فراس حسن من دمشق: إذا كنت واحداً من أولائك الأشخاص الذين لديهم رُهاب السيارات، وترغب في التجول في شوارع دمشق العاصمة، للتسوق أو للتنزه أو للتنزه في المدينة مشياً على الأقدام، فننصحك بأن تحوقل وتبسمل وتتعوذ بالرحمن، وتقرأ ما تيسر لك من السور والآيات، والأدعية المختصة بالأمان على الطريق، وطبعا تحلى بالصبر، واليقظة، لأنك ربما ستقضي نصف مسيرتك في المدينة تخوض بين السيارات تنهب الطريق مسرعة.... ربما، إلى حادث جديد، فتوخى الحيطة حتى لا يكون الحادث من نصيبك...
في دمشق تحتل السيارات جزءاً لا بأس به من الأرصفة المخصصة للمشاة، ولا يستطيع أي سوري أن يقدم لك الضمانات بأنك لن ترغم على النزول إلى الشارع بين السيارات لتكمل مسيرتك..
فمن الطبيعي أن تجد الكثير من السيارات، بما فيها سيارات الشرطة، تلك التي يفترض بها تنظيم السير، والسهر على راحة المواطنين، (تبدو العبارة الأخيرة دائماً كنوع من السخرية في العالم العربي)، تتوسط رصيف ما، فمنظر السيارات على الرصيف يعتبر من المشاهد الاعتيادية خصوصاً الحكومية منها، حيث تستخدم الأرصفة كمواقف للسيارات (كراج)، أي رصيف يخطر لسائق السيارة الحكومية أن يعتبره كراجاً سيكون، وطبعاً لأن سيارته حكومية سيتغاضى عنها شرطي المرور، لأن الاثنان أولاد الحكومة وعلى أبناء الحكومة أن يتآزروا، ويمرروا لبعضهم البعض التجاوزات والتعديات على القانون.
رغم وجود مواقف سيارات خاصة بالمركبات الحكومية، إلا إن السائقين (ربما حرصاً مصلحة الدولة، ومن باب توفير الوقود اللازم للذهاب إلى الموقف المخصص) يفضلون ركن سياراتهم على الرصيف، فأمام وزارة المالية ستجد،غالباً، سيارة مارسيدس حديثة بزجاج عاتم (إنظر الصورة) تقف إلى جانب درج الوزارة، ملاصقة ـ تماماً ـ لسور كراج الوزارة، في الطرف الآخر من الشارع أمام البنك التجاري في ساحة الصالحية ستجد عدة سيارات حكومية تحتل الشارع في استعراض لمدى التزامنا بالقانون، علماً أن الساحة لا تخلو من شرطي مرور واحد على الأقل، في الطرف الآخر من الساحة نفسها، عند مبنى أمانة العاصمة، يوجد مكان مخصص للسيارات الحكومية، رغم ذلك ستجد سيارتين أو ثلاث على الرصيف، (الصورة)، حيث يضطر المشاة للمرور من بين السيارات إن وجدوا متسعاً ما بينها، ويتكرر الأمر أيضاً مقابل فندق الفور سيزنز، على بعد مئات الأمتار فقط، حيث يوجد شرطي مرور أيضاً أغلب الوقت....
إيلاف التقت ببعض المواطنين السوريين الذين حدثوها عن معاناتهم مع السيارات، وانتهاكاتها لحقوقهم في استخدام الأرصفة المخصصة للمشاة..
سعاد سيدة في الأربعين من عمرها تسكن في حي باب مصلى في وسط المدينة، تحكي لنا عن شركة خاصة تحتل الطابق الأرضي من البناء الذي تسكن فيه، تقول منذ أن quot;فتحت الشركة صار الرصيف للسياراتquot;، فالشركة المذكورة تستخدم الرصيف كموقف لسياراتها، حيث يضطر المشاة للمشي على الطريق لتجاوز السيارات المتوقفة على الرصيف، لأن الرصيف ضيق أمام المبنى ويلاقي المشاة صعوبة في المشي بجانب سيارات الشركة، لكن المشكلة لا تقتصر على هذا، إذ تقول سعاد أن موظفي الشركة وضعوا مؤخراً حاجزين على الرصيف بحيث يمنعون المشاة من السير فوق الرصيف، وإن فعل أحد المشاة ومشى بالقرب من سيارات الشركة، ضبطه أحد الموظفين متلبساً، فالويل له من العار الفضيحة، لأنه سيتعرض لصراخ الموظفين وشتائمهم، quot; بيفضحونا، يا اخي، حكي وسخ ومسبات، بعدين، كأنو الرصيف ملك أبوهم؟ ما فهمانة هنه استأجروا الشقة ولا الرصيف؟quot;...
عبد الحفيظ، شاب في السابعة والعشرين، يسكن في ضاحية دمر، يقطن في مبناه كما أخبرنا موظفين حكوميين كبار، أحدهما لديه ثلاث سيارات حكومية وأخرى خاصة، والثاني لديه اثنتان فقط، يستخدم كلا الموظفين الرصيف أمام البناء ككراج لسيارتهم، رغم أن المبنى يقع على شارع عريض يتسع لركن السيارات على الطريق، وترك الرصيف للمشاة، إلا أن الموظفين أعدا الرصيف بحيث تستطيع سيارتهما، الصعود إليه والوقوف عليه، يستغرب عبد الحفيظ هذه التصرفات ويتسائل quot;ليشه هدون الاثنين بحقلهم يصفو سياراتهم على الرصيف، وما حدا بحكي معهم... بعدين الرصيف إلنا نحنا المشاةquot; ويؤكد عبد بأن استخدام هذين الشخصين للرصيف كموقف سيارات يضطر سكان البناء للسير على الطريق الأمر الذي يعرضهم للمخاطر خصوصاً الأطفال، ويؤكد أن أكثر من حادث ـ لم تسفر الحوادث عن إصابات خطيرة ـ حدثت مع أطفال البناء، بسبب اضطرارهم للمشي في المكان المخصص للسيارات أثناء ذهابهم أو عودتهم من المدرسة، يستدرك عبد قائلاً السرعة الزائدة للسائقين وعدم تنبههم بشكل كافي كان من أسباب هذه الحوادث، ولكن لو لم ينزل الأطفال إلى الشارع بسبب quot; اللي صافين سياراتهم على الرصيف والسائقين المسرعين، كانت هيك حوادث أقل، وبيجوز ما كان صار أي حادث أصلاًquot;.
الحوادث أمام البناء الذي يسكن فيه عبد الحفيظ ليست النموذج الوحيد لما يمكن أن تتسبب به تعديات سائقي السيارات على الأرصفة، ففي منطقة جرماناً الأكثر اكتظاظاً تحدث أمور مماثلة خصوصاً أن الرصيف في الشارع العام في ذاك الحي ضيق بحيث يستحيل أن تمر بجانب السيارة في حال ركنت على الرصيف، وبسبب الاكتظاظ في الشارع يضطر المشاة للسير على الطريق، بل أحيانا للسير بين السيارات في حال ركنت إحدى السيارات على الرصيف وركنت أخرى بجانبها على الطريق الأمر الذي يعرض المشاة للخطر عندما يضطرون للمشي في منتصف الطريق، وكذلك تتعرض الفتيات لمضايقات السائقين أو شتائم الغاضبين منهم ـ وما أكثرهم ـ، هذا ما أخبرتنا به عفاف ـ من سكان جرماناَ ـ ففي هذا الحي البعيد نسبياً عن رقابة شرطة المرور، يتجاوز السائقين هناك كل قوانين السير حسب زعمها، بدءاً بالسرعة العالية وquot;التشطفيطquot; انتهاءاً بالسير بالاتجاه المعاكس لحركة المرور، مروراً طبعاً بركن السيارات على الرصيف، هنا في جرمانا ليس بالضرورة أن يكون صاحب السيارة المخالفة quot;مدعومquot; حتى يستخدم الرصيف كـ quot;باركينغquot; فهنا حيث تتوفر دوريتي شرطة فقط، في نقاط ثابتة، لا خوف من أن تحرر بحقك مخالفة مرورية، وإن حدث quot;فمحلولة ادفع المعلوم لحتى تراضي الشرطيquot;، تؤكد عفاف على أن تصرفات السائقين التي تتحدث عنها تتسبب بالكثير من الحوادث، أغلبها بسيط، ولكن أحياناً بعد الظهر، عندما يصادف وأن يكون الشارع غير مزدحم بالسيارات، والأطفال يغادرون مدارسهم، تكثر الحوادث الخطرة وأغلب أصحابها من الأطفال الذين لا مفر أمامهم من المشي في المكان المخصص للسيارات عندما تحتل سيارات أخرى الأماكن المخصصة لهم، أي الأرصفة.
أخيراً، لا بد من الإشارة إلى أن هذه الظاهرة لا تقتصر على دمشق العاصمة، فقط فالسائقين في المدن السورية الأخرى، لهم نصيبهم في انتهاك قوانين السير والتعدي على حقوق المشاة، وربما تختلف دمشق عن غيرها من المدن السورية بأن التعديات فيها أقل نسبياً مما هي عليه في المحافظات الأخرى، أي ربما على الدمشقيين أن يخففوا من غلوائهم في انتقاد جيرانهم من مالكي وسائقي السيارات فهم في النهاية أفضل من أقرانهم في المحافظات الأخرى، ويحترمون حق الجار، ربما!!، أكثر من غيرهم.
- آخر تحديث :
التعليقات