ايبون فيليلابيتيا من بغداد: بالنسبة لاحمد باقي فان مذاق بغداد يشبه البوظة بالفستق في ليلة صيف. واسترجع باقي الايام الخوالي السعيدة وتذكر الايام التي كانت تتزاحم فيها الاسر والاحبة في ردهة بوظة (الفقمة) وهو أحد المحلات الشهيرة بالعاصمة العراقية قبل أن تتسبب القنابل واطلاق الرصاص في ترك المكان خاويا على عروشه.

قال المحامي الذي يبلغ من العمر 30 عاما quot;كانت لي صديقة واعتدنا الذهاب الى الفقمة. إنه مكان له خصوصيته في حياتي. والان أمر عليه بالسيارة وأنظر الى الناحية الاخرى. إنه مجرد ذكرى.quot;

وأخذت الاماكن القديمة التي عاش فيها سكان بغداد أوقاتا سعيدة تختفي واحدا تلو الاخر بسبب أعمال العنف.

فقد اختفت حدائق لعب فيها الكثيرون أطفالا وأسواق لبيع الكتب استعرضوا فيها الكتب على الارفف وهم طلاب ومقاه قضوا فيها فترات ما بعد الظهيرة في تدخين النرجيلة مخلفة مدينة يقول كثير من سكانها انهم باتوا لا يعترفون بها.

وتتحول بغداد إلى ذكرى بسبب انفجارات السيارات الملغومة والحواجز الخرسانية ونقص الخدمات التي ترهق حياة الناس وتجبر السكان الذين اعتادوا التجول بيسر على البقاء في منازلهم.

وفي أحاديث مغموسة بالحنين الى الماضي يتحدث كثير من سكان بغداد عن مدينتهم كما لو كانت شيئا من الماضي أو طفولة مفقودة.

وفي الوقت الذي يمزق فيه العنف الطائفي البلاد أصبحت كلمة quot;حنينquot; خلال التجمعات الخاصة تعبيرا عن ماض وطني.

وكانت بغداد دائما مصدرا لاستحضار الماضي. فقد كانت يوما ما عاصمة للخلافة الاسلامية كما أن حياة البلاط المترفة تصورها حكايات quot;ألف ليلة وليلةquot;.

لكن الفوضى التي أعقبت الغزو الامريكي للاطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين قبل نحو أربع سنوات قد عمقت لديهم quot;الحنينquot; لمدينتهم القديمة مع تلاشي توقعات الاشهر الاولى للحرب بمستقبل أكثر اشراقا بعد فترة وجيزة.

ودمرت خلال الاشهر الاخيرة أماكن كانت عزيزة لدى السكان والتي قاومت سنوات من الحروب والعقوبات خلال حكم صدام حسين في حملة قالت احدى الصحف المحلية انها تجرد المدينة من روحها.

ودمر انفجار قنبلة الاسبوع الماضي جسرا فوق نهر دجلة الذي كان يوما ما أيضا موقعا للسباحة لاطفال بغداد.

واعتاد سعد عبد الكريم السامرائي (70 عاما) وهو ضابط متقاعد بالجيش الذهاب الى سوق الكتب بشارع المتنبي في بغداد القديمة كل يوم جمعة على مدى أكثر من 50 عاما قبل أن تدمر قنبلة أزقته الضيقة ومقاهيه القديمة في وقت سابق من العام الجاري.

وقال السامرائي ان تفجير شارع المتنبي الذي كان يوما ما مركز الحياة الثقافية الثرية ببغداد مثل ضربة شخصية قوية له.

وأضاف السامرائي بينما كان يقف أمام صفوف من الارفف المحملة بأكثر من ثلاثة الاف كتاب في منزله quot;كنت أذهب الى (شارع) المتنبي لشراء الكتب منذ أن كنت طالبا بالمدرسة الثانوية.quot;

وأردف يقول quot;بتفجير (شارع) المتنبي اختفى جزء هام من تاريخ العراق خلال ثوان.quot;

وقال عراقي اخر عرف نفسه باسم نجيب ان المكان الذي كان يفضله في بغداد هو سوق الحيوانات في وسط سوق الشورجة الذي تعرض للتفجير عدة مرات.

وكان السوق يعرض مجموعة من الحيوانات الغريبة من بينها القرود والببغاوات التي كان البحارة يقومون بتهريبها من بلدان استوائية الى جانب نسور وثعابين كان البدو يأتون بها من الصحراء.

وقال نجيب (35 عاما) quot;انني الاصغر ضمن سبعة اخوة وكانوا لا يدعوني أذهب وحدي لانه كان هناك زحام شديد ويخشون أن أتوه.quot;

ويعمل نجيب مترجما للجيش الامريكي ويضطر لوضع لثام لا يظهر منه سوى العينين عندما يصاحب دورية تمر أمام ما تبقى من السوق خوفا من الانتقام.

واضاف نجيب quot;كان المتجر المفضل لدي هو ذلك الذي يديره البدو. كان هناك معالج يأتي ويشتري العقارب منهم ويستخدم السم في صنع الدواء .quot;

وأكثر ما يتذكره أحد موظفي رويترز هو حمام السباحة في حديقة الزوراء الذي تعلم السباحة فيه هو وأخواه.

وكان والده يصطحب أطفال المنطقة في سيارة الاسرة ويذهب الى الزوراء حيث يواصلون اللعب حتى حلول الليل.

وقال الموظف الذي طلب عدم الكشف عن اسمه quot;علمني والدي السباحة في الزوراء. كان عمري تسع سنوات. لم أعد أذهب الى الزوراء . لا أشعر بالارتياح هناك.quot;

وأضاف quot;بغداد تلك قد اختفت. كانت لدي صورة فوتوغرافية لتلك الايام في حمام السباحة لكني فقدتها.quot;