لا يمكن المرورعبر التاريخ العراقي في السبعينات من القرن الماضي دون التوقف عن ظاهرة شعبية ورياضية شغلت الشعب العراقي بأكمله كان بطلها المصارع عدنان القيسي الذي تغنى به الناس طويلا ، وزالت علامة من علامات تلك الحقبة ويتذكرها الناس ، وما ان يذكر الاسم حتى تنهض الذكريات وتفيض لتتحدث عن اشياء كثيرة ، تبدأ بالرياضة وتمر باللا رياضة وتنتهي بالسياسة ، وقد لاقى القيسي اذناك اعتراضات كثيرة وشديدة بسبب نزالاته بالمصارعة الحرة التي شهدتها بغداد لاول مرة في تاريخها والتي اشيع عنها الكثير ، عدنان القيسي .. وبعد غياب (35) عاما عن بغداد عاد اليها زائرا مع وفد الكفاءات الرياضية ، معه فتحنا تلك الملفات من اجل التعرف إلى اسرارها وخباياها .

* سأبدأ بالسؤال عن عملك الان ؟
- في اميركا .. مشرف على نزالات الاتحاد العالمي لمصارعة المحترفين .

* متى غادرت العراق اخر مرة ؟
- عام 1975 ولم ارجع ، طلعت والتحقت باتحاد المصارعة العالمي وسجلت معه وبدأت لعباتي وسافرت الى العديد من دول العالم كاليابان واستراليا ونيوزيلندا ، وألعب باسم الشيخ عدنان القيسي من العراق .

المصارع العراقي عدنان القيسي

* لماذا كان هناك العديدون من المسؤولين الرياضيين ضدك ؟
- كل انسان وقف ضدي وضد المصارعة الحرة كان يقف ضد الشعب كله ، لانه كان يحب عدنان القيسي ، وعدنان القيسي لم يأت الى العراق من اجل الطمع المادي او النسائي او السلطوي او اي شيء اخر ، انا عراقي ابن عراقي وعائلتي دينية ومعروفة ، والدي كان امام جامع الاحمدية وخطيبها في بغداد وعمي قاسم مفتي الديار الاسلامية وخطيب جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني ، وعمي الاخر شهاب الدين القيسي امام وخطيب جامع في البصرة / الزبير، نحن عائلة معروفة والمسؤولون كلهم يقدروننا ، وكان الشعب كله (متونس) وملتذ وحدثت حركة غير طبيعية في تاريخ الشعب كله ، كان عدنان نبض الشعب المكبوت واستطعت ان (انفه) عنهم ، وصار الرقص والغناء ، وكان قبلها العمال وغيرهم يتحدثون بالسياسة لانه لايوجد شيء اخر ، ومع نزالاتي انتهت السياسة ، وكانوا ينتظرون متى اطلع على الشاشة ، وهذا معناه ان الشعب مرتاح ، فلماذا يحكون ضدي .

* ولكن يقال انها تمثيل وضحك على الناس؟
- اليوم الاحتراف دخل كل مدينة وبلد و(يمشّي) امورها من الناحية المادية والاقتصادية وكل النواحي ، وانا اردت ان افعل ذلك في العراق وهناك من اراد ان يأتي مصارعون وهي رياضة ولا اعرف لماذا تنتقد ، وان كانت كما يقال تمثيل في تمثيل ، الممثل في هوليوود أليس محترما ، أليس له قيمة ، ألا يشاهده الناس ويستمتعون ؟ المصارعون لهم خبرة من 10 ndash; 15 سنة ، واذا ما حمل احدهم الاخر عشر مرات ورماه على ظهره وفي كل مرة ينهض ، وبطريقة فنية ألا ترى الجمهور يستمتع ، ثم لا يمكن لأي احد ان يفعل ذلك ، اقصد اذا اتاك خبير في المصارعة ورفعك ورماك على ظهرك هل ستكمل ام سيحدث عندك عطل لانك لا تعرف كيف تقع على ظهرك ، انا وقعت عشر مرات ولم اتأثر ، الشعب الذي يرى هذا يقول هذه مصارعة صحيحة ، انا لم اعترف لاي شخص في العالم انها (قشمرة) ، المصارعة الحرة في اميركا السنة الماضية حققت ارباحا قيمتها (واحد ونصف بليون دولار) ، هذا ربح محترم تعيش منه عوائل والمصارعون يخدمون البلد ، والمسؤولون من القصر الابيض الى محافظة مقاطعة يعتنون بالمصارعة والتلفزيون ينقلها لان الشعب يلتذ بها .

* ولكن لماذا في العراق ؟
- تلك الفترة كان الشعب يحتاجها من جميع النواحي ، الناس يريدون ابنهم واخاهم عدنان القيسي ، يريدونه من اجل بلدهم لكي ينعشهم ويريحهم بطريقة غريبة عن اي شيء ، هذه الطريقة حققت نجاحا كبيرا خاصة ان من يقوم بها واحد من اهل البلد ، وانا كنت لديهم مشهورا قبل ان العب هذه المصارعة الحرة، انا بطل في الوزن الثقيل واتمرن في نادي الاعظمية .

* كيف تعلمت هذه المصارعة ؟
- كنت اعرف المصارعة العادية ولكن حين ذهبت الى جامعة في كلاهوما وهي من ارقى الجامعات وكان هناك افضل المصارعين في العالم ، فشاركت معهم وفزت في بطولات عالية ، ولما انتهيت من دراسة الماجستير طلبوا مني الاحتراف لان اسمي صار معروفا .

المصارع العراقي عدنان القيسي مع الرئيس الراحل صدام حسين

* من طلب منك ان تأتي بهذه المصارعة الى العراق؟
- انا ، بعد ان وجدت لدي كفاءة عالية في اميركا ، قلت لأزور بلدي شهرا او شهرين ، وزرت العراق وطرحت الفكرة على المسؤولين فقالوا هذا بلدك ، واذا تريد ان تتصارع فتعال ، وبالفعل بدأت بتنفيذ الفكرة ، فاتصلت بالاتحاد الاوروبي للمصارعة وسألته اذا ما كان لديه مصارع بالوزن الثقيل ، فقالوا : (كريانكو) ، فجاء وجاء رئيس الاتحاد وصار النزال الاول .

* هل كانت خلف النزالات اسباب سياسية ؟
- بصراحة .. عندما صارت النزالات غطت على اشياء كثيرة وافادت الحكومة من نواحٍ كثيرة ، لان الشعب (ألتهى) بالمصارعة وعدنان القيسي ، والحكومة ما كانت لديها اي مشكلة .

* الا ترى ان معنى هذا هناك دوافع سياسية لفائدة الحكومة ؟
- ما تقوله عرفته في الاخير، لكنني اتذكر ان السفير البريطاني في بغداد قال لي : (ان شهرتك عالمية والحزب الحاكم استفاد منك اشياء كثيرة) ، وقال (اوقف النزالات) قلت له : انا لا افهم اكثر من اللازم ، انا اريح الشعب وهو محتاج الى هذه الاشياء التي لم يشاهدها من قبل ، انا لم تدخل في رأسي فكرة الدوافع السياسية ، ولم تؤثرفي نفسيتي ولا طبعي ولا شخصيتي ، اتصارع كرياضي واخدم الجماهير ، والى الان انا مشهور ويقال انني تركت اثرا في التاريخ .

- الا ترى انها رياضة عنيفة وربما غير مستساغة ؟
- هناك الان اعنف منها وهي لعبة (الكيك بوكسنغ) ، الشعب الاميركي يحب العنف ، قبل ايام عرض في دور السينما فيلم عن المصارعة حصد العديد من الجوائز .

* اقصد لايحبها الشعب العراقي .. وهذا سبب الاعتراض عليك ؟
- لماذا لا يحبها؟، وكان لدينا مصارعون وبطولات ، ولو لم يحبها لما كان ملعب الشعب يمتلئ بالجمهور والناس تشاهدها في التلفزيون وتظهر الاغاني من الناس .

* هل تذكر النزالات وكم استغرقت من الوقت ؟
- خضت ثمانية نزالات ، اولها مع (كريانكو) عام 1969 ، واخرها مع (كومالي) عام 1975 .

* هل تعتقد انك كنت شكلت ظاهرة في المجتمع العراقي؟
- كل ما في الامر انني عملت تاريخا ، عملته في كل تاريخ العالم لان الشعب احتضنني ، شجعني وصفق لي كثيرا ، وغنى لي وكان سعيدا طوال تلك المدة ، وما زال يتذكرني ويتذكر تلك الايام ، في زيارتي هذه الى بغداد كنت اعتقد ان الناس لاتعرفني ، لكنني فوجئت بهم يعرفونني وما ان يقال اسم عدنان القيسي حتى يجتمع الناس حولي ويسلمون عليّ ويلتقطون الصور معي ، ولم اكن اعرف انهم ما زالوا يحفظون ملامحي التي تغيرت ، في الطائرة .. اتاني شخص عراقي وسألني : هل انت عدنان القيسي وحين قلت له نعم قال(الله .. الله ، انا لم أر نزالاتك ولكنني سمعت عن الكثير وشاهدت صورك )، وان كانت هناك بعض الاقوال فالقافلة تسير ولا يهمها نباح الكلاب .

* هل تتذكر الاهزوجات التي كان الناس يهزجها عنك ؟
- نعم ما زلت اتذكر بعضها مثل ( عدنان القيسي يكول مرتي كردية / لا تحبل ولا تجيب الا بعكسية) و (عدنان القيسي يكول فلن شعرجن ، ضفرنه ذيل حصان واني بطلجن) ، وهي دلالة على حب الناس بمختلف اعمارهم لي .

* هل شعرت بالندم على شيء ؟
- ندمت عندما خرجت من العراق ولم ابق مع اهلي ، لان البقاء في العراق كان افضل لي ، ولانني عشت غريبا عن بلدي (35) عاما .

* لماذا غادرت اذن وانت تمتلك الشهرة وحب الناس؟
- الاساليب السياسية هي التي دفعتني الى الفرار من العراق وليس الخروج بإرادتي ، طلعت هاربا الى الكويت ومن الكويت الى اميركا ، وتركت كل شيء اموالي وبيتي واهلي ، والسبب ان لديّ بعض الاقارب يعملون في القصر الجمهوري آنذاك ، من اقارب الوالد والوالدة، جاءوني وحذروني من البقاء في العراق وقالوا لي انهم سمعوا في احد الاجتماعات من يقول (بعد ما استفدنا من عدنان القيسي ، يجب ان نتخلص منه) وانت تعرف معنى (نتخلص منه) .

* الا ترى ان هذا يؤكد ان نزالاتك كانت وراءها مقاصد سياسية؟
- قرأت مقالا كتب فيه كاتبه ان عدنان القيس جاء لتلهية الشعب وان الحكومة استغلت ذلك لتمشية امورها ، انا قرأت فقط ولكنني لم أوقع على ورقة ولم ارتبط في اي حزب من الاحزاب لكي اعرف انه يستفيد مني ولا اي شخص .

* كيف كان شعورك وانت تهبط في المطار لاول مرة بعد هذه السنوات؟
- اول ما نزلت واعطوني الورد وعلقوا العلم العراقي في رقبتي .. نزلت الدموع من عيوني وخنقتني العبرة فلم استطع ان اتكلم ، لان هذه البلاد ولدت بها ونشأت ، وحب الوطن شيء لا ينسى ابدا ولا يمكن ان يطلع من دم الانسان مهما تغرب ، انا كنت بعيدا عن بغداد 35 عاما ولم اشاهدها وهذا ليس قليلا وليس سهلا ، وحين ذهبت الى ملعب الشعب .. تذكرت مكان الحلبة في الوسط وكيف كان الملعب يغص بالناس التي تصرخ تشجيعا لي ، تألمت ولكنني سعيد ان اعود الى بلدي .

* هل حاولت ان تنتج فيلما عن حياتك ؟
- الان في اميركا يشتغلون فيلما عن حياتي من ولادتي الى الآن وهو من انتاج احدى الشركات هنا وسيعرض في التلفزيون عند الانتهاء منه ، اما في العراق فلم يعرض احد عليّ ذلك ولا مانع لديّ ، وبالمناسبة شاركت في بعض الافلام السينمائية هناك مثل فيلم (hawaii 50) واذا ارادوا ان امثل دور مجرم اول او ثان وفيه قتل .

*ما سر شعر رأسك الذي صار ابيض؟
- اعتقد ان هذا الشيب وراثي ، والوالدة شعرها ابيض منذ صار عمرها اربعين عاما ، نحن اربعة اخوان ، اثنان منا صار شعرنا ابيض تماما اما الاخران فوصل عمرهما للثمانين وشعرهما اسود .

* ما الامنيات التي ظلت في نفسك ؟
- غرض واحد هو ان ننقذ اجيالنا وننعش الرياضة في بلدنا من كرة القدم الى المصارعة الى كل الالعاب ونخلق ابطالا ، هذا شيء حلو ولكن بحاجة الى شغل ووقت ورياضيين مشهورين جدا كي يستطيعوا جلب اللاعبين والمواهب ، كما اتمنى ان يذهب مصارعونا للمشاركة في بطولات كأس العالم ويحصلون على الميداليات ويرفعون العلم العراقي وان يقال عنهم هؤلاء لاعبون عراقيون ، هذه امنيتي .