حيدر البدري من الحلة (العراق): الفساد الاداري هذا السرطان الذي تفشى بين كل مفاصل و مؤسسات الدولة .. هذا المرض المعدي الذي ينتقل بسرعة الضوء من دائرة الى اخرى ومن مؤسسة الى اخرى هذا المرض الذي جعل العراق في قمة هرم الدول ليس من الناحية الاقتصادية او السياسية او حتى الرياضية بل من ناحية الفساد المالي والاداري (ايلاف) تجولت في مدينة الحلة وحاورت بعض المواطنين حول هذه الظاهرة وطرق مكافحتها والقضاء عليها....

سعر الحاسبة المجهزة للدولة يزيد عن سعرها للمواطن
في بداية جولتنا في اسواق مدينة الحلة التقينا المواطن (ابو علي ) صاحب مكتب حاسبات سألناه: كيف تنظر لظاهرة الفساد الاداري ؟؟ .. عزيزي الفساد صار مهنة للكثير من موظفي الدولة صار اسهل ما يمكن كي تسير معاملتك ان تدفع بالتي هي احسن نعم فبدلا من ان تنتظر شهرا ربما بكم ورقة خضراء تستطيع ان تختصر الوقت .. وهل صادفتك حالة فساد اثناء عملك مثلا؟؟ يا عزيزي ابسط الحالات ان مسؤول لجنة مشتريات اي دائرة يتفاوض مع اكثر من مكتب حاسبات حول نسبته قبل تجهيز دائرته قاطعته قائلا : كيف وضح اكثر ؟؟ اجابني ابو علي مسترسلا : اذا كان سعر الحاسبة 400 دولار مثلا يتفق مع صاحب المكتب على وصل بسعر 600 دولار او على وصل ابيض .. سألته: وهل وافقت على مثل هذا العرض ؟؟ اجابني بلا تردد : نعم. اذن انت شريك في االفساد .. يا اخي انا مضطر لان ابيع اذا لم اقبل بهذا ولم اقبل بذاك فكيف يمشي العمل ؟؟؟ اذن وحتى لا اطيل عليك في الاسئلة كيف ترى امكانية القضاء على الفساد : برايي بالاختيار الصحيح للمسؤولين ومراقبتهم مراقبة شديدة وهنا يكمن دور المسؤولين عن هذا الامر من مفوضية النزاهة او غيرهم ..

حاميها حراميها
ذهبت لاواصل جولتي حينما التقيت باحد اصدقائي القدامى من الخطاطين وبعد تبادل مجموعة من الاحاديث سالني عن احوالي الشخصية واموري العامة اخبرته اني بصدد كتابة تحقيق عن الفساد الاداري فحدثني بحديث بعد ان اكد علي ان لا اذكر اسمه وقال اسمع هذه القصة .. جاء لي مجموعة اشخاص يتسمون بالكياسة والاناقة عرفوا نفسهم انهم من احدى منظمات المجتمع المدني الذين يعملون في مجال التوعية ضد الفساد الاداري واتفقوا معي على خط مجموعة من اللافتات ضد الفساد الاداري ومجموعة من اعلانات الفلكس وبعد الاتفاق على المبلغ سحبني اكبرهم بهدوء الى زاوية محلي وهمس في اذني quot; (( اذا ممكن ان تعطينا وصل فارغ لان الاخوة يريدون تناول الغداء وهذا غير ممكن طبعا بدون زيادة طفيفة على اسعار المواد المشتراة من حضرتكم )). وذكرني حديث صديقي العزيز بحديث اخر سمعته من احد اقاربي حيث قال اردت ان اسافر العام الماضي وقت ازمة الجوازات وكان سعر الجواز (غير الرسمي طبعا ) 200 دولار وعندما سلمت المبلغ (لواسطة الخير) وجاء لي بالجواز قال (يجب ان تدفع ايضا 50 دولار اخرى بسبب ان الاخوان في النزاهة بدأوا الدوام معنا وهم يريون حصتهم كذلك. ) .

عن التعيين وامور اخرى
كنت جالسا في المايكرو باص (يسمى محليا الفورت) فكما تعلمون ان سعر البنزين ارتفع وتضاعفت بذلك كلفة التاكسي وكان يجلس بجانبي شاب يحمل فايلا احمر وتبدو على وجهه تعابير الترقب احسست بفضولي الصحفي يتحرك سالته (هل تبحث عن تعيين ؟؟) اجابني وكانه كان ينتظر هذا السؤال بالذات (وكأن التعيين متوفر؟؟ في كل يوم احضر فايل واقدم اخر وبلا فائدة) سالته ولكن الكثيرين يتعينون !! اجاب: (اخي اذا لم تكن تدفع فليس هنالك من فائدة لا يعينك احد ) سالته (وكيف تتوقف هذه الحالة برايك؟؟) اجاب ( من خلال وضع لجان موثوق بنزاهتها في التعيين ) سالته بخبث ( ولماذا لا تخبر عن هذه الحالات اذا كنت تعلم بها؟؟) قال ( اولا ليس لدي مستمسك لان من يعملون بهذا المجال يملكون من الذكاء ما يكفي للتستر عن عملهم ثانيا بربك ماذا فعل المسؤولون عن مسالة الفساد حتى الان ؟؟ لم نسمع باي شيء حدث على مستوى فضائح كبيرة طالت مسؤولين كبار في الدولة تتحدث بها الفضائيات ليل نهار ) وما الحل برأيك سألته (ان تعمل هذه الجهات كمفوضية النزاهة وان يعمل الاعلام على فضح هذه الممارسات باستمرار وان يتحرك الناس الذين انتخبهم الشعب وكانت كل برامجهم متوجهة بهذا التوجه أي مكافحة الفساد المالي والاداري ).

ارهاب وفساد
الفساد الاداري والارهاب توامان متلاصقان كما يجسد الواقع ذلك حيث من اين ياتي الارهابيين بتمويلهم.. كانت هذه الفكرة للسيد احمد الخفاجي رئيس اللجنة الساندة للنزاهة ndash; الفرات الاوسط : ربما يكون خطرالفساد الاداري موازيا لخطر الارهاب وبرايي نستطيع قمع الارهاب من خلال القضاء على الفساد الاداري وعند سؤالنا عما حققته لجنتهم من اعمال اجاب : قمنا باقامة الكثير من المؤتمرات و الندوات وورش العمل مع مختلف شرائح المجتمع وخاصة الموظفين اضافة الى محاولة الكشف عن حالات الفساد.


راي الدين
للفساد ابواب كثيرة ينفذ منها ويتغلغل الى كل مفردات حياة المواطن فكل ما يخص المواطن عرضة للتلاعب والخراب من البطاقة التموينية الى المحروقات الى التعيينات الى المعاملات ولا تنتهي القائمة..
لاهمية هذا الموضوع ومساسه المباشر بكل تفاصيل حياة المواطن حملت اوراقي وذهبت الى مكتب الشيخ سعيد الحلي التدريسي في جامعة الحلة الدينية لاستمع الى وجهة نظر الدين الذي تحدث لي قائلا :ان مسألة الفساد الاداري تنشأ من وضع المسؤولية الادارية في غير محلها ، فاحيانا يحدث الفساد الاداري عن قصور المسؤول واخرى عن تقصير ناشئ عن دوافع معينة ، مما يؤدي الى هدم النظام الاداري للبلد الى ان يكون البلد فريسة سهلة بيد الاخرين ، ولهذا السبب انهارت الدولة الاسلامية بعد وفاة الرسول (ص) التي توسع الفساد الاداري بتوسعها حتى اصبحت فريسة سهلة بيد اعدائها قال تعالى في محكم كتابه العزيز (ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لانزلنا عليهم بركات من السماء فاخذناهم بما كانوا يكسبون ) .

الحديث عن الفساد يطول فهو كما اسلفنا قد دخل في كل مفاصل الحياة العراقية وهو مرض واجب استئصاله من داخل المجتمع العراقي الذي تشرب المفاهيم الموروثة من النظام السابق واهمها تاصيل حالة الفساد التي انتشرت بانتشار رؤوس الاموال والمنح التي رافقت التحرير وكما يقال (( حقا ان المال السائب يعلم السرقة )).

التحقيق منشور في ايلاف دجتال يوم الاثنين 2 نيسان 2007