تونس: يرى محللون أن استئناف مفاوضات السلام بشأن الصحراء الغربية بين المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) المقررة في نهاية يوليو/تموز الحالي بالعاصمة النمساوية فيينا، يدفع إلى إشاعة أجواء من التفاؤل بإمكانية التوصل إلى حل لهذا النزاع الذي طال أمده، والذي أضر بمسيرة اتحاد المغرب العربي.

واعتبر المحللون أن من شأن هذه المفاوضات التي أيّدها مختلف الفرقاء في المنطقة المغاربية، أن تجمّد حركة رمال الصحراء التي تتحرك في أكثر من إتجاه، لتفسح المجال نحو الانفراج الذي يؤسس إلى ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة.

وأشارت تقارير مغربية في وقت سابق إلى أن المفاوضات المرتقبة، ستكون غير رسمية، وسيشرف عليها موفد الأمينِ العام للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء الغربية كريستوفر روس، وذلك بهدف تعبيد الطريق أمام جولة جديدة من المفاوضات الرسمية التي توقفت آخر جولاتها في مارس/آذار 2008 بسبب اتساع الخلاف بين الجانبين.

وكان روس قد أعرب في أعقاب جولة له شملت المغرب وموريتانيا والجزائر ومخيمات تندوف الجزائرية نهاية الشهر الماضي، عن تفاؤله بقرب بدء محادثات رسمية بين الجابين. ويرى المحلل السياسي التونسي برهان بسيس أن إستئناف مفاوضات السلام بين الحكومة المغربية وجبهة البوليساريو، إنما يترجم البصمة الجديدة لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في التشجيع على التوصل إلى حلول للمشاكل المستعصية في المنطقة، خاصة وأن منطقة إتحاد المغرب العربي قد تضرّرت بشكل واضح من تبعات هذا النزاع.

وكان أوباما قد أعرب عن أمله بأن يتمكن روس من تحقيق quot;حوار بناءquot; لتسوية النزاع القائم بين المغرب وجبهة البوليساريو منذ العام 1975.وأكد في رسالة وجهها إلى الملك المغربي محمد السادس قبل أسبوع، أنه يشاطره الرأي بأن المفاوضات التي تجري تحت إشراف الأمم المتحدة هي الإطار الملائم الذي من شأنه أن يفضي إلى حل يحظى بقبول الجانبين.

وقال بسيس ليونايتد برس انترناشونال، ان الآمال المعلقة على الوصول إلى حلّ عبر التفاوض المباشر تبقى رهينة استعداد الجزائر و الرباط للتأسيس لحل نهائي. ولم يستبعد بسيس أن تؤتي الضغوط التي تمارسها الإدارة الأميركية الجديدة أكلها في إقناع الطرفين، لا سيما في هذه المرحلة التي يرى أنها مناسبة للتوصل إلى صيغة تنهي هذا النزاع الذي أضرّ بمسيرة إتحاد المغرب العربي.

ويتفق نقيب الصحافيين المغاربة يونس مجاهد، مع هذا الرأي، ويذهب إلى أبعد من ذلك ليقول أن ما ورد في رسالة أوباما للعاهل المغربي ، يدعو إلى التفاؤل، وقد يشكل ضغطا ليس فقط على جبهة البوليساريو، وإنما أيضا على الجزائر التي تساندها. وقال مجاهد ليونايتد برس انترناشونال إن أوباما لم يتطرق في رسالته إلى مسألة الاستفتاء، أو تقرير المصير، وإنما تحدث عن حل عادل ومنصف، وهو بذلك يقترب كثيرا من الموقف المغربي.

ومع ان مجاهد شدّد على أن الوضع الراهن لم يعد يحتمل بعدما فشل مشروع الاستفتاء الذي تطالب به جبهة البوليساريو بشهادة مجلس الأمن الدولي، رأى مراقبون أن ما ورد في رسالة أوباما لا يرتقي إلى مستوى الحلّ الذي يرضي الطرفين.

وذهبت صحيفة quot;التجديدquot; المقرّبة من حزب quot;العدالة والتنميةquot; المغربي الأصولي الممثل في البرلمان، إلى حد القول إن أوباما وقف في رسالته إلى العاهل المغربي في منتصف الطريق بإشارته إلى صفات الحل الذي ينبغي التوجه إليه، والقائم على الاستجابة ''لحاجيات السكان في ما يخص الحكم الشفاف، والثقة في دولة الحق والقانون، وإدارة عادلة ومنصفة''.

وقال بسيس، ان ذلك يعد مقدمة إيجابية يتعيّن على جبهة البوليساريو الأخذ بها، وعدم تضييع الفرصة للتوصل إلى تسوية مشرفة، بإعتبار أن طبيعة المرحلة الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي، ونوعية موازين القوى السياسية منها والعسكرية السائدة في المنطقة،لا تخدم أبدا موقف الجبهة. وتطالب البوليساريو بمنحها حق تقرير المصير وصولا إلى الاستقلال، فيما يتمسك المغرب بسيادته على إقليم الصحراء ووحدة ترابه، ويطرح خيار الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية كمدخل للوصول إلى تسوية لهذا الملف.

ويقول المغرب إن مبادرة الحكم الذاتي هي الحل التوافقي القابل للتطبيق، وهي الطريق الصائب نحو سلام الشجعان. ويرى الخبير القانوني المغربي محمد تاج الدين الحسيني أستاذ القانون والعلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس المغربية أن المستجدات التي طرأت على ملف النزاع الصحراوي منذ بدء روس مهامه، تدفع فعلا إلى التفاؤل رغم استمرار الجانبين المغربي والصحراوي في التمسك بموقفيهما.

وقال الحسيني ليونايتد برس انترناشونال إنه بغض النظر عن الفرق الشاسع بين موقفي الجانبين، فإن الخريطة السياسية الراهنة تعزّز التفاؤل بإعتبار أن مواقف أميركا و فرنسا وإسبانيا، إلى جانب مجلس الأمن الدولي تجمع على فشل مشروع الإستفتاء الذي تطالب به البوليساريو، وعلى أهمية التوصل إلى حل على أساس لا غالب ولا مغلوب.

وأشار الحسيني الى أن أطرافا عربية دخلت على خط الوساطة، منها قطر وليبيا، بهدف التوصل إلى صيغة حل تنهي هذا النزاع على أساس مبدأ الحكم الذاتي، الذي قال انه يعد شكلا متقدما لحق تقرير المصير. وإعتبر أن موقف بلاده، إتسم بمرونة واضحة عندما طرح مشروع الحكم الذاتي الذي يبقى بمثابة السقف الأعلى للتنازلات التي يمكن تقديمها للتوصل إلى تسوية تقوم على حل وسط يرسخ الأمن والإستقرار، ويمهد الطريق أمام تحقيق التنمية في كافة أقاليم المغرب، ويساهم في تحسين العلاقات الثنائية المغربية-الجزائرية، وفي تفعيل إتحاد المغرب العربي.

يشار الى ان إتحاد المغرب العربي تأسس في السابع عشر من فبراير/شباط 1989، وهو يتألف من خمس دول هي تونس والمغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا، غير أن مسيرته تعطلت منذ العام 1994 بسبب الخلافات بين الدول الأعضاء، وبشكل خاص الخلاف المغربي-الجزائري بشأن الصحراء الغربية.

بدوره رأى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر الدكتور مصطفى سايج ان المفاوضات تصطدم بالموقف المغربي الذي يفرض شروط التسوية وفق رؤية الرباطquot; واختيارها الوحيد المتمثل في الحكم الذاتي الموسع، وبالمقابل فإن جبهة البوليساريو تطرح خيارات موسعة بينها حق الاستفتاء كآلية للتسوية عكس المملكة المغربيةquot;.

وقال سايج ليونايتد برس انترناشونال أن إدارة أوباما quot;لا يمكنها فرض شروط بخصوص النزاع لأن لعبة السياسة الخارجية تتلاعب بها اللوبيات، خاصة اللوبي الصهيوني القريب من المصالح المغربية، وهذا لا يعني أنه لا يوجد في الكونغرس الأميركي من يساند حق تقرير المصير بالاستفتاء للشعب الصحراويquot;.

ورأى أن فرنسا لها دور مؤثر في مسار حل النزاع، وقال إن موقفها quot;المساند دائما للطرح المغربي ينبع من المصالح الثقافية والاقتصادية الهامة بالنسبة لفرنسا في المغرب، ففرنسا لا تريد أن تنشأ دولة في المنطقة لا تربطها بها مصالح ثقافية واقتصادية على حساب المغربquot;.

وشدّد على أن جولات المفاوضات quot;تبقى حبيسة توازنات القوى الإقليمية والدولية ولا أرى لحد الآن أي تغيير في هذه التوازناتquot;، مشيرا إلى أن الدور الجزائري الداعم دبلوماسيا وسياسيا للبوليساريو باعتبارها طرفا quot;مهتماquot; ينبع من quot;مبادئ سياستها الخارجية القائمة على دعم حق تقرير المصير وهي ضد خيار الحكم الذاتيquot; في الصحراء الغربية دون استفتاء الصحراويين.

من جهة اخرى اعتبر المحلل السياسي الجزائري الدكتور إسماعيل معراف، أن رسالة أوباما للملك المغربي quot;بروتوكولية دبلوماسيةquot; ترافقت مع ضغوط منظمات حقوق الإنسان العالمية ،وزيارة رئيس الجبهة محمد عبد العزيز الأخيرة إلى الولايات المتحدة بدعوة من جمعيات فاعلة في الكونغرس.


ورأى معراف أن اجتماع فيينا بين المغرب والبوليساريو هذا الشهر quot;مهم جداquot; من حيث أنه quot;سيعرف لأول مرة بحث انتهاكات حقوق الإنسان وتصرفات الإدارة المغربية في الأراضي الصحراوية كما أنها ستكون فرصة لكشف ألاعيب النظام المغربي، ما سيخلق الوثبة المعنوية التي تدفع المغرب لطرح طرق أخرى لحل النزاع خاصة وأن البوليساريو تطالب بحق الاستفتاء وحق تقرير المصير وليس الاستقلالquot;. وقال إن من مصلحة الولايات المتحدة quot;حل النزاع لتسوية الخلافات نهائيا بين الجزائر والمغرب، والأميركان لهم مصالح كبيرة مع الجزائر أكثر من المغربquot;.

وانتقد معراف أداء البوليساريو على المستوى الدولي، واصفا إياه quot;بالأداء الضعيف جداquot;، ودعاها إلى quot;إعادة النظر في عملها النضاليquot; لأن الطرح quot;يجب أن ينصب على أن المشكلة هي بين المغرب وهيئة الأمم المتحدة قبل كل شيءquot;. واعتبر أن اقتراح الحكم الذاتي الموسع الذي طرحه المغرب على البوليساريو quot;هو تنازل مغربي غير مسبوقquot; باعتبار أنه quot;اعتراف بخصوصية الصحراء الغربية وشعبهاquot;.

ويعود تاريخ النزاع بشأن الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة، إلى العام 1975 عندما ضمها المغرب، ودخول البوليساريو بدعم من الجزائر في قتال مع المغرب للمطالبة بالإستقلال لغاية العام 1991 عندما تم التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار بإشراف الأمم المتحدة تمهيدا للوصول إلى تسوية من خلال تنظيم إستفتاء في الإقليم المتنازع عليه، غير أن كثيرا من العقبات حالت دون تنظيمه.

ويرى خبراء أن النزاع بشأن الصحراء الغربية حال دون بروز تكتل مغاربي، كما ساهم في الحد من قدرة الدول المغاربية على مواجهة التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم بإعتبار أن عدم الإندماج يضعف قدرتها التفاوضية مع بقية التكتلات الأخرى. فهل ينجح هذا الحراك الجديد في إيجاد تسوية لهذا النزاع، وبالتالي تحقيق الإندماج المغاربي الذي يفوت غيابه على دول المنطقة فرصة نمو سنوي في حدود 2%؟