يوسف صادق من غزة: تعود المغتربون الفلسطينيون على زيارة أهلهم وأقاربهم صيف كل عام، لكن الأعوام الثلاثة وما تخللها من أحداث كانت كفيلة لأن تمنع هؤلاء الناس من زيارة قطاع غزة أو إستثمار ما أدخروه من أموال في شراء منازل لهم أو بنائها.

وبدا شوق أم حسين (71 عامًا) لرؤية إبنتها هدى وأسرتها التي تقيم في المملكة العربية السعودية، أكثر إشتياقًا عن السنوات الماضية. وقالت المسنة لـquot;إيلافquot;: quot;أخشى الموت قبل أن أرى إبنتي وأولادها، فهذه السنة الرابعة التي لم أرها. كما ويصعب عليّ محادثتها هاتفيًا، نظرًا لمشاكل السمع عنديquot;.

وتعيش هدى وأولادها الخمسة في العاصمة السعودية الرياض منذ عقدين ونيّف. لكنها كانت تزور والدتها كل عامين. وخشيت هدى، بحسب والدتها أم حسين، quot;عدم مقدرتها على العودة إلى الرياض بسبب الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابرquot;.

وأثّر الإنقسام وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، قبل أكثر من عامين، على مجريات حياة الفلسطينيين في الداخل والخارج بشكل كبير. وخلا تقريبًا قطاع غزة من آلاف الأسر الغزية التي تشكل في مجملها عماد السياحة والنشاط الإقتصادي للمنطقة.

وأكد عبد القادر صلاح (57 عامًا) أنه إضطر لإقناع إبنه عمر الذي يدرس في الجزائر، بعدم العودة لغزة quot;لحين إنتهائه من تعليمه الجامعيquot;. وقال صلاح quot;باقي له سنة دراسية واحدة، ولا أضمن له فتح المعبر بحرية وعودته للدراسة وإنهاء سنته الدراسية الأخيرة. لذلك شرحت له بالتفصيل الوضع السائد في غزة، وأقنعته بالبقاء في الجزائر لحين إكمال دراستهquot;.


ومع هذا، والقول لوفاء، والدة الطالب، quot;فأنا متلهفة له ولرؤيته أكثر من أي وقت. وأضافت quot;لو الأمر بيدي لما جعلته يغترب عن عيني، ولكن المشكلة فوق طاقتنا جميعًا، ولهذا فأنا أتواصل معه عبر الإنترنت يوميًاquot;.

وينتظر اغلب أهالي قطاع غزة ذويهم المغتربين صيف كل عام ليقضوا معًا بعض الوقت في حضن وطنهم. لكن الظروف المختلفة الداخلية والإقليمية، أدخلت هؤلاء المغتربين في أتون المعركة بشكل غير مباشر. فيما يبدو أن معاناتهم تلك لن تتوقف عند هذا الحد في ظل إستمرار الإنقسام والحصار معًا.

وكما باقي المتلهفين لأحبائهم تنتظر المسنة أم يوسف يعقوب (65 عامًا) حلاً للوضع القائم، لتتمكن من رؤية أولادها الثلاثة الذين يعملون في دولٍ خليجية مختلفة. وقال أم يوسف لإيلاف quot;كنت سعيدة جدًا عندما كانوا يأتون لغزة هم وأولادهم، ونقضي معاً أجمل فترة في وجودهم. لكنهم الآن لن يستطيعوا المجيء إلى هنا خوفًا من عدم تمكنهم من العودة مرة أخرى، وتضيع عليهم فرص عملهم وتعليم أطفالهمquot;.

ولم يقتصر الإشتياق لرؤية هؤلاء المغتربين عند أهليهم وذويهم. فمحمد بصل، صاحب محل لبيع الملابس وسط مدينة غزة، قال لإيلاف quot;في وجودهم تنشط حركة البيع بشكل قوي جداًquot;. ويرى بصل أن صيف السنوات الثلاثة الماضية مختلفا تماماً لأصحاب المحلات التجارية، خاصة وأن المغتربين ينزلون إلى الأسواق ويشترون العديد من الحاجيات والهدايا مما يسهم في دعم الاقتصاد في قطاع غزة.

وقال إسلام شهوان الناطق بإسم شرطة غزة أنهم يأملون بتحسن الوضع أكثر في السنوات القادمة. وأضاف لإيلاف quot;جميعنا يدرك حجم هذا الإشتياق والحنين للوطن، لكن الحصار علينا أثر بطبيعة الحال على فلسطينيي الخارج وغزة على حدٍ سواءquot;.

واعتبر شهوان أن فتح معبر رفح البري بين الأراضي الفلسطينية والمصرية سيساهم بتخفيف أعباءً كثيرة عن هؤلاء المغتربين، خاصة في فصل الصيف والإجازاتquot; وقال quot;أتمنى أن تدرك القيادة المصرية حاجة الفلسطينيين في فتح المعبر الوحيد الذي يدخل من خلاله أكثر من مليون ونصف مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزةquot;.

وإعتبر الطالب محمود عبد ربه أن سكان غزة كأنهم داخل سجن. وقال quot;لا نختلف كثيراً عن الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، فنحن مطالبون بالعيش تحت كافة الظروف، حتى لو قطعوا عنا الكهرباء أو الماء أو منعوا عنا السلع والمواد الضروريةquot;.

وأضاف عبد ربه quot; زيارة الأقارب ولم شمل العائلات الفلسطينية في الشتات والداخل لا يمكن فصلها عن المشاكل التي يعاني منها الفلسطينيون، ويجب العمل على حلها، بالتوازي مع إنتهاء حالة الإنقسام التي تسعى كافة الأطراف لإنهائهاquot;.

وتبقى قضية المغتربين وحنين ذويهم لرؤيتهم، مشكلة ضمن المشاكل العالقة بين الفلسطينيين أنفسهم نتيجة الإنقسام الذي حصل بينهم. لكنها سرعان ما تنتهي تلك المشكلة بعودة الفصائل الفلسطينية للوحدة والعمل على فك الحصار. إلا أن السؤال يبقى دومًا. إلى متى ستبقى غزة تعاني ويلات القهر بكافة أشكاله، بما في ذلك بعد الأحبة؟