للذين وفوا بالوعد!

علي رياح

كان يجب أن نمسك بالمجاديف كي نبحر في عباب الحشود الجماهيرية التي كانت تتدافع بالمناكب ولا هم لها إلا الوصول إلى مجمع السلطان قابوس بمقربة من أحد الجبال التي تحيط بمسقط وكأنه يحرس كل أمل كروي يقيم

علي رياح
في قلوب أهل السلطنة ..

كان العرس قد ابتدأ صبيحة السبت .. كنت أرى عوائل بكامل نصابها وكأنها في حركة نزوح جماعي ، تسير زرافات وكانت أكتافها مهابط للشمس المشرقة التي أفصحت عن صباح جميل لا صلة به بأساطير عمانية موروثة عن الأعاصير!

الناس كانوا هم الإعصار .. اتخذوا من الملعب معقلا لخوفهم وحلمهم وهواجس شتى كانت تدور في الرؤوس .. بعضهم كان متخندقا في (موضعه) قبل ثمان ساعات من صفارة البداية .. قلت لأحدهم : أليس الوقت مبكرا للبدء في نصب مباهج الفرح؟!

قال لي صغيره الذي كان يتدثر حضن أمه : جئت من منطقة الجبل الأخضر القصية ، وقد خرجت من بيتي في الخامسة والنصف فجرا .. كان همي أن أجد موطئ قدم لي في الملعب .. لا أكترث لجوع أو عطش ، فلقد ملأت زوّادتي صبرا ، ونحن نشهد المخاض هذا اليوم ، حتى تأتي لحظة الولادة التي ستضع بين أيدينا (إبنا) أولاً مكتمل النمو هو فوزنا باللقب الخليجي!

لم أكن أملك الوقت أو الكلمات كي أكبر شعور الثقة في هذه العائلة التي قطعت مئات الكيلومترات كي تنصب خيمة فرح في (بوشر) .. فلكل عائلة من هذا النمط ، ووفقا لهذا التقليد الذي أوجده العمانيون في يوم الحسم ، دين في أعناق علي الحبسي ، ومحمد ربيع ، وبدر الميمني ، وفوزي بشير وعماد الحوسني وحسن ربيع ، وغيرهم ..

لم يجد العمانيون في محاولتهم الثالثة في الصعود إلى مركبة المجد غير المجيء مع خيوط الفجر الأولى كي يطوقوا فريقهم بجميل لم يكن الرد الوافي والكافي والشافي عليه إلا الفوز بالكأس .. وقد عشت مع أولئك ساعات الانتظار ، وكنت أحرس معهم آمالهم ، لكني كنت أشفق عليهم مما يمكن أن تدّخره الكرة من صروف عجيبة!

ومرّ المخاض ، وانتهت المعاناة ، واندلقت الفرحة في مسقط ، وكان لابد للعرس المعتاد مع كل فوز أن ينطلق ، ولكن هذه المرة كان يجب أن يكون استثنائيا وفي حجم خمس وثلاثين سنة من الحضور العماني في الدورات بصفة شرفية مرات ، وتنافسية في أطوار اقل .. فكانت هذه المرة (ثابتة) بعد أن كانت الثالثة على التوالي في خاتمة المطاف !

أحببت في هذا الشعب ، إصراره على الفرح .. أحببت فيه طيبته المفرطة وهو يعيش الفوز باللقب منذ اللحظة الأولى للحدث .. فرحت للاعبين ، فقد رفعوا عن كواهلهم مصير الحزن العميم لو أنهم اخلـّوا بتعهداتهم ..

وفي هذه اللحظة البانورامية التي أعيش فيها شلال السعادة الذي انهمر على عمان .. أقول للكرة : مبارك لك هذا الفتح العماني الذي يرسم أبهى حُـلة لإرادة شعبية انطلقت من الصفوف الخلفية عام 1974 لتحظى بمجد خليجي لا يليق إلا بها ، هذه المرة!