حـدود الانجاز ..ومنطق الإعجاز!
علي رياح

[email protected]


علي رياح في أمسية ذلك اليوم الساخن الذي حقق فيه رقمه العالمي المدهش في فعالية 200 متر وهو 19.30 ، كنت انتحي جانبا ، عند إحدى طاولات المطعم الخاص بالمركز الإعلامي لدورة بكين الاولمبية ، بالساخر الضاحك اوساين بولت ، لأطرح عليه سؤالا واحدا قبل أن يدلف إلى موقع إحدى القنوات الجامايكية لإجراء حوار مطول معه ..

سألته : في دورة لوس أنجلس الاولمبية عام 1984 أطلق العداء الأمريكي المبهر كارل لويس ساقيه للريح وحقق في فعالية 100 متر رقما بلغ quot;الثلاث تسعاتquot; أي 9.99 ثوان .. وفي فعالية المائتي متر حقق رقما بلغ 19.80 .. وبعد ذلك أطلق لويس تصريحه التاريخي :quot; لا أحد في وسعه اللحاق برقمي إلا إذا كان يملك القدرة على اجتراح المعجزات ، فهل تعد ما فعلته أنت اليوم معجزة في الرياضة؟quot;

كان بولت جادا هذه المرة في إجابته ، كما أنني قرأت للمرة الأولى في وجهه كما في كلماته سمات الدماثة الطاغية المقرونة بالتواضع الجمّ بعيدا عن تلك الصورة التي أظهرها في بكين والتي جلبت له ردود أفعال غير سارة .. قال : quot; حقا لقد قال لويس ذلك ، وقالها بن جونسن من بعد ذلك ، ولا أظن أن الأمر يتعلق بالمعجزة التي لا يختصّ بها البشر ، إنما يتعلق تماما بالموهبة والإرادة وتطور الأدوات ، خصوصا أنه مازال في وسع البشر كسر الرقم إذا كان في حدود التسع عشرة ثانية quot;!

وزاد بولت على ذلك بجملة مازلت أتذكرها : quot; اليوم قالوا إنه سيمضي عقد من الزمن قبل أن يكسر أحد رقمي في فعالية المائتي متر ، سجل عن لساني أنه قد يأتي بعد شهر عداء آخر ويكسر الرقم ، أو قد أتولى الأمر بنفسي .. لم لا .. أنا في الثانية والعشرين من عمري ومازال في وسعي عمل الكثيرquot;!

منذ تلك اللحظة ، وبولت يشغل فضولي عند كل ملتقى أو سباق أو بطولة عالمية ، وحين جاءت في برلين لحظة كسر الرقم العالمي في فعالية 100 متر بزمن مذهل هو 9.58 ثوان، كان الأمل معقودا عليه كي يعاود الكرّة في المائتي متر، ويطيح برقمه الذي حققه في رحاب الصين في آب من العام المنصرم .. وقد كان مظهر بولت يوحي بأنه على الطريق الصحيحة برغم ما أبداه في سباق نصف النهائي من استرخاء في الأمتار العشرة الأخيرة والى الحد الذي رسم ابتسامة على وجوه محبيه .. ابتسامة تحيط بها القناعة من أنه يدّخر طاقاته للسباق الختامي .. وقد فعل الرجل ما وعد به ، وأعاد عرض السؤال المزمن :

هل ثمة حدود للطاقة البشرية ، بعد ان تعاملت الإنسانية ذات يوم مع كارل لويس على أنه quot;الرياضي السوبرمانquot; الذي لا جدوى من محاولة تحطيم ما بناه من أسطورة في الاركاض القصيرة وفي الوثب الطويل كذلك؟!

السؤال سيُطرح حتما على ابن جامايكا الضاحك خارج دورة الزمن الذي يستغرقه أي سباق ، والمغرق في الجدية حين تحتدم المنافسة على المضمار .. ولا أظن أن اجابته ستختلف هذه المرة أيضا ، فلا حدود أبدا للانجاز في ظل هذا التطور المفزع الذي تحققه فعاليات كثيرة في العاب القوى .. هذا جانب من الحقيقة ، أما الجانب الآخر الذي لا بد من التذكير به ، فهو ان اختزال أجزاء الثانية مستمر في الاركاض القصيرة ولكنه سيصل حتما بعد عشر سنوات أو حتى خمسين سنة ، إلى نقطة يصعب فيها الانتقال من رقم إلى آخر إلا بخارقة بشرية أخرى تفوق طراز quot;الضاحكquot;بولت ..