اتهمت أطراف مصرية عدة فلول نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك بالوقوف وراء أعمال العنف والشغب في الملاعب المصريّة، التي كان آخرها مذبحة بورسعيد الكرويّة، حيث قُتل 70 مشجِّعاً أهلاويّاً على الأقل وأصيب المئات في الأربعاء الأسود. إيلاف ترصد بالوقائع والأدلة صحة هذه الإتهامات.


Blood is seen on a chair one day after supporters clashed at the Port Said stadium

من آثار مذبحة بورسعيد الكرويّة يوم الأربعاء الأسود

أجمعت الفعاليات السياسية والإعلامية والرياضيةكافةفي مصر على أن الأحداث الدامية، التي رافقت مباراة النادي المصري البورسعيدي مع الأهلي في الدوري والتي راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، كانت مدبّرة،ويقف وراءها فلول نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك أو ما أصبح ينعت بحكومة طرّة السجن، الذي يقبع خلف قضبانه آل مباركومعاونوه السابقون.

الفلول، التي لم تصب باليأس بعد، وتعمل جاهدة على تنفيذ أجندة آل مبارك، الذي تلقت منه الأوامر، ربما قبل إعلان سقوطه من برجه العالي في مطلع العام الماضي، أوامر تقضي بتحويل مصر إلى جحيم لا يطيقه أحد، لإفراغ ثورة التحرير من محتواها،ومنعها من تحقيق آمال الشعب المصري وطموحاته،وخاصة القصاص من مبارك ونظامه البائد.

فلا يمكن أن تصنّف أحداث ملعب بورسعيد بمعزل عن أخرى سبقتها في ملاعب أخرى منذ نجاح ثورة التحرير،مثلما حدثفي مباريات الزمالك والأفريقي في دوري أبطال أفريقيا، وفي مباراة المحلة مع الأهلي وغيرها، غير أن الاختلاف الذي يمكن ملاحظته هو أن الفلول كانت تستغل الأخطاء التحكيمية، وتعثر الفريق المحلي أمام جمهوره،لإثارة الشغب، وهو ما لم يحدث في لقاء المصري مع الأهلي، حيث حقق الأول انتصارًا بثلاثة أهداف لواحد، ولم تكن هناك أخطاء من الحكام في حق النادي المصري، وبالتالي كان يفترض أن تنتهي المباراة بسلام.

بدا واضحًا أن الفلول تخطط لإثارة الشغب في الملاعب في المباريات المهمة، التي يكون ناد معروف أحد طرفيها،ويتمتع بشعبية واسعة، ولديه وسائل إعلام موالية، تلقي الضوء على أي حدث، ولو بسيط، لتهويله خارجيًا، مثل الأهلي أو الزمالك، بل واختارت هذه المرة حتى التوقيت، إذ إن مأساة بورسعيد تتزامن مع احتفالات المصريين بنجاح ثورة 25 من يناير ومواصلة محاكمة المخلوع مبارك وحاشيته.

كما إنها تأتي قبيل أياممن المباراة المرتقبة والمهمة بين الأهلي والزمالك، واختاروا أيضًا جمهور نادي المصري البورسعيدي، الذي يصنَّف في مصر على أنه من أكثر الجماهير تعصبًا لناديه وتعلقًا به.

ومثلما كان مبارك يستغل الرياضة، وخاصة كرة القدم ذات الشعبية الجارفة في مصر، لتلميع صورته وصورة نظامه الفاسد، والاستمرار في فساده واستبداده، خاصة عندما تتحقق الانتصارات على الصعيد الدولي، كما حدث مع المنتخب الأول في كاس أمم أفريقيا، فإن أزلامه من الفلول يريدون أيضًا توظيف هذا السلاح لتعطيل الثورةأو على الأقل ابتزازها ومساومتهافي قضية محاكمة مبارك، فهم يدركون جيدًا أنه كلما كان عدد الضحايا أكبر... كلما كان الزخم الإعلامي أقوى، وكانت أيضًا التداعيات أقوى، وتصب في مصلحتهم،فهي تشعرهم بالقوة وبالقدرة على التنفيذ.

من بين هذه التداعيات، التي كان يبحث عنها الفلول، توقيف نشاط الدوريإلى أجل غير مسمّى حتى يعطى الانطباع في الداخل والخارج بأن الثورة لم تتمكن من توفير الأمن للمصريين، وبدونه لا يمكن تحقيق بقية طموحاتهم، وأيضًا، وهذا أخطر، خلق أجواء من الانتقام بين أبناء البلد الواحد، وزيادة حدة الاحتقان، وتحويل الأنظار عن محاكمة المخلوع، فضلاً عن دفع العلاقة بين الشعب والقوات العسكريةإلى نقطة اللارجوع.

كما بدا واضحًا من خلال تتبع مجريات أعمال الشغب والعنف، التي عرفتها الملاعب المصرية منذ ثورة 25 يناير، أن هناك جهة واحدة تخطط لهذه الأعمال،وتعطي الأوامر لعدد من المأجورين والمرتزقة لإشعال فتيل النار، وترك البقية لمحبي الناديين المتنافسين، خاصة أولئك المتعصبون،وتحديدًاالقاصرون منهم، الذين وعن غير قصد يقعون في أفخاخ الفلول، فيدخلون في صراع مع بعضهم البعض، ينتهي بسفك دمائهم، ويتحاشى هؤلاء المرتزقة إثارة أي فوضى قبيل انطلاق المباراة، بل يتركون ذلك كله حتى الدقائق الأخيرة، عندما تكون المباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة، ويكون الجميع قد احترقت أعصابه، فيسهل إثارته للقيام برد فعل عنيف.

كما يعمد هؤلاء المأجورون إلىتجميد نشاطهم أسابيع عدة،حتى يعطون الانطباع بأن الأمور مستتبة، وبأن ما حدث في مباريات سابقة كان حادثًا معزولاً وتلقائيًا، ولا يمكن إدراجه في إطار إجرامي مخطط له سلفًا.

مما يؤكد وجود هؤلاء المرتزقة هو أنه بعد انتهاء الشغب فإن جمهوري الناديين يعلنان تبرؤهما منهم، وأنه لا علاقة تربطهما بهم، فهم يتنقلون من مدينة إلى أخرىبناء على أوامر أسيادهم، ولأنها ليست المرة الأولى التي يقومون فيها بهذا النوع من الإجرام المنظم، فقد أصبحوا خبراء فيه،وباتوا يجيدونه.

وبدا واضحًا أن الفلول ما كانوا لينجحوا في مخططاتهم الانتقامية الإجرامية لولا وجود مناخ وعوامل، ساعدتهم على التستر خلفها حتى لا ينكشف أمرهم، فالتقصير الأمني لا يمكن فهمه وتفسيره إلا إذا كان الأمن نفسه متآمرًا معهم، لان الأسلحة البيضاء التي أشهرتها الدفعة الأولى، التي اجتاحت أرضية الميدان من سيوف وخناجر وسكاكين وقضبان حديدية، لا يمكن لأي مخلوق كان أن يمررها تحت قميصه من دون أن يكشفها رجال الأمن وبسهولة عند أبواب الملعب، فكيفتم إدخال تلك الكمية الضخمة.

كما إن عدم تدخل رجال الأمن في الملعب وبحزم، مثلما حدث في المحلة، يطرح أكثر من علامة استفهام، رغم أنهم مدججون بالأسلحة، خاصة عند انطلاق الشرارة الأولى، إذ كان يفترض أن يتعاملوا مع هؤلاء المرتزقةمثلما تعاملوا مع ثوار ميدان التحرير الشرفاء.

كذلكفإنهماستغلوا الأخطاء الإعلامية وتراكماتها، في ظل استمرار الكثير من الوجوه المحسوبة على نظام مبارك الفاسد استمرارها في الظهور في العديد من الفضائيات والتي تحولت إلى بؤر حقيقية للفتنة، من خلال معالجتها لملف العنف، فغالبية القنوات و الفضائيات، والعديد من الصحف تتناوله قبل المباراة، وكأنه سيحدثلا محالة بعدها.

كما إن تركيز التغطية الإعلامية على الناديين الكبيرين، الأهلي والزمالك، أشعر بقية الأندية وجماهيرها بالغبن، وهو ما أدى إلى تدهور علاقتها بجمهور القلعتين الحمراء والبيضاء، فهل يعقل أن يقول أحد مقدمي البرامج، الذي يصف نفسه بأحد عمالقة الإعلام الرياضي العربي رغم أنه مجرد قزم، أنيقول إن حرس الحدود لن يفوز بالدوري، وسينهزم في الجولة المقبلة، ولن يفوز بعدها، رغم أنه يحتل صدارة ترتيب الدوري، وهذا مجرد فيض من غيض مما يتلفظ به القزم، الذي كفكف دموعهذات يوم تأثرًا برسالة سيده علاء الموجود حاليًا في طرة.

فاستغلت الفلول مثل هذه الحماقات والتجاوزات الإعلامية لتمرير رسائلها،وتأجيج المشاعر، وجعل جمهور أي ناد يستقبل الأهلي والزمالك، وكأنه يستقبل عدوًا، تتوجب محاربته بكل الطرق.

من جانبه اتحاد الكرة يعيش خارج مجال التغطية، فالرئيس سمير زاهر وباقي الأعضاء منشغلون أكثر بمستقبلهم المهني في الفضائيات، وبصراعاتهم الداخلية، بعدما حلّ عليهم قرار تحديد العهدات كالصاعقة، وهم الذين كانوا يرغبون في الخلود في الجبلاية، فزادت قراراتهم غير الصائبة وغير العادلة،خاصة في حق الأندية الصغيرة،والتغاضي عن أخطاء الكبيرين، ولم يعد لديهم الوقت الكافي للاهتمام بشؤون الدوري والأندية والبحث عن كيفية العبور إلى بر الأمان، والمساهمة في إنجاح الثورة التي التحقوا بها في الربع ساعة الأخير، للتكفير عن الذنوب التي ارتكبوها في عهد النظام السابق.

حيث كان جل أعضاء الجبلاية عبيدًا لجمال وعلاء، فكان بإمكان الاتحاد، وحفاظًا على أرواح الأبرياء من الجماهير المصرية، اتخاذ قرار بإقامة المباريات بدون حضور جمهور الفريق الضيف، وإجبار الأندية على خوضها نهارًا، وليس تحت الأضواء الكاشفة ليلاً، لأن ذلك ساعد المرتزقة في إستاد بورسعيد على تنفيذ مؤامرتهم الدنيئة بعدما قام أحد المتآمرين معهم بإطفاء الأنوار،حتى تهدأ الأمور، ويستتب الأمن بشكل تام، غير أن اتحاد الكرة لا يهمّه سوى كم يكسبكل عضو من بيع حقوق البثّ، لذلك لا يستبعد الكثير من المتابعين لما يحدث أن يكون عدد من أعضاء الاتحاد ينتمون إلى الفلول، ينفذون أجندتها،مقابل ما كانوا يحصلون عليه من امتيازات مالية وعينية من قبل النظام القديم، الذي غضّ بصره عن الكثير من تجاوزاتهم.