الساحة قرية تراثية تغزو المدن الحديثة
قرية الساحة التراثية مشروع خيري يتجه نحو العالمية


علي آل غراش من بيروت:الساحة اسم قرية تراثية حديثة فرضت نفسها على خريطة لبنان الصغير الحجم الكبير بتنوعه التضاريسي والثقافي والديني والسياحي بسرعة فائقة جدا... لتكون معلما من معالم لبنان الجذابة، لما تملكه من مقومات هائلة تترجم عملية ثقافة العيش المشترك للشعب اللبناني.
شُيدت القرية بالحجر اللبناني القديم الرملي والحجري على نمط الضيعة وبالأدوات البسيطة التقليدية وعبر توظيف جميع تلك الأدوات quot; قناديل الإنارة والأبواب والشبابيك والطناجر والتنور والجرار الفخارية والزجاجية والطاحونة والأسلحة العتيقة والزخارف الحجرية القديمة...وآلاف القطع الأثريةquot; لتحكي تقاليد وعادات الشعب اللبناني الأصيل، انها متحف حي ينبض بعناصر العمارة التقليدية والبيئية والتراثية والزخرفية، بعبق الماضي في زمن العولمة.

يعيش الزائر للقرية لحظات من الزمن الممتعة في أجواء ثقافية تراثية ريفية في آن.. لما تحتويه القرية على متحف وبيت للشعر ومكتبة ضخمة ومسرح وقاعات وفندق ومطعم يحتوي على الأطعمة الريفية الأصيلة الكبة والفتة ومناقيش الصاج والخبز البلدي المرقوق والقهوة البعلبكية... وغيرها من كل ما لذ وطاب من السفرة اللبنانية الشهيرة.

قرية الساحة التراثية فكرة رائدة quot;تابعة لمشروع خيريquot; أثبتت نجاحها منذ انطلاقتها وخير دليل على ذلك الإقبال الكبير من داخل لبنان من جميع الشرائح والفئات، ومن خارج لبنان، حيث بلغ عدد الزوار أكثر من مليونين زائر منذ افتتاحه في منتصف عام 2002م.، وافتتاح عدة فروع في عدد من الدول بنفس الاسم (الساحة) والعمارة.

من أهم عوامل نجاح المشروع براعة التصميم (العمارة) من قبل مهندسين اثبتوا قدرتهم الفائقة على أحياء التراث اللبناني الريفي في مدينة بيروت الإسمنتية الحديثة عبر نظرية quot;العمارة التدويريةquot;... تجبر كل من يشاهدها ويتجول في قاعاتها المتنوعة الثقافية والعلمية والتراثية على احترام المصممين والعاملين.

قرية الساحة التراثية تحولت إلى منارة تراثية شامخة تخطف قلوب الناظرين والعابرين من وإلى مدينة بيروت باتجاه المطار. حيث إنها تقع على طريق المطار على أطراف الضاحية الجنوبية من بيروت.
قرية تجسد كل معاني رفع التراث كشعار للأصالة وتأكيد للتاريخ،... والحقيقة أن الساحة قرية تغزو المدن الحديثة بمعمارية تراثية.


فكرة المشروع
انطلقت فكرة مشروع قرية الساحة من قبل المهندس المعماري جمال مكة،مدير عام quot;مجموعة سنابل للدراسات الحضرية والتصميم المعماريquot; التابع لـ quot;جمعية المبرات الخيريةquot; وهي جمعية خيرية هدفها تربية ورعاية الأيتام والمعوقين لا تعتمد على التبرعات (تابعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله) حيث قام بدارسة مشروع إنتاجي يكون واحداً من جملة المشاريع الإنتاجية الخيرية يشيد على عقارات تملكها الجمعية على طريق المطار مساحتها 8700م2. لتكون رافدا ومصدرا تؤمن الدخل اللازم للمحافظة على مستوى متطلبات وتطلعات الجمعية في ظل توسع أعمالها الخيرية وزيادة عدد مؤوسساتها.

مواجهة التحديات
وقد واجهت القائمين على المشروع تحديات كبيرة منذ البداية كما يصفها المهندس المعماري جمال مكة: واجهتنا مشاكل منها موقع هذه العقارات، الذي لا يتمتع بأية مواصفات جمالية كونها لا تطل على بحر أو جبل... لذا كنت أتساءل: ماذا نستطيع أن نقدم على هكذا عقارات بهذه المواصفات، وما المشروع السياحي المناسب؟ إذ يوجد في لبنان 5000 مشروع سياحي quot;مطاعم وفنادق ومدن ترفيهيةquot; في مناطق سياحية تتمتع بكامل عناصر الجذب السياحي، فما الذي سيدفع الناس ليقصدوا هذا المكان؟ وكيف يمكن أن يكون هذا المشروع عنصر جذب لكل فسيفساء لبنان والعالم وما هو القاسم المشترك بين كل هؤلاء؟
ويضيف المهندس مكة: انطلاقاً من موقع لبنان السياحي، كان التفكير بإنشاء مشروع سياحي يطغى عليه طابع العمارة التراثية أو التقليدية.. اعتمادا على فكرة راسخة في الذهن وهي الحنين إلى الماضي. كما تحدث عنها الكاتب اللبناني أنيس فريحة في كتابه quot;القرية اللبنانية حضارة على طريق الزوالquot; محذراً فيه من اندثار القرى. لتكون الفكرة بداية مستقبل واعد حيث استعنّا كمعماريين بخيال الكاتب وجسدناه في هذا المكان عبر فريق مكون من حوالي 50 مهندساً وبجهود 300 عامل.


ويشير المهندس مكة للمشاكل والعقبات التي واجهتهم لتطبيق فكرة المشروع:
أولاً: كلفة إعادة تأهيلها للاستعمال تفوق كلفة المواد الجديدة في أكثر الأحيان. وقد تم تخطّيها قدر الإمكان، خاصة بالنسبة للحجر الرملي،... وقد بلغ عدد الحجارة هذه حوالي 145 ألف حجر تعود إلى 23 منـزلاً تراثياً تم تهديمها في بيروت ويتراوح تاريخ بناؤها بين الـ100 و150 سنة.
ثانياً: نوعية هذه المواد وطبيعتها أصبحت محدودة الاستعمال في تصاميم المباني الجديدة....، مما يعني حدودية التصميم لقلة الإمكانيات.


أهداف المشروع
وقد تنوعت أهداف المشروع لتشمل: توفير فرص عمل لحوالي 250 موظفاً و بالتالي يوفر حياه كريمة لمائتين و خمسين عائلة 90% منهم لبنانيو الجنسية. إيجاد ملتقى لكافة شرائح المجتمع على اختلاف انتماءاتهم و تطلعاتهم و مستوى معيشتهم، في جو عائلي. إنشاء قرية تراثية بلمسة ثقافية تراثية ومعمارية جلية معالمها تخلق عوامل تفاعلية بين الإنسان والتراث وتوجِدُ فضاءً مشتركاً يجمع شرائح وثقافات المجتمع عبر ترجمة عملية لثقافة العيش المشترك من معمارية وتراثية وأدبية في آن.


الفكرة المعمارية للمشروع


وشرح المهندس المعماري جمال مكة الفكرة المعمارية التراثية للمشروع قائلا: من واجبنا نحن كمعماريين إرساء قواعد عمارتنا العربية والإسلامية في وقت تستشري فيها الحضارة المستوردة وتنتشر في مدننا وقرانا داخلة بيوتنا دون اعتبار لتقاليد أو أعراف ليرقص على أنغامها كل أولئك الذين خلعوا انتماءاتهم وأعمت أبصارهم كرنفالات الألوان مرسومة على كتل الإسمنت والحجارة الصماء،.. فكان اعتماد مبدأ العمارة التدويرية لتكون ضمن أولوياتنا في العمل، الذي ساهم في المحافظة على البيئة عبر اختصار الطاقة وتخفيف الضغط عن الأماكن المخصصة لطمر النفايات الخاصة بالأبنية المهدمة.
مشروع قرية الساحة التراثية جسد كل تلك المعاني ورفع التراث شعاراً للأصالة وتأكيداً للتاريخ، وضب موؤنته ونزح بها إلى المدينة في خطوة فريدة ليكون حنيناً إلى مرابع الطفولة التي لها في أعماق نفوسنا ذكريات لا تنسى.

توجه نحو العالمية
النجاح الكبير لقرية الساحة التراثية ببيروت حيث بلغ عدد الزوار أكثر من 2 مليون زائر وسائح من داخل وخارج لبنان أدى إلى تفكير الإدارة بفتح فروع جديدة و التوجّه نحو العالمية والإنفتاح على المجتمعات الأخرى ونقل حضارة وتاريخ لبنان الجميل إلى دول وحضارات أخرى بنفس الإبعاد التراثية والثقافية والأدبية. حيث للمشروع الذي افتتاح في تموز 2002م على ارض مساحتها 7800 متر مربع بالضاحية الجنوبية ببيروت- له فرع في الدوحة العاصمة القطرية افتتح في عام 2006م ndash; وفرع السودان سيتم افتتاحه قريبا، بالإضافة إلى العمل على افتتاح فروع جديدة في الجزائر والكويت....

عناصر الساحة التراثية
يتكون مشروع الساحة التراثية : من سور الضيعة : وهو عبارة عن جدارية تحكي حكاية القرية اللبنانية من عدة عناصر تراثية قديمة من الحجر الرملي، مثل دواليب العربات، النورج، جواريش القمح، أجران حجر طبيعي قديم، جرة فخار، خابية زيت، بالإضافة إلى العناصر المعمارية التراثية مثل: القمريات، المزاريب، الفجوات والشرافات، و المندلون الرباعي ( عنصر معماري تراثي لبناني عبارة عن نافذتين مجتمعتين بقوس واحد مع حوض للنباتات ونافذة منفردة على كلا الجانبين.
مدخل الساحة التراثية الغربي على شكل قنطرة مدببة مع قمريتين كبيرتين ومزرابين ضخمين، تنتهي بطبة مفرزة ثلاث فرزات تحتها أظفار منحوتة، وفوقها شرافات مربعة. تتوزع أشجار النخيل خلف التصوينة لتبرز من فوقها فتوحي بوجود الساحة الخارجية التي تحضنها.
ساحة الضيعة ( السطيحة): وهو أهم عنصر في المشروع،الذي يتوسط القرية ويشكّل القلب النابض للقرية.
مطعم ساحة عين الضيعة: يطل على الساحة والعين وتشرف عليه مجموعة بيوت نموذجية تحاكي مساكن الفلاحين بأدق تفصيلاتها الداخلية والخارجية.ام القاعة الخاصة المسماة بـ quot;بيت أبو أحمدquot; فهي تحتوي على عناصر معمارية وتراثية خاصة بالبيت اللبناني، مثل الكواير المختلفة الأحجام، واليوك حيث توضع الفرشات والأغطية نهاراً والموقد الخاص بالتدفئة واللقايات الخاصة بالجرار والأبواب الخشبية القديمة العائدة لبيوت تراثية مهدمة.


- عين الضيعة :
قاعة السلاملك من الداخل
- السلاملك القبو: قاعة للفنانين والمبدعين، للاحتفالات، للندوات والأفراح، وهو مجهز بأحدث الوسائل السمعية والبصرية.
- فرن الضيعة ( تنور وصاج... ) وهو عبارة عن سناك يقدم جميع أنواع المعجنات بالإضافة الى أرغفة الخبز الطازجة والساخنة مباشرة الى الزائرين الذين يستطيعون مراقبة طريقة العجن والخبز من مكان جلوسهم في ساحة العين.
- البحرة ( العين،الساقية،السبيل،الشلال،البئر، النبعة ).
( القلعة ) ساحة العين: تتكون من الأشجار وخاصة القديمة منها كالزنزلخت والرّمان والبلان والصنوبر وغيره.
المسرح المكشوف : يقع في الجهة الشمالية من ساحة العين يرتفع عن مستوى أرض ساحة العين و يتم الوصول إليه بواسطة درجين من كلا الجانبين، وقد أفاد هذا الارتفاع في تحديد مكان عنصر quot;العينquot; الذي لا تخلو منه قرية.
وتشكل الجدارية تأمين المكان المرتفع الذي يتدفق منه شلال المياه عبر فجوة قوسية تشبه المغارة تتساقط المياه منها لترتطم على بلاطات رخامية متدرجة ومختلفة المستويات، فتصل إلى المجرى الذي يلتف حول المسرح حيث quot;العينquot; والناعورة والجواريش.
- المبنى الدائري
تشرف القلعة على عناصر القرية الرئيسية، إذ تقع جانب قاعة السلاملك من جهة ومبنى المطعم من جهة أخرى ويلتف حولها قسم من الدكاكين التابعة للسوق، كما تشرف من ناحيتها الشرقية على ساحة العين. يقع فيها مركز الإدارة الخاصة بالقرية، كما تشمل على قسم الخدمات والمصلى.
منتزه الساحة الثقافي (منطقة البيدر والحرش):
محترفات وألعاب للأطفال، يمكن الوصول إليها من منتزه الساحة، وتضم محترفاً للرسم، ومحترفاً لأعمال الطين، وآخر لأعمال الخشب بالإضافة إلى عدة ألعاب ترفيهية وتثقيفية مثل المطالعة والتدريب على الكمبيوتر، ومسرح دمى للأطفال (بيت بيوت)،ومطبخ لتعليم فن الطبخ وخاصة الأكلات التراثية القديمة.
- الحرش والبيدر: يتكون على عدد من الفسحات التابعة للمنتزه والمخصصة للأطفال مع ألعاب تناسب أعمارهم.
- المزرعة ( حيوانات القرية ): يتم التحضير حالياً لتأمين حديقة صغيرة للحيوانات والطيور الداجنة.
- بيت الشعر العربي: منتدى ثقافي،ملتقى الشعراء والأدباء،ليكون خامس بيت شعر في العالم العربي، يشار إلى أن البيوت الأربعة الأخرى موجودة في تونس والمغرب والأردن والإمارات العربية المتحدة. ويتوقع القائمون على المشروع ان البيت سيشكل كياناً أدبياً يستقطب الشعراء والمثقفين اللبنانيين والعرب. فهو يضم ديوانية للقاء الشعراء وتنادرهم، وقاعة كبيرة مخصصة لإقامة الأمسيات الشعرية على مدار العام، وأخرى لتعليم الطلاب فنّ الإلقاء الشعري والخطابة، ناهيك عن مكتبة تحوي سبعة آلاف ديوان شعري.
- الطابق الأول والثاني:
- صالة متعددة الأغراض ( العلية ): تقام فيها الموالد الخاصة بالأفراح وغيرها من المناسبات السعيدة. ومثل باقي مباني القرية. قمرية من زجاجات مياه الشرب


- متحف الساحة التراثي: ( يتحدث عن القرية اللبنانية وتراثها من الماضي مروراً بالحاضر وصولاً إلى المستقبل ).
- الموتيل quot;فندقquot;( الخان ): عبارة عن موتيل يضم عدّة غرف للضيوف، كلّ منها منفذة بطراز يختلف عن الآخر ليشكل عرضاً لنماذج البيوت التراثية اللبنانية وخاصة الطرز المعمارية التقليدية، بالإضافة إلى سوق تجاري للتسوق quot;مولquot; موجود في الطابق الثالث.

قرية الساحة التراثية تجسد كل معاني رفع التراث كشعار للأصالة وتأكيد للتاريخ،... في خطوة فريدة ليكون حنيناً إلى مرابع الطفولة التي لها في أعماق النفوس ذكريات لا تنسى... والحقيقة أن المشروع الخيري الساحة قرية تغزو المدن الحديثة وتتجه نحو العالمية بمعمارية تراثية وأجواء ثقافية وأدبية وسفرة طعام راقية المذاق.


التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الاحد 1 نيسان 2007