يزور هذه الأيام مؤلف "إسطنبول" و"متحف البراءة" العاصمة الإسبانية مدريد للمشاركة في حفل تكريم ماريو فارغاس يوسا.ي
&
يزور إسبانيا هذه الأيام الكاتب التركي الأصل أورهان باموك بمناسبة تكريم زميله ماريو فارغاس يوسا "الذي تعلمت منه الكثير". يقول باموك، المقروء في كل أرجاء العالم، أنه روائي سعيد، ولكن يتساءل "هل أنا شخص سعيد؟".
صدرت في خريف 2014 رواية باموك "شئ غريب في رأسي"، والتي تناول فيها حكاية القروي الذي يسافر إلى إسطنبول، تلك المدينة التي تذهله منذ إنتقاله إليها.
صحيفة "الباييس" إلتقت الكاتب التركي، الحاصل على جائزة نوبل للآداب سنة 2006، وأجرت معه الحوار التالي:
&
ينتقل مولود، بطل روايتك، إلى إسطنبول. تخيّل أنك تفعل ذات الشئ الآن وتنتقل إلى تركيا. ما الذي كنت ستقول لبلدك؟
- من الجلي أنني أشعر بالحنين لمرحلة الشباب من حياتي . غير أن جزءاً من ذهني يعرف أن الحنين يتعلق بالمتذمرين الكبار في السن. وأنا أريد أن أكون ذلك الشاب الذي يعي أشياء جديدة. أريد أن أفهم إسطنبول الحديثة، حيث تكثر ناطحات السحاب. أما من الناحية السياسية، أنا أمنع نفسي من الحنين.أريد أن أرى ذاتي من خلال قوى التغيير. أنني أزداد شيخوخة في كل يوم، ولدي العديد من المشاريع الأدبية، وأدرك أنه في كل مرة تقل نشاطاتنا الحياتية. أريد العمل بجدية أكثر. لكن أنا سعيد، وأنا روائي سعيد، ورواياتي تُقرأ في كل أرجاء العالم، وهذا يجعلني محظوظاً.
&
وفي السياسة، ما الذي تقوله لبلدك؟
- لسوء الحظ هذا هو الأكثر حزناً والأكثر مدعاة للقلق. يقود تركيا، رئيس يزداد إستبداداً في كل مرة، ويمزق بلدي. هناك إنتخابات، لكنها الديمقراطية الوحيدة لدينا، ولا نتمتع بديمقراطية كاملة، نحن دولة ديمقراطية من دون حرية في التعبير. وتحديداً، محظور على الصحافة إنتقاد الحكومة، وغالباً ما يتم الإستغناء عن الصحفيين عبر الضغوط المفروضة على الشركات، أو التهديدات. كان لي صديق &في السجن، وآخر تمّ إستدعائه للمحكمة. أن ذلك هو ما يقلقني ويجعلني غير سعيد. هذا ما أقوله لإسطنبول ولبلدي. لكن أنا سعيد هناك، ولا يمكن أن أعيش في أي مكانٍ آخر. أمضيت 64 عاماً هناك، حياتي، التغيير خلال السنوات ال 14 الأخيرة أكبر من الخمسين سنة الأخيرة. أنه أمر يقلقني ويحزنني.&
&
كنت تقول منذ سنوات أن الإنضمام إلى أوروبا سيجعل تركيا أكثر حرية وديمقراطية. هل لا زلت تحتفظ بنفس الرأي بالنسبة لأوروبا اليوم؟
- قال لي أحد الصحفيين المخضرمين في برشلونة حينها "إذا كانوا قد وافقوا لأن ننضم إليها، فسوف يسمحون لكم بالإنضمام أيضاً". حتى أوروبا المتشائمة والطوباوية تعاني من المشاكل: أزمة المهاجرين بدأ تأثيرها واضحاً على القيم في أوروبا. والإتحاد الأوروبي، مقابل مبالغ مالية، يدعو تركيا لبناء جدار بغية تصفية المهاجرين غير المرغوب فيهم. هذه الأزمات بدات تؤثر على قيم أوروبا في المساواة والحرية والأخوة، لا سيما ما يتعلق بالأخوة. من الصعب الحفاظ على هذا الإيقاع في هذه الحالة. كنت أكن إحتراماً كبيرا لأنجيلا ميركل، وبدأت أتعاطف معها لوقوفها إلى جانب المهاجرين، لكنها بدأت تفقد العديد من الأصوات، وأصبحت بحاجة إلى تركيا. هناك حزب إسلامي شرع بتصفية مسلمين من أجل عدم الإنضمام إلى أوروبا، ولكي تدفع لهم أوروبا، هذا ليس بموقف جيد لأي شخص.
&
في الصورة الأوروبية اليوم هناك المزيد من أعمال العنف اليومية: باكستان، بروكسل، باريس... كيف يؤثر هذا المشهد على كاتب معاصر؟
- أنهم يفجرون القنابل في كل مكان، لكن في السبعينات كانت تنفجر القنابل في إسطنبول، وقد تعلمت في ذلك الوقت أن النشاطات السياسية الإرهابية لا تساعد على حل المشاكل. أن هذا النوع من الرد على الأشرار ليس حلاً، وفي الواقع يشكل جزءاً من المشكلة لأنه يمنع التفكير في سبب وقوع الأحداث. وأرى للأسف الشديد أن ردّ فعل أوروبا على الإرهاب، من خلال وسائل الإعلام، يأتي بطريقة ميلودرامية، وقومية. أعتقد أنه من المستحيل تقريباً وقف الإرهاب. نحن بحاجة إلى المزيد من الجهود لفهم ما يحدث بدلاً من المحاربة كما يحدث في فرنسا مع الشرطة والجيش. أن الإرهاب، أو هذا النوع من الصراع، كالحرب التي تشنها تركيا ضدّ الأكراد، لا يمكن حلها إلاّ من خلال محاربة المشكلة بالطريقة الأكثر عمقاً.
&
في روايتك الأخيرة هذه يشهد مولود ظهور الإسلام السياسي... هل هذا الإسلام ضبابي المعالم الآن؟
- بالنظر لإمتداد مشهد الإسلام السياسي بشكلٍ واسع، لذا لا يمكن إستيعاب ما يحدث &ضمن مفهوم واحد فقط. هناك أصولية أكثر قسوة وبدائية وعنفاً، مثل التي وصفتها في رواية "ثلج". هم قتلة، في غاية الرعب، من دون مسؤولية. لكن، هناك أيضاً إسلاميين، كما المنتمين إلى الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني، الذين يشبهون الإسلاميين في خطاباتهم، ويحصلون على الأصوات، لكن لا أحد يُقتل أبداً. لا يمكن أن يُفهم الإسلام السياسي كوحدة واحدة. الناس الذين يضعون تنظيم "داعش" والإسلاميين المعتدلين في كفة واحدة يرتكبون خطأ. بلى، أنا أعتقد ذلك.
&
&في روايتك "متحف البراءة" هناك نظرة عاطفية تجاه أوروبا. أما في "شئ غريب في رأسي" فأنت تنظر نحو تركيا...
- سواء في "متحف البراءة"... أو في كتابي "إسطنبول"، وجهة النظر تعود إلى الطبقة المتوسطة الراقية. ننظر إلى أوروبا من حيث مواقف أوروبا فيما يتعلق بحقوق الإنسان، والمرأة، والديمقراطية، الإرتقاء إلى ما حققته باريس...، هذه الأمور التي تبحث عنها شخصيات الرواية منذ قرنين من الزمن. لكن بطل "شئ غريب في رأسي" يمثل الشخصية المحافظة في داخل تركيا، لا يهمه أمر أوروبا، نظرته إلى العالم إسلامية، وكلاسيكية جداً. هذا هوبلدي، البعض ينظر إلى جهة، والبعض الآخر يوجه نظره إلى جهة أخرى.&

في كتبك، وتحديداً الثلاثة الأخيرة "إسطنبول"، و"المتحف"، و"شئ غريب في رأسي"، تبحث عن السعادة... هل أنت شخص سعيد؟
- &أنا روائي سعيد، لكن، شخص سعيد؟ لست متأكداً من ذلك. لقد بلغت مرحلة من حياتي لا أرى من خلالها أن الغاية من الحياة هي السعادة، بالنسبة لي على الأقل. أنا أعرف أن هناك دافع، رغبة في داخلي، كي أكون سعيداً، وأعلم أنه تناقض، وأعتقد أن أهم شئ هوالبحث عن معنى، عن شئ مفقود، البحث عن حقيقة مخفية. ربما نقلت هذا الوضع النفسي إلى رواياتي. أعتقد أن الرواية الجيدة تمثل المكان الذي تتجسد فيه القيم الأكثر أهمية في حياتنا بصوتٍ عالٍ. عندما تنتهي من قراءة "آنا كارنينا" ستخرج بفكرة عن ماهية الحياة الحقيقية. السعادة مهمة، بطبيعة الحال، لكن بماذا يمكن مقارنتها؟ الصداقة، الولاء، أن يكون لك مستقبلاً، التعليم...، هذه الأشياء تمثل قيم الحياة الأساسية، وعندما تقرأ رواية تبرز فيها هذه القيم أيضاً، أنها موجودة هناك تعلمك معنى الحياة. وتعد الروايات أفضل مكانٍ للحديث عنها كلما تمعنت في القراءة. &&
&