في الذكرى الخامسة للحرب على العراق
البصريون محبطون و متفائلون ومتخوفون.. لكنهم يتوقعون افضل لمدينتهم

صفاء الغانم من البصرة: تحل السنة الخامسة لذكرى الحرب على العراق في البصرة بنكهة مختلفة و رؤية مغايرة للحدث الذي يشغل ثلثي سكان العالم منذ 19 مارس / اذار 2003.
و يرجع السبب في ذلك انها عاشت ذكرى الاعوام الاربعة السابقة تحت الاحتلال البريطاني المباشر، لكنها اليوم في الذكرى الخامسة تعيش تحت سلطة حكومة عراقية و ملف امني يديره جنرالين ما زالا يخوضان معارك لدفع المدينة المنكوبة نحو الاستقرار و الاستثمار، و الامر الاخر الذي يجعلها تدخل العد العكسي لدخول العام الخامس، انها تتزامن مع انطلاق اول خطة لفرض القانون بدعم من بغداد و تنتظر معركة محتملة لتحرير الموانيء من نفوذ المافيات و الميليشيات.


ويبقى امر ثالث هو ان العام 2008 عام الذكرى الخامسة لحرب quot; حرية العراقيين quot;، اعتبرته الحكومة العراقية عاما لاعمار البصرة، وبدء خطوات متسارعة لجذب المستثمرين لمدينة النفط و النخيل و الموانيء و الميليشيات.

على كورنيش البصرة قبالة فندق الشيراتون الفخم و المنهوب كان يجلس quot; مشرق عدنان ( 32 عاماً ) مع زوجته و طفلته، يقول quot; منذ اربعة اعوام و هاهي السنة الخامسة الامور تتحسن في مناطق البلاد الساخنة و تسوء الامور في البصرة، كأننا خارج الحسابات، كنا نتمنى ان يكون بعد التغيير عاما افضل من عام، لكن نجد ان البصرة الامور فيها تجري وفق لمنطق غريب quot;.

و يضيف quot; البصرة كانت أمنة ومستقرة نسبيا، الان لا نعرف متى تنفجر الامور فجأة؟، الصراع زاد بشكل مخيف حالات الاغتيال تزداد استهداف النساء مستمر، لكن هناك حياة لكننا متخوفون جدا من تدهور امني مفاجيء quot;.

تقول زوجته ام أية ( 26 عاما ): النساء تشعر بالخوف منذ العام السابق، و هذا العام على الرغم لن نعش منه سوى 3 اشهر لكنا حسب ما نسمع من الناس و وسائل الاعلام ان قتل النساء يتزايد، بصراحة لم نعد نشعر بالامان، ومع ذلك نخرج ونتنزه quot;.

كان هناك الكثير من الناس و العوائل على شط العرب في شارع الكورنيش، لكنهم ينسحبون جمعيهم حين يبدأ الليل، لا احد يؤيد فكرة البقاء في الشارع الترفيهي لوقت متأخر، يقول عنصر امني يقوم بدورية راجلة لضبط الامن quot; الناس تخاف من التاخر ليلا، على الرغم ان قوات منتشرة في كل مكان لكن ليس هناك ثقة بعد بان البصرة اصبحت امنة، لكن وضعنا افضل من العاصمة و محافظات اخرى quot;، يتابع و هو يرقب مركبة تمر بسرعة عبر الشارع quot; هناك استقرار في المدينة، لكن الناس تريد ان ترى امور مشجعة على ذلك و هذا غير ممكن ما زلنا نحاول فقط تأمين الاستقرارquot;.

و شارع الكوريش الذي يمتد 2 كم على ضفاف شط العرب، يحتضن العشرات من المقاهي و الكازينوهات العائمة، والتي تعد متنفساً جيدا لاهالي المدينة الذين يعانون من قلة الاماكن الترفيهية، يقول حازم عبدالله ( نادل في كازينو عائم )، quot; الامان والاستقرار موجود في البصرة، لذا الكثير من الزبائن يتأخرون حتى الساعة التاسعة في الكازينو، عوائل و شباب و احيانا حتى فتيات لوحدهن، لكن ليس الامان الذي نريده، و الناس تخشى الميليشيات اكثر مما تخشى الارهابquot;.

ما قاله حازم يعد من نتائج الحرب على العراق و البصرة المتنازع عليها، فالبصريين يخافون من الميليشيات اكثر من خوفهم من الاعمال الارهابية، يقول ضابط في الشرطة الوطنية طلب عدم الكشف عن اسمه: نعم البصريون يخشون المسلحين اكثر من الاعمال الارهابية، لان هناك 28 جماعة مسلحة و تحد 3 دول احدها متهمة بالسيطرة على المدينة و القوات الامنية مخترقة و الحكومة تخشى زيادة الضغط فتتأزم الامور اكثر quot;.

تكتظ اسواق البصرة بمئات الاف من المواطنين يوميا، وهناك قاسما مشتركا واحدا يجمع هولاء جميعاً، ( الامن / تحسن الاقتصاد / الخدمات )، يقول عبد الحميد جاسم ndash; متقاعد وهو يهم بحمل ثلاثة اكياس كبيرة من المشتريات quot; البصرة مدينة مهمة و لها مستقبل اقتصادي عظيم، لكن لا احد يريد لها ان تستقر و تعستعيد عافيتها، يكفي ان نفتح باب الاستثمار حتى نتخلص من البطالة quot;.

لكن quot; ام رياض quot; موظفة في قطاع الكهرباء تقول quot; لم نرى خيرا، الخدمات معدومة والفساد الاداري ينخر مشاريع الدولة، الصيف من الان حل ضيفا ثقيل الدم علينا و صيف البصرة جهنم، انا اعمل في قطاع الكهرباء، و اصاب بالحرج حين يسألني معارفي، هل هناك تحسن، فاجيب الله كريم quot;. و تتابع حديثها بعصبية quot; لقد مملنا، نشتري الماء الحلو و نشتري الكهرباء و نشتري وقود الطبخ، و الاسعار ترتفع، ونحن نعيش على ذهب quot;.

تقصد ام رياض بالذهب quot; النفط quot;، لكن ابو زينة ( موظف حكومي ): يبدو اكثر تفاؤلا بقوله quot; لا بد ان نمر بهكذا تجربة و صراعات، لكن في النهاية ستكون البصرة افضل حالا من الامارات العربية، حينها سنحتار كيف نقضي اوقاتنا، لكنه يجزم ان البصرة مقبلة على فترة تدهور امني قبل ان تنفرج الامور اقتصادياًquot;.

رجل اعمال بصري يدير اعماله من مركز انترنت متواضع وسط المدينة يقول quot; نحن مع الذكرى الخامسة للحرب نعيش حالة من الكساد في الاسواق، نحن نتفهم ذلك، هناك ضغوط على المدينة ضغط نفوذ الميليشيات و ضغط الحكومة لجلب الاستثمار، لكن اتوقع ومثلي رجال اعمال كثر ان انفراجاً اقتصادياً كبيرا ستشهده المدينةquot;.

ايلاف استطلعت اراء الناس حول ما الذي يعتبروه تغييرا حقيقياً في ذكرى الحرب الخامسة، تقول سارة فالح ( طالبة ): دخول التكنلوجيا الحديثة و الانفتاح على العالم، فيما يرى قاسم محمود ( معتقل سياسي سابق ): اهم ما تحقق هو اطلاق حرية التعبير دون خوف او رقابة، نعم الان هناك خطوط حمراء لكنها لا تشكل هاجسا مرعبا مثل هاجس الخوف من صدام حسين.
اياد مجيد ( سائق سيارة ) quot; الكثير من الامر تغيرت لكني اقول حصلنا على حرية التعبير السياسي و خسرنا حرية التعبير الشخصي quot;. اشارة مجيد هي بالضبط ما يعاني منه البصريون.
يقول احد مثقفي المدينة quot; اننا خسرنا حريتنا الشخصية وصخبنا و الاجواء التي كنا نتوق العيش فيها تحت حرية حقيقية، سقوط النظام جائنا بالحرية السياسية و التعددية الحزبية، لكننا في البصرة سلبنا من حقوقنا كبشر في التمتع بحريتنا الشخصية، الكثير من الناس قتلوا لانهم يحتسون المشروبات الروحية، و الكثير من النساء قتلن على الشبهة لانهم يضعن احمر شفاه مميز، اننا نعيش مدينة في داخل مدينة ان صح القول او نعيش مقاطعات و خطوط تماسquot;.

لكن هناك نبرة التفاؤل لم تغب عن البصريين، على الرغم من انهم قلقون بشأن مستقبل مدينتهم ومتخوفون من صدام مباشر مع الميليشيات، و محبطون من انعدام الخدمات، لكنهم يبدون اكثر تفاؤلا، لربما السبب يرجع الى ثقتهم ان مدينتهم محط عيون و اموال المستثمرين.