أمال الهلالي من تونس: عائلة أجنبية تبحث عن خادمة منزلية مع ضمان الإقامة وحسن العاملة والأجر الجيد والقارquot; هذه العبارات وغيرها تصادفك أينما ذهبت في الشارع وفي محطات النقل العمومي في الجرائد وحتى عبر الانترنات.إعلانات موزعة هنا وهناك تسيل لعاب الفتيات لاسيما القادمات من مناطق ريفية دواخل البلاد باحثات عن العمل ولقمة العيش.

الخادمة المنزلية أضحت من أهم الوظائف المطلوبة في سوق الشغل التونسية وباتت من الضروريات داخل العائلات والأسر التونسية التي لايمكن الاستغناء عنها لاسيما مع دخول المرأة سوق الشغل جنبا إلى جنب مع الرجل وعدم قدرتها على التوفيق بين متطلبات الزوج والأبناء من جهة وارتباطاتها المهنية من جهة أخرى, لكن في ظل هذا اندماج هذه الشريحة داخل الأسر التونسية إن لم نقل فردا من أفراد الأسرة المشغلة لها والعالمة بأسرارها وأدق تفاصيلها صارت تثير أكثر من نقطة استفهام فالصورة التي يحملها الكثيرون عن شخصية الخادمة أو المعينة المنزلية هي تلك الفتاة الريفية البسيطة والساذجة المقهورة والمغلوب على أمرها من رب وربة البيت لكنّ وجها آخر بدأ يطفو على السطح في ظل تطور نسق الحياة حيث تغيرت تماما تلك الصورة البريئة لتتحول الخادمة إلى شخصية استغلالية وسارقة وخائنة للأمانة وكثيرة هي القصص التي تروى وتتداولها وسائل الإعلام المكتوبة عن خادمات لهفن أموال ومصوغ مؤجراتهن.فهل الخادمة ضحية فعلا أم متهمة؟

سميحة فتاة لم تتجاوز ال19 ربيعا أصيلة سجنان بالشمال الغربي دفعتها ظروف عائلتها القاهرة إلى الانقطاع عن الدراسة باكرا والاتجاه نحو العاصمة بحثا عن مورد رزق وطبعا كانت المعينة المنزلية أسهل وظيفة تتماشى ومستواها التعليمي المتدني تقول لايلاف :quot;كنت أظن أن الحياة ستتغير بمجرد تسلمي للعمل وقد دلني احد الرفاق على مكتب خاص بتشغيل المعينات المنزليات بجهة باب الخضراء بالعاصمة وقد تم في البداية إغرائي بمرتب محترم وسكن لائق وتغطية اجتماعية وصحية لكن بمرور الأيام تلاشت الوعود واكتشفت أنها زائفة باستثناء طبعا المبلغ الزهيد الذي أتقاضاه من الأسرة quot; تضيف محدثتيquot;معاناتي لم تقتصر على هذا الحد فرغم قساوة ربة المنزل وتعمدها استغلالي والصراخ في وجهي لأتفه الأسباب بحجة عدم قيامي بشؤون المنزل على أكمل وجه زاد الطين بلة تحرش احد أبناءها بي لكني فضلت أن أتحاشاه بكل السبل حتى لا اخسر مورد رزقي الوحيد إلى أن فاضت الكأس وضقت ذرعا بمحاولاته الحقيرة والتي صارت كل يوم أكثر تماديا وحين أردت أن أوقفه عند حده كان مصيري الطرد وانتقلت إلى عائلة ثانية بجهة النصر الراقية لكن المعاناة متواصلة لكن في quot;الهم عندك ما تختارquot; سميحة نموذج لشريحة كبيرة من الفتيات اللاتي ذقن أنواعا شتى من الظلم والقهر والتحرش الجنسي من مؤجريهم لكن بعضهم خير السكوت والبعض الآخر واجه الأمر فكان مصيرهن الطرد لتتواصل رحلة البحث عن شغل من بيت لآخر.

في قصة أخرى بطلتها معينة منزلية قاصر تداولتها الجرائد التونسية تتعلق بسطوها على مبلغ 50 ألف دينار من منزل مؤجرتها بمعية صديقها حيث قامت بالاتفاق معه على موعد السرقة بعد تأكدها من خلو المنزل اثر سفر صاحبته وقد أنكرت في البداية أي صلة لها بعملية السطو لكن في ظل التحقيق انهارت واعترفت بما نسب إليها وأخرى قدمت من جهة ريفية بالشمال الغربي لتقيم علاقة غير شرعية مع صاحب لتتضح بعد مدة أنها هاربة من بيت والديها دون علمهما.

quot;ندمت على دخول المعينة المنزلية لبيتي وكدت أخسر كل شيء بسببهنquot; بهذه العبارات استهلت السيدة ناجية حديثها معنا مضيفةquot;أفضل أن أترك الشغل على أن أجلب معينة منزلية تهتم بشؤون زوجي وأبنائي الصغار كلهن مستهترات وغير مباليات بمسؤولياتهن quot;تجربة السيدة ناجية مع المعينات المنزليات لم تكن سارة بتاتا رغم تكرار التجربة مرتين فالمرة الأولى كادت أن تفقد صغيرها الذي لم يمضي على ولادته أكثر من ثلاث أشهر لكن بحكم عملها في القطاع الخاص اضطرت للالتحاق بالشغل تاركة الخادمة التي لم تكن في مستوى الأمانة وكاد الصغير أن يفارق الحياة بعد أن أعطته حليبا غير صحي فساءت حالته وتم إنقاذه أما المرة الثانية فقد كانت أشد قساوة حين قامت الخادمة بسرقة مصوغها والهروب إلى وجهة غير معلومة لكن تم أخيرا جلبها والتحقيق معها واتضح في نهاية الأمر أنها قامت بفعلتها بتحريض من صديق لها تعرفت عليه حديثا ووعدها بالزواج في صورة تلبيتها لكل طلباته.

قصص المعينات المنزليات ومؤجراتهن أشبه بقصص الأفلام والمسلسلات العربية فبين حاجة الفتاة للعمل وحاجة ربة البيت لها يبقى الجدل قائما بين هذه وتلك وقد تم خلال السنوات الأخيرة ظهور شركات مختصة في تشغيل الخادمات هذه الشركات تبقى محل شك في صيغتها القانونية وتحملها لمسؤولية كلا الطرفين الخادمة ومؤجرتها خاصة وان الغاية من إحداثها تجارية وبعضها يبقى محل ريبة وقد ثبت تورط بعض الشركات في قضايا تحيل بالاتفاق مع الفتيات حيث يتفق الوكيل مع الفتيات للهروب من منزل مؤجرتها بعد مدة من العمل حتى يضطر المؤجر لتجديد العقد ودفع معاليم جديدة.