"عندما اعرف روحك سارسم عينيك"، هذه احدى مقولات الفنان الايطالي اميديو موديلياني غير ان هذا الفنان لم يشتهر لا بالكتابة ولا بالأدب ولا بالقصائد بل عاش حياته القصيرة وهو يرسم ويرسم ويرسم ثم ينحت وينحت وبين هذا وذاك كان ينجز رسومات. &وللوحات موديغلياني نفس خاص ونكهة متميزة لا يمكن ان يخطئها المرء بعد رؤيتها لأول مرة ويقول البعض إن هذا الفنان لا يحتاج الى توقيع لوحاته باسمه لان فتياته اللواتي يظهرن في اعماله يتميزن جميعا بطول الوجه … وهذا هو توقيعه المميز. &

لكن طول الوجوه هذا وانسحابها الى الاسفل ثم انحرافها قليلا الى الوراء في نهاياتها عند منطقة الحنك لم يعجب الكل في زمانه فرفضوه وتركوه يتخبط في حالة فقر شبه مدفع حتى موته في السادسة والثلاثين من العمر.&
غير ان الامور سرعان ما اختلفت بعد موته، كما كان الحال مع فنان آخر من الملعونين في تاريخ الفن مثله وهو الهولندي فنسنت فان كوخ. واليوم سيجمع متحف الفن الحديث في بلدة فيلنوف داسك قرب مدينة ليل في شمال فرنسا ما لا يقل عن 100 عمل لموديغلياني في معرض يغطي مجمل اعماله وحياته وسيظل مفتوحا حتى الخامس من حزيران (يونيو) المقبل وبعدها سينتقل الى بودابست ثم الى هلسنكي.
&
بعض حياته
ولد موديلياني في مدينة ليفورنو التي تقع منطقة توسكانيا في ايطاليا لأسرة يهودية من المتعلمين والمثقفين غير انهم كانوا لا يملكون اي ثروة وامضى شبابه وحتى الثانية والعشرين من العمر يدرس الفنون الايطالية في فترة النهضة وغيرها ويتجول في متاحف روما وفينيسيا ثم ما لبث ان انتقل الى باريس في عام 1906 ليتعرف على عالم فني مختلف تماما بوجود فنانين من امثال بابلو بيكاسو وغيره.&وفي باريس كان الفنان يمضي وقته في التجول في قاعات متحف اللوفر وقصر تروكاديرو واماكن اخرى يتواجد فيها الفنانون واعمالهم مثل مونمارتر قبل ان ينتقل الى منطقة مونبارناس في وقت لاحق وهو حي استقبل في ذلك الوقت عددا كبيرا من الفنانين الذين لا يملكون الكثير من المال لدفع اجور الشقق التي يسكنون فيها. &

محاولة فهم
وتقول جان باتيلد لاكور احدى القائمات على تنظيم المعرض إن الناظر الى لوحات موديلياني يعتقد انه فنان بسيط ومباشر فقط غير ان "التطلع في تفاصيل اعماله يقود الى عالم أكثر تنوعا وتعقيدا مما نعتقد" وتضيف "موديلياني صاحب اسلوب لا يضاهيه فيه أحد وبنى خصوصيته على اساس معلومات واسعة جدا كسبها من اعمال معاصريه ومن آخرين بعيدين عنه زمانا ومكانا".&وعرف موديلياني انه كان يتطلع ويتأمل كل الفنون، الاوروبية منها والاجنبية، والتي كان يستطيع رؤيتها ومنها والافريقية واليونانية والمصرية والاسيوية. &وقالت ماري اميلي سينو احدى المسؤولات عن تنظيم المعرض "رسم موديلياني نساءا ووجوها نسائية طوال حياته القصيرة وكأنه اراد ان يخلق انموذجا للجمال المثالي لامرأة مثالية واعتمد في ذلك على ما التقطه من عناصر ثقافات اخرى".&
وقالت لاكور ان الفنان أخذ الوجه المتطاول مثلا مع انحراف الحنك الى الوراء من الفن الافريقي كما اخذ من آسيا ومن فنون الخمير والبوذيين عيونا مغلقة بلا جفون فيما استعار من الفن الديطالي الديني والاغريقي القديم طابع البساطة والرؤية المباشرة الواضحة دون التفاف ولا دوران ولاحظت لاكور ان ذلك حدث في زمن شهد قيام بابلو بيكاسو بتفكيك اجزاء الجسم والوجه ثم ربطها مجددا في حوار من نوع آخر.&

العين الداخلية
من ضمن ما يمكن رؤيته في المعرض اعمال نحتية تعكس وجها آخر غير معروف تماما للفنان.&وتذكر روايات عن حياته أنه لجأ الى النحت في لحظة يأس من بيع فنه غير أننا نشاهد في هذه المنحوتات ايضا وجوها متطاولة تشبه ما في اللوحات.&وتقول لاكور "لا نعرف كل منحوتات الفنان ولكنه اراد ان يطرح نفسه نحاتا في فترة ما من حياته. ومن اهم اعماله رأس امرأة مستلقية بمعالم هندسية يعود تاريخه الى 1913".&يعود تاريخ آخر اهم معرض نظم للفنان الى عام 2002 في قصر لوكسمبورغ في باريس. ومنح المنظمون المعرض الحالي عنوان "العين الداخلية" وهي عبارة وردت في رد موديلياني على سؤال احدهم عن سبب رسم وجهه بعينين احداهما تكاد تكون بنظرة فارغة فيما تبدو الاخرى شبه مغلقة بالجفن.&
وتقول صوفي ليفي مديرة المتحف ومحافظته إن موديلياني رد بالقول "انت تنظر الى الخارج بعين فيما تنظر نحو الداخل بالعين الاخرى".&عاش موديلياني فقيرا واصيب بالسل ومات في عام 1920 وانتحرت حبيبته التي كانت حبلى بطفله بعد موته مباشرة.&وبيعت لوحته "عارية نائمة" بمبلغ 170.4 مليون دولار في دار كرستي في نيويورك في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي لتكون بذلك ثاني اغلى عمل فني يباع في المزاد بعد "نساء الجزائر" لبيكاسو.&