أيمن بن التهامي من الدار البيضاء: تقع مدينة القصر الصغير المغربية بساحل البحر الأبيض المتوسط، على بعد 35 كلم من الطريق الرابطة بين طنجة وتطوان (شمال المملكة).
عرفت المناطق المجاورة للموقع استقرارا قديما يعود إلى الفترة الرومانية، إلا أن أهميته لم تظهر إلا خلال العهود الإسلامية، إذ يزخر الموقع ببقايا أثرية تتمثل في مسجد، وحمام، ومركز تجاري تعود إلى فترات تاريخية تمتد من القرن 12 الميلادي إلى غاية القرن 14 الميلادي.
وتشهد هذه الآثار على عظمة الدولة المرينية، وعلى دور القصر الصغير كقاعدة لجواز الجيوش المغربية في اتجاه الضفة الشمالية للمضيق، ومركزا مهما للتبادل التجاري بين المغرب ومملكة غرناطة.
وخطفت هذه المدينة الأضواء في الفترة الأخيرة، بعد أن أعطى العاهل المغربي الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، انطلاق الأشغال الفعلية لبناء قاعدة بحرية بها.
ويتعلق بأول ميناء بحري على الضفة المتوسطية للمملكة، وسيشكل قاعدة لرسو السفن التابعة للبحرية الملكية، التي تتولى حماية الساحل الشمالي.
وسيشكل حجر الزاوية في التغطية البحرية، التي تقوم بها البحرية الملكية بمضيق جبل طارق بالمنطقة المتوسطية، بفضل موقعه الاستراتيجي المهم على الواجهتين الأطلسية والمتوسطية، وكذا بحكم قربه من المركب المينائي طنجة المتوسط، علاوة على ما سيتوفر عليه من بنيات تحتية حديثة.
ومن المنتظر أن تمتد الأشغال بهذا المشروع، الذي تقدر تكلفته بمليار و390 مليون درهم، على مدى ثلاث سنوات.
واهتمت صحف إسبانية بالخبر، وجاء ذلك لكونها لا تبعد سوى عشرة كيلومترات من جزيرة تورة (ليلى)، التي كانت قبل حوالي ست سنوات سببا لتوتر كبير كاد يتحول إلى أول مواجهة مسلحة بين البلدين منذ استقلال المغرب.
ويشكل التصميم الدائري للقصر الصغير استثناء في التصاميم المعمارية للمدن الإسلامية بالمغرب. وهو تصميم نادر الاستعمال في الغرب الإسلامي لا نجد تجسيدا له إلا في مدينة صبرا المنصورية بتونس.
ويعد التصميم الدائري إرثا شرقيا منذ القدم بحيث نجده في المراكز الحضرية لبلاد الرافدين.
وبني سور القصر الصغير من الحجارة والآجر المطهي المتماسكين بواسطة ملاط جيري، وهو مدعم بواسطة أبراج نصف دائرية نجد لها أمثلة في مدينة البصرة خلال الفترة الإدريسية وفي قلعة أمركو خلال الحقبة المرابطية.
وتحتفظ أسوار المدينة بأحداث تاريخية، ففي 23 أكتوبر 1558م، استولى الجيش البرتغالي بقيادة ألفونس الخامس على القصر الصغير وسمح للمسلمين بمغادرة المدينة بممتلكاتهم.
بينما استقرت حامية عسكرية بالمدينة تحت قيادة القائم دون إدوارد ذوننسيس، وهي تعتبر بذلك المدينة المغربية الثانية التي وقعت تحت الاحتلال البرتغالي بعد سبتة سنة 1415م وبعد المحاولة الفاشلة لاحتلال طنجة سنة 1437م. ولقد ظل البرتغال بالقصر الصغير زهاء 90 سنة، ولم يتم إخلاؤها إلا سنة 1550م.
ويرجع الفضل في الكشف عن خبايا هذا الموقع الأثرى إلى البعثة الأميركية التي شرعت سنة 1972م في إجراء حفريات.
وأسفرت هذه الأخيرة عن العثور على كنيسة مبنية على أنقاض مسجد ومنازل خاصة بنيت فوق أساسات إسلامية، بالإضافة إلى مباني تجارية بأبواب متينة ونوافذ مزخرفة على الطراز المانويلي.
وبينت هذه الحفريات كذلك عن اهتمام البرتغال بالساحات العمومية والشوارع المعبدة بالحجارة، بالإضافة إلى مطاحن ومخازن وأفران ومعاصر.
كما قاموا بسلسلة من التغييرات على شكل المدينة الإسلامية تمثلت في تدعيم الأسوار الدفاعية، وفي إقامة الخنادق حول الحصن الذي بني في الجهة الشمالية الشرقية للمدينة مدعما بأبراج للدفاع والمراقبة، بالإضافة إلى إنجاز ممر مغطى يعرف بالكوراسا يمتد من الموقع إلى الشاطئ وتحويل الحمام الإسلامي إلى خزان للأسلحة ثم بعد ذلك إلى سجن.
وتصنف القصر الصغير في خانة المدن، التي تعتمد على السياحة الشاطئية.
فالبحر الأبيض المتوسط يقترح على زوار المدينة المطلعة عليه، شواطئ هادئة بمياه صافية ورمال ذهبية
التعليقات