محمد حميدة من القاهرة: مع بدء العدّ التنازلي للإضراب القبطي العام المقرّر في 11 سبتمبر/أيلول المقبل الذي يوافق بداية رأس السنة القبطيّة الجديدة، إشتعلت حرب المواجهة بين المؤيّدين والرافضين له، وفي الوقت الذي أعلن فيه عدد من أقباط المهجر، وعلى رأسهم المحامي موريس صادق رئيس الجمعية الوطنية الأميركية، دعمه للإضراب وطالب الأقباط بارتداء الملابس السوداء، وقد انضمّت إلى الدّعوة منظّمات قبطيّة أخرى، إلاّ أنّه إلى الجانب الآخر بدأت تظهر أصوات أخرى ومحاولات حثيثة لإحباط الإضراب وإفشاله وتحويله ليوم صلاة.

ورصدت quot;إيلافquot; تصاعد حدّة المواجهة بين الفريقين على موقع quot;Facebookquot; الاجتماعي الشهير، وفي الوقت الذي وصل فيه عدد المؤيّدين للإضراب إلى المجموعة الرئيسة لمجموعة quot;أقباط من أجل مصرquot; الداعية للإضراب إلى 1357 شخصًا حتّى كتابة هذه السطور، إلاّ أنّ المجموعات المناهضة للإضراب في تصاعد وتكتسب الكثير من المؤيّدين من الأقباط والمسلمين. فعلى سبيل المثال quot;مجموعة بارك بلاديquot; وصل عدد زوّارها إلى حوالى 979، وترفع المجموعة شعار quot;البرّ يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية... ليس بالإضراب - ولا يوجد اضطهاد... بل بالرجوع إلى الرّب والحياة معهquot;.

وتدعو المجموعة إلى نبذ الإضراب ومثل هذه الأفكار والتقرّب إلى الرّب والدعاء، لكنّ هذه الدعوة قابلتها موجة اعتراض من قبل المؤيّدين للإضراب. قال مؤسّسها رامي: quot;لو عايزين تشوفوا تغيير حقيقي وجذري مش بالإضراب تعالوا نعمل اجتماع صلاة مرة في الأسبوع نتوب ونعرف ربنا بجدّ وقصّة المقطم لينا مثال صارخ عن الطريقة التي ننتصر بها على الظلمquot;، لكنّ هناء كانت لها وجهة نظر أخرى: quot;لا يوجد تعارض بين الاتّجاه لله والتمسّك بديننا وبين المطالبة بحقوقنا، على العكس فإنّ أحدهما يكملالآخر... فأثناء مطالبتنا بحقوقنا نراعي ربّنا و نطيعه وأثناء عباداتنا نستغفره ونطلب منه أن يساعدنا على إظهار الحقّ وإحقاق العدلquot;. وقال ريمون: quot;اضطهاد الأقباط هو موضوع سياسي في الأساس وكون أنّ الموضوع له بعد ديني فنحن نحترم هذا ولكنّ الموضوع له شقّ سياسي. أنا معنديش مانع الناس تصلي وأظنّ الأب متياس أعلن عن يوم صلاة في 11/9 ، وأنا لا أرفض هذا بل أؤيّده ولكنّي أؤيد أن نتحرّك وننهض لحلّ مشاكلناquot;.
وأطلقت الدعوة إلى الإضراب القبطي العام 11-9-2009، والذي يتزامن مع الاحتفال بذكرى أحداث 11 سبتمبر/أيلول وتدمير برجي التجارة،مجموعة quot;أقباط من أجل مصرquot; واعتبرت المجموعة دعوتها quot;تعبيرًا عن استياء كلّ الأقباط من موقف الدولة المخزي تجاه الكثير من الأحداثquot;. ولخّصت الإضراب في quot;التزام الجميع منازلهم، وفي حالة الاضطرار للخروج من المنزل يمكن ارتداء ملابس سوداء؛ وذلك للمطالبة بإقرار قانون موحّد لبناء دور العبادة، وإلغاء جلسات الصلح العرفيّة وتقديم الجناة الفعليين في المصادمات الطائفية إلى محاكمات عادلةquot;. وقد أعلن المحامي القبطي ممدوح نخلة مؤازرته للإضراب، داعيًا الكنيسة القبطية إلى المشاركة فيه.

وعلى الرّغم من رفض الكنيسة فكرة الإضراب، إلاّ أنّ هناك تباينًا في موقف أقباط الخارج والداخل. فقد أعلن عدد من أقباط المهجر تأييدهم للإضراب وعلى رأسهم موريس صادق المحامي ورئيس الجمعية الوطنية القبطية الأميركيّة، الأقباط في مصر، وطالب صادق الأقباط بعدم النزول إلى الشارع، وفي حالة الخروج من المنزل لأسباب قهرية فعليهم ارتداء ملابس سوداء. لكنّ جموع قبطيّة داخليّة طالبتبعدم الالتفاف إلى هذه الدعاوى التي تقوض الوحدة الوطنية.

وكان موريس صادق الذي يعيش في الولايات المتّحدة الأميركيّة منذ سنوات قد طالب أكثر من مرّة الحكومة الإسرائيليّة بالتدخّل العسكري لحماية أقباط مصر زاعمًا وجود مؤامرة من المحتلّ العربي، على حدّ زعمه، لتصفية الأقباط المصريين.

وأشارت تقارير إلكترونيّة إلى أنّ كهنة أقباط دعوا فى صلواتهم من أجل نجاح الإضراب القبطي خلال احتفالهم بعيدانتقالالسيّدةالعذراءأخيرًا وطالبوا بالصلاة من أجل إقرار مجلس الشعب لقانون موحّد لدور العبادة لكي تهدأ الفتن الطائفيّة التي ازدادتأخيرًا مندون تقديم أيّ من الجناة إلى المحاكمة وإهمال تفعيل القانون.

وانضمّت أيضًا حركة quot;شركاء من أجل الوطنquot;، وهي الحركة السياسيّة القبطيّة الأولى، وقالت في بيان: quot;بعد تسارع الأحداث الأخيرة ضد الأقباط وكنائسهم ووصول الاعتداءات لما يفوق 30 اعتداءً في الثلاثة أشهر الأخيرة، والتعنّت الرهيب في بناء وترميم الكنائس، وعدم تفعيل القانون بعد كلّ اعتداء، واللّجوء إلى جلسات الصلح العرفيّة التي غالبًا ما يتمّ انتهاك حقوق الأقباط فيها، وهو ما ساعد بشكل أو بآخر في تكرار هذه الانتهاكات... لذلك تدعو حركة شركاء من أجل الوطن المواطنين الأقباط في الداخل والخارج إلى الإضراب العام والكلّي والتزام منازلهم يوم الجمعة 11 سبتمبر/أيلول 2009 الموافق رأس السنة القبطيةquot;. وتهدّد الحركة في حالة عدم الاستجابة إلى مطالبها، التفكير في أساليب جديدة للاحتجاج.

وفي الجانب المقابل، إستنكر أقباط الداخل فكرة الإضراب محذرين من الانسياق وراء هذه الأفكار الهدامة، وقال هاني عزيز مستشار الاتّحاد العام للمصريين في الخارج إنّ هذه الفكرة مرفوضة وإنّ الغالبيّة العظمى من أقباط مصر تؤيّد الحوار الهادئ ويقفون ضد الإضراب. وأوضح أنّ مشاكل الأقباط يجب أن تتمّ في الداخل وبرعاية قيادات مصر وأشار إلى أنّ فرض الآراء والحلول من الخارج مرفوض من الجميع لأنّه يمسّ السيادة الوطنيّة.

وحذّر إكرام لمعي المتحدّث باسم الكنيسة الإنجيليّة من تشويه صورة مصر في عيون العالم واعتبر أنّ اللجوء للوسائل الطائفيّة وسيلة العاجزين مشيرًا إلى أنّ أبواب الحوار والتعبير مفتوحة أمام الجميع للتعبير عن أفكارهم وآرائهم بشكل يدعم الحريّة والديمقراطيّة القائمة على تقبّل النقد والرأي الآخر. وأشار إلى أنّ مثل هذه الأفكار من السهل اختراقها خصوصًا أنّها مجهولة المصدر وتفتقد للأساس التنظيمي ما قد يشعل فتنة طائفيّة من دون أسباب حقيقيّة وموت أشخاص من دون ذنب.
وأبدت ابتسام حبيب، عضوة فيمجلس الشعب، تعجّبها من إطلاق هذه الأفكار في ظلّ تنوّع وسائل التعبير أمام كلّ فئات المجتمع أيًّا كانت انتماءاتهم، موضحة أنّ فكرة إضراب طائفي مرفوضة من المسيحيين، واعتبرت أنّ الحوار القائم على أساس المواطنة والقواعد الدستورية المصرية هو الأقوى والأفضل للجميع محذرة من آثار لتلك الدعوات والأفكار لأنّها تثير الفرقة والانقسام في المجتمع.

وأكّد صليب متّى ساويرس، عضو المجلس الملّي في الكنيسة الأرثوذكسية على أنّ هذه الدعوة شاذة ومتطرفة وتتنافى مع التعاليم المسيحيّة، وأوضح أنّ يوم رأس السنة هو لرفع الدّعوات والصلوات من أجل السلام والمحبة، وأشار إلى وجود بعض المشاكل لكن يجب ألاّ يكون ذلك ذريعة للغوغائية والإضرابات.