة الماضية ومنها بروز دولة حديثة في اليمن وخطاب سياسي يدعوا إلى المواطنة لكل اليمنيين اهتمت الدولة نسبيا بالطائفة اليهودية كجزء من مطالب أمريكية أدرجت ضمن اشتراطات التمويل الحكومي الأمريكي لليمن .. ونجد رغم هذا أن الإعلام اليمني بمختلف وسائله لا يهتم كثيرا بهذه الطائفة فلم نشاهد برنامجا واحدا عن الطائفة اليهودية يوضح حجمها السكاني وطبيعة النشاط الثقافي والديني والاقتصادي لليهود وكيفية تعاملاتهم مع المحيط القبلي ومع الدولة وهذا الأمر يكرس من تهميش وإقصاء الطائفة اليهودية وعلى سبيل المثال لا يوجد برنامج شهري على الأقل يتناول واقع الحياة اليومية لليهود ولا توجد صحيفة حكومية أو حزبية أو خاصة تفسح مجالا للتعريف بالطائفة اليهودية وحتى اليهود أنفسهم لم يتحركوا خطوة إلى الأمام وينشئون صحفا خاصة بهم أو يطالبون الدولة ببرنامج إذاعي أو متلفز حتى شهريا للتعريف بهم . فاليهود استبطنوا في وعيهم الفردي والجمعي الانغلاق عن محيطهم الاجتماعي وأصبحوا يعيدوا إنتاج مجتمعهم المغلق ضنا منهم انه يجعلهم في مأمن وفي حالة استقرار.

وتعرف أن الأقليات اليهودية كانت تعيش في جيتوهات معلقة حتى في أوروبا بالرغم أن بعضهم كسب ثراء ماليا من خلال الأنشطة الاقتصادية التي أعقبت الثورة الصناعية والتطورات اللاحقة في مختلف دول أوربا ومع ذلك كانوا منغلقين على أنفسهم ويرجع ذلك إلى اعتبارات ثقافية تشكلت تاريخيا وخلقت لديهم سيكولوجية مقهورة ووجود اجتماعي مهدور في حقوقه .
لم يكن لديهم ولاء للمكان

*تحجيم دور اليهود العام سواء عبر النظرة التقليدية الإسلامية لهم أو من خلال عدم مساواتهم في الدستور والقوانين مع سائر المواطنين. هل أثر ذلكعلى علائقيتهم الاجتماعية كأفراد أو طائفة مع المجتمع المحيط بهم، والذي هو مجتمع الدولة الغالب؟

- تاريخيا عاش اليهود في المجتمع العربي (وفي المجتمع اليمني) دون مضايقات بل كانت تحترم خصوصياتهم عدي الرؤى الثقافية التي تجعل من اليهودي مكانة متدنية اجتماعيا وكان النظام الإمامي يعترف بهم كطائفة دينية ويقدر مهاراتهم المهنية ولكن وفق منطق الدولة الإسلامية ذات الايدولوجيا التقليدية لابد من فصل مكاني بين اليهود والمسلمين ولابد من بعض الطقوس التي تفرض عليهم في الزي مثلا وغير ذلك .. واعتقد أن الدستور اليمني ومختلف القوانين لم تتضمن إشارة واضحة إلى التفريق بين اليهود وغيرهم إلا من جوانب محددة مثل خصائص المرشح لمناصب نيابية والرئاسة ومناصب حكومية يجب أن يكون مواظبا على الشعائر الدينية (يقصد هنا الإسلامية) وان الدستور اليمني لم يتضمن الإشارة إلى الأقلية اليهودية ولا الأقليات الإسلامية مثل الإسماعيلية والاباضية وحقهم في العبادة والتعليم الخاص وأزيائهم وغير ذلك ولكن اليهود في الفترة المعاصرة أصبحوا محل اهتمام دولي وأمريكي خصوصا وأصبحت الضغوط على اليمن تأتي ثمارها في خلق تعامل جيد مع الأقلية اليهودية . الغريب في الأمر أن اليهود في المجتمع اليمني قبل 1962 لم يكن لديهم ارتباط وولاء بالمكان الذين يعيشون فيه ذلك أنهم تخلوا عن اليمن والارتباط العاطفي بأقل زمن ممكن فهم يرتبطون بفطرة وبايدولوجية وهمية أكثر من ارتباطهم بالمكان إلا من خلال التسويغ الديني لذلك الارتباط، ومن هنا نجد أن الحركة الصهيونية جعلت من الهجرة إلى فلسطين اعتقادا دينيا دونه تقل إيمان اليهود بمعتقدهم ولتضخيم هذا الاعتقاد خلقوا جملة من الأساطير التي أسست لفكرة سياسية تشكلت بدعم وصناعة أمريكية وأوربية سميت إسرائيل .

حاليا ومع بروز الجماعات السلفية ومع تزايد الوعي المجتمعي بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي وما تنقله وسائل الإعلام من وحشية التعامل الإسرائيلي مع الفلسطينيين تشهد الساحة العربية ومنها اليمن رؤى مضادة لليهود كأفراد وكأقلية تحقرهم من جانب، وتتوعدهم من جانب آخر، لكن أيضا تظهر نفس الأفكار لدي المتطرفين اليهود بل لدى قسم واسع من الدولة العبرية حيث توجد أحزاب يمينية تنشر الكراهية للعرب.