يتعين على الاسباني جوسيب غوارديولا عندما يتسلم مقدرات تدريب بايرن ميونيخ الالماني بدءا من الاول من تموز/يوليو المقبل، ان يتكيف مع فلسفة النادي الراسخة في الشأنين المالي والادراي وخلاصتها قاعدة واضحة وصريحة: لا يجب ان ننفق اكثر مما نربح. وبالتالي فان التوازن المالي quot;مقدسquot; وتوفير ملاءمة مالية اولوية مطلقة في الصرح الواقع في quot;سابينر شتراسهquot;.

ولعل بايرن ميونيخ حالة فريدة في زمن الانفاق المالي الخيالي والموازنات الفلكية في عالم كرة القدم، حيث الصفقات التي لا توازن بين المداخيل والانفاق وتعتبر عقود لاعبين موازنات بلدان صغيرة.

فمثلا شكلت رواتب لاعبي بايرن البالغة 156 مليون يورو العام الماضي 47 في المئة من موازنة النادي، في مقابل تخطيها 107 في المئة في مانشستر سيتي الانكليزي. وهناك دائما سقف محدد للرواتب مقداره 10 ملايين يورو، ولم يبلغه الا ثلاثة هم الفرنسي فرانك ريبيري والالمانيان فيليب لام وباستيان شفانشتايغر.

واذا كان استقدام الاسباني خافيير مارتينيز من اتلتيكو بلباو مقابل 40 مليون يورو استثناء، فرئيس النادي البافاري كارل هاينتس رومينيغيه يبرر هذه الخطوة بعدم توافر لاعب بمستواه يشغل مركزه. وعموما استقدم بايرن 44 لاعبا منذ عام 1995، كانوا جميعا مفيدين ومؤثرين ميدانيا.

ويتوقع خبراء واختصاصيون ان يصبح بايرن في غضون سنوات قليلة النادي الاغنى في العالم على صعيد الارقام المجمعة للاستثمارات والمداخيل، وهو الرابع حاليا.

وتعكس الارقام صورة ناد مليء ماليا بين كبار يعانون في اغلى دوريات القارة العجوز، اذ ان حجم النادي يقدر بـ4ر374 مليون يورو، وتقدر املاكه بـ 278 مليونا، والسيولة المتوافرة في صندوقه بـ2ر127 مليون يورو، وارباحه الصافية بلغت 11 مليونا في العام الماضي.

وباع بايرن 600 الف قميص (سعر القطعة 80 يورو) العام الماضي، كما انه الاعلى متابعة تلفزيونيا في المانيا بمعدل 694 ساعة بث. لكن عائدات النقل التلفزيوني التي يحصل عليها لا تتعدى 6ر37 مليون يورو، وحتى لو زيدت 30 في المئة عند توقيع العقد الجديد تعتبر ضئيلة قياسا بما يجنيه ريال مدريد (2ر199 مليون يورو). لكن الادارة لا تفاوض على عائدات مرتفعة بل متوازنة لئلا تتأثر الاندية الصغيرة سلبا. كما تمد يدها لدعم المتعثرة منها كما حصل مع بوروسيا دورتموند (2 مليون يورو)، ومن منطلق ان الدعم يقوي المنافسة وينعكس ايجابا على الجميع.

وبلغة الارقام ايضا، يرتبط بايرن ميونيخ بعقود رعاية مع 30 جهة تؤمن له 3ر82 مليون يورو سنويا، فضلا عن مدخول بيع تذاكر المباريات في quot;اليانز اريناquot; والبالغ 2ر129 مليون يورو، علما بان التذاكر الممنوحة لانصاره واعضائه الدائمين محددة بـ39 الف تذكرة في ملعب يتسع لـ71 الف متفرج، وهناك طرح لزيادة سعته قريبا بالتزامن مع مشروع ترشح المانيا لاستضافة بطولة اوروبا عام 2020.

والملعب التحفة كلف 364 مليون يورو عند انجازه عام 2005، وبعدما اصبح ملكا للنادي سيسترد ثمنه من عقود التشغيل والاستثمار بحلول العام 2020.

ويذكر رئيس مجلس الامناء اولي هونيس الذي انخرط لاعبا في صفوف بايرن عام 1970 وتدرج في سلم الوظيفة والمسؤوليات، ان عدد الاعضاء الفاعلين كان عامذاك 8 آلاف عضو والموازنة 1ر6 مليون يورو، وها هي اليوم تقارب الـ400 مليون وعدد الاعضاء الفاعلين 200 الف. كما ان للنادي quot;الشركة المؤسسةquot; 3 آلاف رابطة مشجعين في انحاء المانيا والادارة على تواصل وثيق معها.

تأسس بايرن ميونيخ عام 1900، وحصد بطولة المانيا عام 1932 وحمل كأسها عام 1957. لكنه لم يرتق الى مصاف فرق النخبة التي شكلت الquot;بوندسليغهquot; التي اطلقت عام 1964 الا في العام التالي. وللمفارقة، خسر مباراته الاولى فيها امام ابن مدينته ميونيخ 1860 (صفر-1 في 14 آب/اغسطس) القابع حاليا في الدرجة الثانية.

ومن يجول في اروقة متحف النادي القائم على مساحة 3050 مترا مربعا، يتوقف اكثر عند انجازات السنوات الاربعين الاخيرة التي طبعت شهرة بايرن، فحصد خلالها لقب الدوري 23 مرة وكأس اوروبا 4 مرات.

يحكم بايرن من اهله، فادارته تضم 20 من القدامى بين اداري ومدرب ومستشار وتقني ومورد، والوفاء هو قوام العلاقة الوطيدة بينهم. ويؤكد رومينيغيه ان علاقته وهونيس مستمرة منذ 40 عاما، quot;ونحرص على ازالة اي سوء تفاهم بالحوار والمناقشة حتى ولو تطلب الامر ساعات، فلا تأجيل او اهمال لبحث الامور ومعالجة المعضلاتquot;.

واذا كان القدامى هم quot;الحاكمونquot;، فان بعض انبائهم يشكلون quot;ورثةquot; في هذا القطاع. فمثلا سابين نجلة هونيس تعمل في متحف النادي، وهايدي نجلة اللاعب السابق جورج شوارزنبيك (المسؤول عن مستلزمات المكاتب) تشغل منصبا في الدائرة القانونية.

انها مؤسسة قائمة على التعاضد، تولي نقل الخبرة والكفاءة الى الاجيال المتعاقبة، وتعتبر ذلك قيمة مضافة ومن اسرار التفوق في جذب الاستثمارات. عائلة تمنح قوة اضافية لطاقة النادي وفرقه على رغم انها لم تصب نجاحا في العاب اخرى، والاتجاه قائم لتعزيزها ماديا وفنيا، وقد بدا فريق كرة السلة يسلك درب الاضواء.

ويحلم هونيس بان يصبح بايرن قطبا في الالعاب الجماعية ويحرز القابا في كرة القدم والسلة واليد مثلا، على غرار برشلونة الاسباني الذي احرز بين العامين 2009 و2011 لقب الدوري الاسباني لكرة القدم مرتين ولقب دوري كرة اليد وبطولة يوروليغ لكرة السلة.