في إطار جهودها الرامية إلى دفع عجلة اندماج المهاجرين الأجانب في المجتمع الألماني إلى الأمام، تدعم الحكومة الألمانية ومنذ عقد من الزمن مجموعة من المبادرات الرياضية التي تسعى إلى جعل الرياضة جسرًا لاندماج مواطنيها وتقوية الشعور بتعدد الثقافات وقبول الاختلاف.
تشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 26 ألف جمعية رياضية في ألمانيا، تشرف على تأطير حوالى مليونين من الأطفال واليافعين، كما تشير إلى أن أكثر من نصف هؤلاء ينحدرون من أصول مهاجرة، الأمر الذي يثير تساؤلات عن طبيعة علاقتهم ببعضهم البعض من جانب، وبينهم وبين المنحدرين من أصل ألماني من جانب آخر.
إبان تنظيم ألمانيا لنهائيات كأس العالم قبل أربع سنوات تحت شعار quot;العالم ضيفا عند الأصدقاءquot;، كتب الكاتب الألماني ذو الأصل البلغاري إيليا ترويانوف مقالة في الأسبوعية quot;دي تسياتquot; بعنوان quot;بودولسكي في حاجة إلى مزيد من الأصدقاءquot;. اعتبرت هذه المقالة في وقتها نداء إلى المسؤولين الألمان لتكثيف مجهوداتهم في مجال الهجرة والاندماج. وقد كان وقتها رؤية لاعب من أصل أجنبي ضمن تشكيلة المنتخب الألماني تثير نقاشا في المجتمع الألماني. اليوم وبعد أربع سنوات على مونديال ألمانيا يوجد ضمن التشكيلة التي سافرت رفقة الناخب الوطني يواخيم لوف إحدى عشر لاعبًا من 23 من أصول أجنبية. وهذا يعكس حقيقة المجتمع الألماني، حيث أكثر من 15 مليون نسمة من ساكنة ألمانيا هم من اصول أجنبية. وأن كل ثالث مولود جديد في ألمانيا ينتمي إلى ثقافة أخرى. كما أنه من ضمن 6،7 ممارس محترف داخل الاتحاد الألماني لكرة القدم يوجد عدد كبير من أصول أجنبية تصل إلى 50 في المئة في المدن الألمانية الكبيرة.
quot;كرة القدم للجميعquot;
quot;كرة القدم للجميعquot; هذا هو اسم المشروع، الذي يشرف عليه الدكتور غيبكن برعاية خاصة من الاتحاد الألماني لكرة القدم. ويركز المشروع على الفتيات داخل المدارس، التي ينتشر فيها العنف بنسب كبيرة، كما يتمثل هدفه الأساسي في تشجيع الفتيات على ممارسة الرياضة بشكل عام وكرة القدم خاصة.
ويرى صاحب المشروع أن عددا من المدارس، التي كانت تحتل موقع الصدارة في قائمة المدارس التي ينتشر فيها العنف، باتت تشكل سندًا حقيقيًّا لهذا المشروع، إذ رحب تلامذتها وخصوصًا الفتيات بفكرته. ويشير الأستاذ في جامعة أوسنابروك إلى أن العلاقة بين عدد من هذه المدارس والتلاميذ تحولت تدريجيًا إلى علاقة ثقة. كما أصبح فضاء المدرسة محبّبًا لديهم، خصوصًا لدى التلاميذ ذوي الأصول الأجنبية. لقد بدأت هذه المدارس تتمتع بروح جديدة، بعد أن كانت ليس أكثر من فضاء للعنف، بحسب غيبكن.
كما أظهرت عدة دراسات وإحصائيات أن اهتمامات التلاميذ بالرياضة ضعيفة في المدارس، التي ترتفع فيها نسب العنف أو المدارس الثانوية، التي ينحدر أغلب تلامذتها من أصول مهاجرة. لكن هذه الدراسات أكدت في الوقت نفسه أن المستوى الدراسي للتلاميذ الذين بدؤوا بممارسة الرياضة، أخذ بالتحسن بشكل جيد. إضافة إلى ذلك يرى غيبكن أن هذا المشروع ساهم في تقوية روح التطوع والمبادرة لدى عدد من الفتيات بعد انخراطهن في جمعيات تطوعية.
quot;الاندماج عن طريق الرياضةquot;
عتيقة بوعكة لاعبة المنتخب الألماني للكرة الطائرة مع أمها |
ولم تتوقف الجهود الألمانية على هذا المشروع فقط، بل تم إطلاق مبادرة رياضية أخرى برعاية اللجنة الأولمبية الألمانية وبإشراف وزارة الداخلية الاتحادية والوزارات، التي تشرف على قطاع الرياضة في الولايات الألمانية. ويجعل هذا البرنامج، الذي يحمل اسم quot;الاندماج من خلال الرياضةquot; من الاندماج قضية أساسية في عمله، وذلك عن طريق تسهيل عملية اندماج أبناء المهاجرين في المجتمع الألماني.
كما يتمثل هدف هذا المشروع المباشر في مساعدة الأطفال واليافعين على تجاوز مشاكلهم اللغوية من جهة وعلى تعريف هؤلاء بتركيبة الجمعيات الألمانية وبنيتها من جهة أخرى. علاوة على ذلك يتضمن البرنامج مختلف الأنشطة الرياضية، إضافة إلى أنواع جديدة من الرياضة، التي لم تكن معروفة من قبل في ألمانيا والتي أصبحت تحظى باهتمام متزايد من قبل الألمان، خصوصًا رياضات الفنون القتالية كالسامبو الروسية.
وفي إطار ترويج هذا البرنامج عملت اللجنة الأولمبية الألمانية على اختيار رياضيين منهم نساء كسفراء للحكومة الألمانية في مجال الاندماج بهدف ترويج صورة ايجابية عن المهاجرين، الذين نجحوا في مشوارهم الرياضي والاجتماعي بناء على مجهودهم الشخصي. ويوجد من بين السفيرات واحدة من أصول تونسية وأخرى من أصول تركية. وهذا الاختيار لا يأتي اعتباطًا، بل يعكس طموح القائمين على هذا المشروع لترويج صورة جديدة للمرأة العربية والمسلمة، التي تعاني من النظرة النمطية، التي يحنطها بها المجتمع الألماني. وتقول عتيقة بوعكة، وهي من أصل تونسي، عن هذا الاختيار: quot;أود قبل كل شيء الاتصال بكل من له علاقة بالاندماج، فهذا الاتصال سيمكنني من الإنصات إلى الآخرين. فأنا متأكدة من أنني لا أزال في حاجة إلى التعلم حتى وإن كنت سفيرة للاندماجquot;. وهو الأمر الذي يقوم به اللاعب الدولي سامي خضيرة من أم ألمانية وأب تونسي الذي يشرف على عدد من المشاريع الاجتماعية مع أبناء المهاجرين في مدارس جهة بادن فوينتنبيرغ وعاصمتها شتوتغارت.
كرة القدم لغة من لغات هذا العالم
وجهت انتقادات حادة للنظام التعليمي الألماني، باعتباره نظاماً نخبوياً يشكل عامل كبح لطاقات التلاميذ المنحدرين من أسر ضعيفة وفي مقدمتهم أنباء الأسر ذات الأصول المهاجرة. لذلك تعمل عدة هيئات على تكثيف جهودها داخل المدارس لمساعدة التلاميذ على تجاوز هذه الوضعية المزرية.
وفي هذا الصدد تم الإعلان عن برنامج quot;العالم يتكلم كرة القدمquot;، بغية تقوية قدرات الأطفال على تعلم اللغة الألمانية والنطق بها بصورة سليمة. ويعتمد هذا البرنامج على شقين؛ الأول نظري يهدف إلى تكوين جمل بسيطة خالية من الأخطاء النحوية وسليمة من حيث البناء. أما الشق الآخر فتطبيقي تجري فصوله على أرضية ملاعب الكرة، لتطبيق ما تم تعلمه داخل حجرات الدراسة.
وفي هذا الإطار يقول بيتر شتاين، وهو مسؤول عن جمعية تعمل على تنمية القدرات التعليمية وتحسين فرص التكوين عند الأطفال معلقًا: quot;هناك جيل ضائع يترعرع في غفلة منا، وإن الأطفال الذين يكون مستواهم اللغوي ضعيفًا، تكون حظوظهم متدنية للحصول على فرص عمل حقيقيةquot;.
أنشطة أجتماعية للمنتخب الألماني
التفاتة جميلة تلك التي أعلن عنها عميد المنتخب الألماني فيليب لام، عشية انطلاق مونديال جنوب أفريقيا، حيث صرح بأن زملاءه الـ 23 قائلاً: quot;أردنا كفريق أن نفعل شيئًا للسكان المحليين في جنوب افريقيا ، لذلك قررنا أن ندعو 300 طفل وشاب للحضور لكل مقابلة من مقابلاتنا ضد كل استراليا ، وصربيا ، وغانا ، الذين لاتواتيهم الفرصة للحضور الى الملعبquot;.
وفي هذا الصدد سبق للفندق الذي يقطنه المنتخب الألماني أن احتضن حفلاً رمزيًا لتسليم تذاكر الدخول لأربعة من الأطفال من حي سكني فقيرغير بعيد من إقامة المنتخب الألماني. هذا التجمع السكني الذي لا يبعد سوى بعشر دقائق على متن السيارة عن إقامة المنتخب الألماني، ويتجاوز سكانه المليون نسمة، تقطنه الفئات الفقيرة في جنوب أفريقيا. وسيتحمل لاعبو المنتخب الألماني مصاريف النقل والأكل والرعاية للأطفال التسعمئة. ويقدر المبلغ الذي تبرع به اللاعبون نحو 100000 يورو .
كما ظهر عميد الفريق فيليب لام وباستيان شفاينشتايغه حاملين شارة صفراء تضامنًا مع مؤسسة نالسن مانديلا، وهما الشارتان اللتان تبرعت بهما شركة أديداس.
مؤسسة فيليب لام للأعمال الخيرية
توزيع المؤسسة للأحذية باحدى قرى أثيوبيا |
في إحدى زياراته السابقة لأفريقيا وقف فيليب لام عميد المنتخب الألماني على واقع الأطفال بجنوب أفريقيا خصوصًا والقارة الأفريقية عمومًا. وثمتمّ العزم على اطلاق مباردة تحت اسم مؤسسة فيليب لام للأعمال الخيرية الهدف منها القيام بمشاريع تهتم بالرياضة والتعليم لدى أبناء المعوزين في ألمانيا وفي القارة الأفريقية.
ومع أن التجربة لا تزال في بدايتها، فإنها وجدت صدى قويًّا لها في ألمانيا وفي أفريقيا. حيث يشكل مشروع المخيم الصيفي أقوى مشاريع المؤسسة. وتقوم الفكرة على جلب أبناء المعوزين من أفريقيا وألمانيا الذين لا تسمح ظروفهم المادية لهم بالسفر في العطلة الصيفية لمدة قصيرة إلى مخيم صيفي في ألمانيا. وسيستفيد أكثر من 8000 طفل ويافع هذه السنة من هذه التجربة. إضافة إلى هذا المشروع هناك مشاريع اخرى في جنوب أفريقيا ودول أفريقية أخرى أشرف عليها عميد المانشافت تساهم كلها في جعل الرياضة وسيلة لإثبات الذات.
وليس خفيًّا أن التشجيع والترحيب الذي يلقاه المنتخب الألماني في جنوب أفريقيا مرده هذه المبادرات التي تصيب القلوب في الصميم.
التعليقات