البطولات مثل تسريع الوقت، إذ يمكن للفرق أن تتألق معاً أو تنهار. ولكل بطولة ديناميكيتها الخاصة بها. لذلك فإنه ليس من الحكمة استخلاص استنتاجات نهائية لمنافسات نهائيات كأس العالم من البطولة التي تجري قبلها بستة أشهر. ولكن إذا كانت بطولة كأس الأمم الافريقية فرصة جيدة لخمس منتخبات تأهلت لنهائيات جنوب افريقيا في الحصول على بعض مباريات تدريبية تنافسية، فإنها أيضاً هي فرصة كبيرة لخصومهم المستقبليين المحتملين للقيام في عمليات استطلاع.

فمن وجهة نظر أميركا الجنوبية، هناك إمكانية لقاء أوروغواي مع نيجيريا في الجولة الثانية من نهائيات كأس العالم، مثلما قد تواجه باراغواي الكاميرون، ويمكن أن تلتقي تشيلي مع ساحل العاج. وهناك أمر لا ريب فيه بأنه سيكون هناك لقاءان في مرحلة المجموعات التي تبدو أكثر إثارة للاهتمام مع كل دقيقة تمر في أنغولا.

وقصة اللقاءات في نهائيات كأس العالم بين أميركا الجنوبية وجنوب الصحراء الافريقية الكبرى ستبدأ خلال الأشهر القليلة المقبلة، بعدما كانت قد انتهت في المباراة الوحيدة بينهما في المانيا عندما فازت البرازيل 3- صفر على غانا. ولكن بين فوز البرازيل على زائير في مونديال 1974 وبين الفوز على غانا في 2006 فإن العالم أصبح مختلفاً كثيراً. فزائير لم تكن تملك العمق على رغم أن أعضاء الفريق قدموا بعض لمسات فنية رائعة، وكان يبدو عليهم أنهم لم يشاهدوا من قبل الركلات الطويلة، وحتى بدا أنهم غير متأكدين من بعض قواعد اللعبة. أما غانا، فشأنها شأن غيرها من الدول الافريقية، شاركت للمرة الأولى قبل أربع سنوات، وكان منتخبها مليئاً بلاعبين من الدرجة الأولى وكانت لديهم خبرة مشاركتهم في الأندية الأوروبية.

أما ساحل العاج، التي ستلتقي ببرازيل في جوهانسبرج في 20 حزيران المقبل، فتخطت عن المنتخبات الأفريقية الأخرى خطوة إضافية. فجميع لاعبي تشكيلة المنتخب يلعبون في أندية أوروبية كبرى، والكثير منهم شارك في نهائيات كأس العالم الماضية. والكلمة الرهيبة quot;السذاجةquot; يمكن حذفها من سجلاتها.

وكل منتخبات جنوب الصحراء الكبرى يلعبون بنظام 4-3-3، إلا أن منتخب ساحل العاج يبدو أفضل استعداداً لتطبيقه، ودور المهاجم الوحيد على رأس الحربة ليس سهلاً، ولكن طريقة لعب ديدييه دروغبا ستجعله يملك كل الجوانب الملعب بامتياز، فزملاءه سيمددونه بتمريرات قطرية طويلة التي يتعقبها ويندفع بالكرة إلى الأمام من وسط الملعب، وهذا الشيء قد يجلب المشاكل لبعض الفرق مثل البرازيل الذي يحب أن يدفع ظهير الوسط إلى الأمام. ويمكن أيضاً أن يوقعهم دروغبا في شرك بتوجهه إلى أحد الجناحين وسحب مدافع الفريق الخصم معه ويترك مساحة لغيرفايس وزملاءه للاندفاع من الوسط.

وقد تكون هذه المواجهة مثيرة للغاية، حيث الخبرة والحس الموضعي لجيلبرتو سيلفا قد تكونان مهمين بالنسبة إلى البرازيل في تحديد وسد الثغرات التي قد يسعى الأفارقة إلى خلقها. وعلى رغم ذلك، فإنه من المرجح أن ساحل العاج، بعكس البرازيل، ستنفق المزيد من الوقت في القلق بشأن الهجوم البرازيلي. فنمط منتخب البرازيل الذي زرعه المدرب الحالي دونغا هو الثقة الكاملة بالنفس وطريقة واضحة في اللعب. إلا أن الولادة الجديدة لرونالدينيو الآن يعرض التحدي للمدرب دونغا. فكيف سيعيد ادماج لاعب ميلان في تشكيلته؟ فلعبه وكاكا معاً ثبت تسببهما في مشاكل في كثير من الأحيان. وبالتأكيد لن ينجح في اللعب خلف المهاجمين كما ثبت ذلك في نهائيات كأس العالم الماضية، وبعد ذلك قد يحاول دونغا وضع كاكا ورونالدينيو وروبينيو خلف المهاجم الوحيد، إلا أن هذه الخطة قد لن تنجح أيضاً، فقد كان هناك شعوراً باحتمال تعرضهم لطريق بعضهم بعضاً. وحتى في المواجهات القوية، فإن البرازيل تقدم أداء بشكل أفضل عندما يحل لاعب خط وسط مهجن محل رونالدينيو لتحرير الظهير الأيمن مايكون ليطفح في العمق.

فماذا الآن؟ رونالدينيو بدلاً من روبينيو؟ أو ترك رونالدينيو على مقاعد البدلاء لإشراكه عند تغيير الخطة عندما تتعقد الأمور؟

حقاً أن لديهم مشكلة ممتعة. فدييغو مارادونا يحب هذا النوع من المعضلات لتكون أكبر مصدر للصداع له في الوقت الذي يسعى لإعداد منتخب الأرجنتين لنهائيات كأس العالم. لكن أكثر القضايا الجوهرية للصراع لديه الآن هي من هم اللاعبين الذين سيختارهم لطائرته المتوجهة إلى جنوب افريقيا، وما هي الخطة التي سيلعب بها الفريق؟ ويتعين عليه أن يتخذ الكثير من القرارات الكبرى والحاسمة قبل مواجهة نيجيريا في 12 حزيران في جوهانسبرج، إذ لم تكن للخصم الأول له في نهائيات كأس العالم بداية سهلة في كأس الأمم الافريقية، ففوزه يوم السبت الماضي 1- صفر على بنين لم يكن مقنعاً. وبالتأكيد فإن الأرجنتين ستغمر نيجيريا في مستنقع في وسط الملعب إذا قدم الأداء ذاته في جنوب افريقيا، وثقته بنفسه قد تأثرت بوضوح في مباراته الافتتاحية بخسارته 3-1 أمام مصر، على رغم أنه بدأ مثيراً للإعجاب في الدقائق الـ30 الأولى من المباراة، فقد كانت التمريرات جون اوين ميكيل رائعة ما سمحت بالمهاجم تشينيدو أوباسي بالبروز في المباراة، في حين أن تاتي تايو كان يتقدم باستمرار من مركز الظهير الأيسر، ولكن في النهاية المطاف كشفت مصر العيوب. مع عدم ممارسة خط الوسط النيجيري ضغوطاً كافية على الكرة وظهيرا الوسط متمركزان بصورة سيئة، فإن مصر استطاعت أن تتخطاهما بتمريرة واحدة طويلة، وحالما سيطرت على المباراة فكان بإمكانها الجلوس في العمق والانطلاق من الكرات المرتدة.

والكثير يتساءلون ما إذا كان مارادونا قد ألهم من الأداء المصري. ولعل المشكلة الأكثر خطورة التي يواجهها هي فرز المنظومة الدفاعية للأرجنتين. في غياب الجودة في خط الدفاع فينبغي عليه أن يغري بوضع ثلاثة لاعبين في هذا المركز كما فعل منتخب مصر ضد نيجيريا. وبهذه الطريقة يستطيع أن يدافع في العمق بحيث لا يتم كشف عيوب عدم وجود السرعة في خط دفاعه، ويمكنه ايضاً وضع ثلاثة لاعبين في خط الوسط (خافيير ماسكيرانو وخوان سيباستيان فيرون وأفير بانيجا أمام فرناندو جاجو).
أما غوناس غوتيريو فيمكنه مساعدة تايو على اليمين، وسلسلة من تمريرات فيرون وبانيجا قد تساعد على انطلاق انخيل دي ماريا من الجهة اليسرى أو انطلاق ليونيل ميسي كلما يجد فراغاً في الوسط. وشكل الفريق سيكون مماثلاً لغموض منتخب الأرجنتين الذي فاز معه مارادونا بكأس العالم لعام 1986 عندما كان لاعباً.

وبالتالي، إذا كان مارادونا يريد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وبالتحديد إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي، فربما ينبغي على المدرب الأرجنتيني أن يعمل مثل المصريين