عرف تاريخ كرة القدم العالمية بروز الآلاف من المواهب الكروية التي كان يتنبأ لها الاختصاصيون بمستقبل رياضي باهر، فكتب للبعض منها النجاح الكبير فيما اكتفى العديد من هؤلاء اللاعبين بالتألق على الصعيد المحلي دون الدولي، كما يوجد من كان يسير في الطريق الصحيح المؤدي إلى الشهرة العالمية قبل التعثر في منتصف المشوار لأسباب رياضية وشخصية متشعبة، وبالتالي تضييع فرصة كانت في متناوله لدخول عالم أساطير كرة القدم.

ويعد اللاعب الفرنسي ذو الأصول الجزائرية ،كمال مريم ،واحد من أبز هذه الحالات التي يتناولها الاختصاصيون عند حديثهم عن اللاعبين الذين ضيعوا مشوارا كرويا كبيرا، فهذا اللاعب الذي ولد في 18 أكتوبر/ تشرين الأول 1979 بمدينة مونتبيليار من أبوين جزائريين،و كان يعد إلى وقت ليس من بعيد أحد المرشحين البارزين لخلافة النجم العالمي السابق زين الدين زيدان في منصب محرك المنتخب الفرنسي، خاصة لما توج سنة 2002 رفقة منتخب الآمال لنفس البد بكأس أمم أوروبا لأقل من 23 سنة،وبعدما رفض أيضا عرض الانضمام إلى منتخب بلده الأصلي الجزائر ،منتظرا فرصة الحصول على لفتة الإدارة الفنية لمنتخب فرنسا للأكابر بحكم أن كمال مريم يحمل الجنسية المزدوجة لكلى البلدين على غرار معظم الجزائريين المولودين بفرنسا ، فأتيحت له الفرصة إذن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 لما استدعاه مدرب منتخب الديكة، ريمون دومينيك ، لخوض مباراة ودية أمام منتخب بولونيا وكسب من خلالها ثقة المدير الفني الذي كثيرا ما أقحمه كاحتياطي في الشوط الثاني للعديد من المباريات الودية والرسمية إلى غاية يوليو/ تموز 2005 لما تم إبعاده من المشاركة في اللقاءات الأخيرة لتصفيات مونديال 2006 بسبب تراجع مستواه ضمن نادي بوردو ، وكان ذلك بمثابة ملامح لجذور الضياع التي بدأت إذن في شهر آب / أغسطس من عام 2005، إذ وبعد موسم صعب مع فريق بوردو قرر كمال مريم تغيير الأجواء ومغادرة النادي خاصة بعد قدوم المدرب البرازيلي ريكاردو على رأس الإدارة الفنية في مكان بوب ، فكان أمام اللاعب خياران للالتحاق بأحد الفريقين الذين طلبا خدماته واللذين كانا يعدان في ذلك الوقت من أفضل الأندية الأوربية ، وهما موناكو الفرنسي الذي نشط نهائي دوري أبطال أوروبا في سنة 2004 و اشبيلية الأسباني الذي توج بلقبي كأس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في سنتي 2006 و2007 . فتحاشى كمال الالتحاق بالنادي الأندلسي الذي ينشط ضمن أفضل دوري محلي بأوروبا quot; لايلغاquot; ، وفضل التعاقد لمدة أربعة مواسم كاملة مع فريق إمارة موناكو الذي قدم له عرضا ماليا مغريا إضافة طبعا للمزايا الضريبية التي تمنحها الإمارة للأشخاص القاطنين بها، والتي تلقب من طرف رجال المال والأعمال بquot;الجنة الضريبية quot; ، فكان إذن الاختيار الخطأ بحيث تاه كمال مريم طيلة أربعة مواسم كاملة بين المستوى الجماعي الضعيف لتشكيلة موناكو وبين الوعود الفردية لمسوؤلي النادي غير الموفى بها بالإضافة إلى المعاناة من إصابة خطيرة على مستوى الركبة لم يتم حسن معالجتها، وقد بلغ حد انهيار مشوار اللاعب كمال مريم الدخول إلى عالم البطالة في صيف 2009 بعد انتهاء مدة عقده مع نادي موناكو ،فبقي بدون فريق إلى غاية الخامس فبراير/ شباط الجاري ،وضمن نادي اريس سالونيك الذي يحتل مركز في وسط ترتيب بطولة الدرجة الأولي اليونانية.

تعدد الإصابات و مشكل تسيير المشوار أهم أسباب الفشل

ويرى التقني الفرنسي ايلي بوب الذي درب كمال مريم في فريق بوردو الفرنسي (2002-2003) أن اللاعب قد ضيع مشوار احترافيا كبيرا فقال في إحدى تصريحاته quot; لقد ضيع الفتى مشوار رياضي مميز، وانه لأمر مؤسف حقا وخسارة كبيرة واني أتساءل إلى غابة الآن عن الأسباب التي جعلته يفشل في انجاز مشوار كبير quot;. وسرد بوب حكاية طريفة وقعت له مع كمال مريم تؤكد الإمكانيات الفطرية للاعب، فقال quot;عند قدومه لأول مرة إلى بوردو و بعد الحصص التدريبية الأولى سألناه هل تلعب بالقدم اليمنى أو اليسرى فأجابنا أنه هو شخصيا لا يعلم ذلك quot;، وهذا مايؤكد أن كمال يحسن اللعب بكلى القدمين وبنفس الدرجة، وهي ميزة لا يتمتع بها إلا القلة القليلة من لاعبي المستوى العالي.

وعن أهم الأسباب التي قد تكون وراء فشل كمال مريم في التألق على أعلى مستوى، يرى المدرب ألان بيران الذي أشرف عليه ضمن فريق مرسيليا في موسم 2003 -2004 لما كان في أوج عطائه فقال quot; انه مشكل سؤ تسيير المشوار ونقص مستوى النادي الذي لعب له من بعد وتفضيله للجانب المادي أكثر من الرياضي quot;. وأوضح بيران في تصريح آخر quot; لقد لاحظت عنده نوع من الانطواء و الخجل ولكني كنت جد راضي عنه إذ كان يعمل بجد ويفكر في اللعب الجماعي أكثر من الاعتماد على إمكانياته الفردية ، ربما كان يفتقد لقوة الشخصية للنجاح أكثرquot;، ونفس التبرير عن قلة الشخصية تحدث به أيضا مدربه في بوردو ايلي بوب حين قال quot; لقد كنا ندفعه للذهاب بعيدا في مشواره ولكن وإذا كنا نلاحظ من خلال حديثنا معه الإرادة في تحقيق النجاح الكبير فان ذلك لم يكن يترجم فوق الميدان quot;.

ندم على عدم اختيار اللعب لمنتخب بلده الأصلي

كمال مريم تعاقد إذن مع اريس سالوينك لمدة عام ونصف لإعادة بعث مشواره الرياضي ولكن من المؤكد أنه لن يعود مجددا إلى المنتخب الفرنسي بحكم تقدمه في السن( 30 سنة) كما لايمكنه أيضا اللعب لمنتخب الجزائر بحكم أن لوائح الاتحاد الدولي لكرة القدم تقدم ترخيص تغيير المنتخب للاعبين الذين تقمصوا منتخبات الفئات الشابة فقط، مثلما حدث في الصيف الماضي بالنسبة للاعبي المنتخب الجزائري حسان يبدة ومراد مغني وجمال عبدون اللذين سبق لهم الدفاع عن منتخبات فرنسا للشباب...ويتداول محيط المنتخب الجزائري حاليا أن كمال مريم كثيرا ما أتصل ببعض لاعبي فريق محاربي الصحراء كرفيق صايفي وكريم زياني واعترف لهم بندمه على تفضيله اللعب لمنتخب فرنسا بدل الجزائر، خاصة لما لاحظ العودة القوية لكرة القدم الجزائرية إلى الواجهة الدولية من خلال تأهل المنتخب إلى نهائيات كاس العالم المقررة في الصيف القادم بجنوب أفريقيا