تونس التي يحتل رئاستها الأولى منذ العام 1987 زين العابدين بن علي ولخمس دورات متتالية على موعد مع معركة ديمقراطية في تشرين الأول/أكتوبر المقبل، قد لا تحمل جديدًا من حيث سيطرة الرئيس وقدرته على الفوز، لكنها تحمل جديدًا من حيث وجود أربعة مرشحين منافسين لبن علي. تلك الإنتخابات ليست الوحيدة بل ستترافق معها إنتخابات تشريعية لا تقل عنها أهمية، وتلك الإنتخابات بالذات تشهد صراعًا أكبر وإجراءات أكثر من قبل السلطة بحق القوائم والمرشحين بحسب من قابلتهم إيلاف.

علمت quot;إيلافquot; من مصادر قيادية بالحزب الديمقراطي التقدمي المعارض أنّ المكتب السياسي الطارئ الذي عقد مساء الجمعة قرّر quot;القيام بحملة إعلامية وسياسية للتشهير بمحاولة إقصاء الحزب من الانتخابات التشريعية المقبلة بعد أن تمّ إقصاء مرشحه إلى الانتخابات الرئاسيةquot;.

وكشف ماهر حنين عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التونسي (يسار الوسط) لإيلاف عن استعداد الحزب لعقد لجنة مركزية استثنائية (اعلي سلطة اتخاذ قرار بين مؤتمرين) يوم 10 أكتوبر تشرين الأول المقبل.

ويأتي التصعيد الجديد بين الديمقراطي التقدمي والحكومة بعد أن رفضت الإدارة في تونس قبول ثماني عشرة قائمة انتخابية من بين القائمات الثلاث والعشرين التي قدمها الحزب الديمقراطي في اليومين الأوّلين من تقديم الترشّحات.

يقول القيادي بالحزب ماهر حنين لإيلاف:quot; لقد تعمدت السلطة إسقاط قائماتنا الانتخابية، ونحن نعتبر أن لهذا الإسقاط المتعمد انعكاسات خطرة على الحياة السياسية بالبلادquot;. ودان حنين بشدة إسقاط القائمات واعتبرها ذات quot;خلفية سياسية ودون أي مسوّغ قانونيquot;.

وسيقوم الحزب الديمقراطي التقدمي الذي أعلن مشاركته في الانتخابات التشريعية في جميع الدوائر الانتخابيّة بالطعن في قرارات الإسقاط لدى المجلس الدستوري والقيام بحملة إعلامية وسياسية للتشهير بمحاولة إقصاء الحزب على حد تعبير ذات المصدر.

وتواترت الأنباء في الساعات الأخيرة عن سقوط عدد من القائمات الانتخابية لبعض أحزاب المعارضة على غرار خسارة الحزب الديمقراطي الوحدوي ذي التوجه القومي لخمس قائمات كان تقدم بها في وقت سابق ، كما رفضت الإدارة قبول خمس قائمات لحزب الوحدة الشعبية الموالي للحكومة في دوائر جندوبة وباجة وتطاوينوصفاقس وسيدي بوزيد، كما أسقطت أربعة قائمات لكل من حزبي quot;الخضر للتقدّمquot; وquot;الاجتماعي التحرريquot; وهما من أحزاب الموالاة.

وتنتهي السبت المهلة التي ضبطها القانون لإعادة تقديم القائمات المُسقطة، وسط أنباء عن استعداد معظم الأحزاب لملمة القائمات التي تم رفضها ووضع بدائل لها.

quot;المبادرة الوطنية من أجل الديمقراطية والتقدّمquot; التي تقودها حركة التجديد اليسارية شهدت هي الأخرى تطورًا لافتًا، إذ انسحب الحزب الاشتراكي اليساري من هذا التحالف اليساريّ الذي أعلن عن ترشيح السيد أحمد إبراهيم للانتخابات الرئاسية.

واندلع سجال كبير وخلافات بين حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) والحزب الاشتراكي اليساري بسبب رئاسة القوائم الانتخابيّة.

وذكر بلاغ لحركة التجديد حول انسحاب الاشتراكي اليساري أنّ quot;أن احترازها على ترأس نوفل الزيادي العضو القيادي بالحزب الاشتراكي اليساري لقائمة المبادرة في دائرة quot;منوبة quot;مردّه مواقف سياسية وتحركات قام بها السيد الزيادي منذ مدة وآخرها حضوره النشيط في المؤتمر الذي انعقد بتشجيع من السلطة للقضاء على مكتب النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين- أول نقابة مستقلة يتمكن الصحفيون التونسيون من إقامتها، فعملت السلطة على القضاء عليها بشتى الوسائل بما فيها تسخير القضاء وترغيب الصحافيين وترهيبهمquot;.

ويرى متابعون أنّ التصدّع الذي أصاب القطب اليساري في تونس مردّه التحالفات المغلوطة مع الحزب الاشتراكي اليساري الذي يوصف بأنه quot;مقرّب من الحكومة و لا يمكن أن يضطلع بدور المعارضة المستقلةquot;.

ومن المتوقّع أن يؤثّر انسحاب الاشتراكي اليساري بشدة على أداء quot;المبادرةquot; خلال الانتخابات المقبلة و إن تمكنت عمليا من إعلان قائمات في كافة الدوائر البالغ عددها ستّا و عشرين دائرة. وفور انسحابه من المبادرة اليسارية تقدّم أنصار الحزب الاشتراكي اليساري بقوائم مستقلة في الدوائر الكبرى.

حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم قدّم من جهته مساء الجمعة 25 سبتمبر/أيلول ملفات قائماته المترشحة للانتخابات التشريعية في كافة الدوائر ، وبلغت نسبة التجديد في قائمات quot;التجمّعquot; 60 في المئة حسب مسؤوليه ، في حين بلغت نسبة حضور المرأة حدود الـ 30 في المئة ، كما لوحظ ترشّح بارز لعدد من رجال الأعمال المعروفين إلى البرلمان على غرار السيد صخر الماطري صهر الرئيس بن علي.

وأشارت تقارير صحافية محلية إلى أنّ حزب quot;التجمعquot; يستعدّ من الآن لإقامة احتفالات ضخمة بعد الإعلان رسميًا عن ظفر الرئيس بن علي بولاية رئاسية خامسة وقد تم تشكيل لجنة فنية للأعداد لتلك الاحتفالات.

وفي ما يخصّ الانتخابات الرئاسية، اختتم تقديم الترشحات بالمطلب الأخير الذي تقدّم به الدكتور مصطفى بن جعفر الأمين العام للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات الخميس الماضي مع إمكانية كبرى لرفض ترشحّه من قبل المجلس الدستوريّ.

وكان الرئيس زين العابدين بن علي أول من قدّم إلى المجلس الدستوري في 26 أغسطس الماضي ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها يوم 25 من الشهر المقبل ليتلقى المجلس بعدها أربعة ترشحات لكل من محمد بوشيحة الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية في 28 من الشهر نفسه، واحمد الاينوبلي الأمين العام للاتحاد الديمقراطي الوحدوي في 9 سبتمبر- أيلول الجاري واحمد إبراهيم الأمين الأول لحركة التجديد في 17 سبتمبر ndash; أيلول.

أما الحزب الديمقراطي التقدمي، وعلى الرغم من أنّ القانون يجيز له ترشيح أمينته العامة الحالية مية الجريبي ، إلا أنه تمسّك لوقت قريب بمرشحه المعلن المحامي أحمد نجيب الشابي الذي أكد أنّ التعديل الدستوري الذي أعلن عنه الرئيس بن علي في 2007 يهدف إلى quot;إقصائه شخصيًا من السباق الرئاسيquot;. و أعلن الشابي في أغسطس آب الماضي انسحابه من الانتخابات الرئاسية لـquot;عدم توفّر شروط دنيا للتنافس النزيهquot;.

يشار إلى أنّ عددًا من تشكيلات المعارضة التونسية غير القانونية اختارت مقاطعة الاستحقاق الانتخابيّ المقبل على غرار حزب quot;المؤتمر من أجل الجمهوريةquot; الذي يتزعمه الدكتور منصف المرزوقي وquot;حزب العمال الشيوعي التونسيquot; و حركة quot;النهضةquot; الإسلامية المحظورة.

ويرى الملاحظون في تونس أنّ الانتخابات المقبلة التي تشرف عليها وزارة الداخلية ،تخلو من أية إثارة أو تشويق كونها معروفة النتائج ولا يبدو أنها ستتضمن أية مفاجئات تذكر ، فالحزب الحاكم يستعدّ لإعلان فوزه الساحق لمرشحه وقوائمه البرلمانية وسط انتقادات من المعارضة المستقلة بتعبئته لأجهزة الدولة لخدمة حملته قبل الانتخابات بأكثر من سنة.

ومن المتوقع أن يحصل حزب الرئيس بن علي على 75 في المئة من المقاعد في مجلس النواب (259 مقعدا) في مقابل 25 في المئة للمعارضة (53 مقعدًا)، مع إمكانية واردة جدا لإبقاء quot;الحزب الديمقراطي التقدميquot;، الذي صنفه المراقبون على أنه أهم حزب معارض، خارج قبة البرلمان، ولعلّ رفض الإدارة قبول معظم قوائم الحزب للانتخابات التشريعية دليل على توجّه الحكومة غير الراغب في وصول quot;أحزاب مشاغبةquot; إلى مجلس النواب.

أما حركة quot;النهضةquot; فيبدو أنها اختارت إدارة الظهر لكل من الاستحقاق الرئاسي والتشريعي، فهي لم تدعم أي مرشح بصفة علنيّة ولم يسجّل ترشح أي من كوادرها لا ضمن قائمات المعارضة ولا ضمن قوائم مستقلة كما حصل في انتخابات سابقة.

وتعكف حركة quot;النهضةquot; على الاهتمام بوضعها الداخليّ في أعقاب الضربة الأمنية التي تلقتها في تسعينات القرن الماضي وأدت إلى انهيار جهازها التنظيمي بشكل شبه كليّ و تهجير معظم قياداتها إلى الخارج ، أما القيادات والكوادر في الداخل فتشير تقارير المنظمات الحقوقية المحلية والدولية إلى أنهم يتعرضون لمراقبة أمنية مشددة تمنعهم من ممارسة العمل السياسي.